لم تكن نتائج اجتماع منظمة التعاون الإسلامى مؤخرا أفضل من نتائج اجتماعات وزراء الخارجية العرب للرد على قرار الرئيس الأمريكى بنقل السفارة الأمريكية للقدس، قرارات تم إعادة طبعها كى تتلاءم مع الحدث الجديد، لكن الاختلاف أن تركيا أرادت لعب دور الزعامة فى العالم الإسلامى، وحاولت تمرير قرار تفويضها متحدثة عن العالم الإسلامى، لكن القمة الإسلامية لم يكن مستوى تمثيل الحضور بها بالدرجة التى يمكن أن نطلق عليها أنها قمة ناجحة، فمن بين 57 دولة لم يشارك إلا 15 رئيس دولة، وتغيبت 9 دول عن الحضور لخلافات سياسية مع أردوغان، وضاع حلم أردوغان فى قيادة العالم الإسلامى، مثلما ضاع حلمه وأفشلته المخابرات المصرية فى قطاع غزة والذى أراد استخدامه كبوابة لاعتراف دولى بجمهورية شمال قبرصالمحتلة من قبل تركيا. المشهد فى المنطقة العربية به تقاسم أدوار قلما نجد مثيلاً له فى أى منطقة فى العالم، بل يمكن القول أن حالة الإقليم «الدول العربية - إيرانوتركيا وإسرائيل» مميزة، فالأدوار موزعة بدقة، كل يؤدى دوره بحرفية عالية. أردوغان يمارس دوره المعتاد خطب حنجورية شعارات نارية انتقاد لرد الفعل العربى من الاعتراف الأمريكى بالقدس عاصمة لإسرائيل، حسن روحانى الرئيس الإيرانى يتصل برئيس المكتب السياسى لحماس إسماعيل هنية لدفعه لإشعال حرب فى المنطقة، وفى نفس التوقيت قاسم سليمانى قائد فيلق القدس فى الحرس الثورى الإيرانى يتصل بقائدى كتائب القسام وسرايا القدس لحثهما على مواجهة إسرائيل، حسن نصر الله، أمين عام حزب الله اللبنانى أبى ألا يكون له دور فى المشهد وقال من معقله بالضاحية الجنوبية لبيروت إن الحزب وحلفاءه فى المنطقة سيجددون تركيزهم على القضية الفلسطينية، الشارع العربى فى حالة ثورية وغير راضٍ عن رد الفعل الرسمى من جانب الدول العربية والإسلامية بشأن قرار الرئيس الأمريكى. فى النظم السياسية يجب التمييز بين أمرين - المستوى الرسمى والمستوى الشعبى، المستوى الرسمى هو ما تعبر عنه الحكومات ورؤساء الدول ويكون مقيدا باتفاقيات ومعاهدات، مصالح وتوازنات داخلية وخارجية، إقليمية ودولية، لذلك يكون القرار ترجمة ومحصلة لاعتبارات عدة، يغفلها ولا يدركها المواطن العادى «المستوى الشعبي» لذلك نجد دائما ما تكون المواقف الرسمية أقل من سقف مطالب المستوى الشعبى. إيرانوتركيا نموذجان مثاليان للعب على مشاعر المواطن العادى بشعارات حنجورية، المشكلة أن الشارع العربى كثيرا ما انخدع بشعارات وخطب دول الجوار، وانساق الشارع وراء الشعارات وصدق الناشطين الممولين من الخارج والنتيجة خسر الشارع، خسر المواطن، سقطت دول كاليمن والعراقوسوريا وليبيا، دخلت فى حروب وصراعات أهلية، لكن كسبت إيرانوتركيا وأمريكا وإسرائيل. أردوغان أراد كسب الشارع العربى بقطع العلاقات مع إسرائيل فى أعقاب حادث السفينة مرمرة وهلّل الشارع العربى والفلسطينى خاصة فى قطاع غزة، وشهدت الفترة التى تلت الحادثة قمة فى التعاون والاتصالات بين تركيا وحماس وكانت إمارة الإرهاب «قطر» هى المعنية بالتمويل وتقديم الدعم المالى، وكانت النتيجة معاناة لسكان غزة وتعميق فى الخلاف بين حماس والسلطة الفلسطينية، وفقدت القضية الفلسطينية اهتمام العالم وتراجعت فى المحافل الدولية، لكن لم يستمر الأمر طويلا، راجع أردوغان سياساته وحساباته وتحول 180 درجة بعد أن كان يتفاخر بأنه قطع علاقاته مع إسرائيل رجع إليها مهرولا خانعا، لكن رجوعه كان بمشروع تركى اتفق فيه مع الإسرائيليين خلال المفاوضات التى تمت بينهما. والمشروع التركى هو إقامة خط بحرى بين ميناء غزة وشمال قبرص الذى تحتله تركيا، ويخضع لإشراف أمنى دولى فى الظاهر، وإسرائيلى من الباطن وذاك بهدف الحصول على اعتراف من إسرائيل بجمهورية شمال قبرص التى لا يعترف بها أحد سوى تركيا والتى احتلتها وفرضت أمرًا واقعًا بالقوة العسكرية منذ عام 1975 إلا أن المخابرات العامة المصرية كانت سباقة فى إفشال مخطط أردوغان فى قطاع غزة الذى هدف إلى فصله عن الدولة الفلسطينية المستقبلية، لذلك كانت المصالحة الفلسطينية التى قامت بها المخابرات المصرية بمثابة صفعة قوية لأردوغان ومخططاته واستغلاله للقضية الفلسطينية، وهذا ما يفسر لماذا أردوغان يهاجم مصر فى كل زيارة خارجية له أو حتى أية مناسبة داخلية . إيران هى الأخرى شكلت ميليشيات وجيوشًا وجماعات إرهابية متخذة من القدس والأقصى شعارًا ومن تحرير فلسطين وإبادة إسرائيل نهجاً وعقيدة، لكن لم نسمع أن طهران حركت أحد ميليشياتها وجيوشها أو فيلق القدس إلى فلسطين، هى تمارس دوراً تخريبيا فى الدول العربية فى العراقوسورياولبنان واليمن، وقاسم سليمانى يصول ويجول فى الدول العربية وتبعه قيس الخزعلى الأمين العام لعصائب أهل الحق العراقية المنضوية فى الحشد الشعبى يتجول فى جنوبلبنان، لم يجرؤ أحد على التوجه للقدس لتحريريها، الأمر اللافت للانتباه أنه بينما عانت كل الدول العربية من عمليات إرهابية ارتكبتها جماعات تضع إما القدس أو الأقصى أو فلسطين شعارًا لها لم نسمع أن أحدًا توجه إلى القدس لتحريرها أو إلى الأقصى لرفع الحصار عنه، وكشفت تقارير مصورة أن إسرائيل استقبلت عددًا من أفراد الجماعات الإرهابية الذين أصيبوا فى عملياتهم الإرهابية فى سوريا لكى يتم علاجهم.