«روزاليوسف» تحقق من «شمال سيناء» بعد حادث «مسجد الروضة»: ماذا يحدث فى سيناء؟!.. سؤال يتردد فى أذهان الكثيرين فى أعقاب أى عملية إرهابية.. كذبت صحيفة الجارديان البريطانية وقالت إن الصحافة ممنوعة من الدخول إلى شبه الجزيرة تماماً.. «روز اليوسف» زارت قرى «بئر العبد» ومدينة العريش، بعد أيام من الحادث الإرهابى الخسيس الذى طال مسجد الروضة، ووقفت على معاناة الأهالى وآمالهم عن قرب استطلعت تفاصيل الحياة اليومية لأهالى المناطق الملتهبة على الحدود. كلمات أغنية المطرب الكبير محمد منير «لو ف يوم راح تنكسر لازم تقوم واقف كما النخل باصص للسما.. ولا انهزام ولا انكسار ولا خوف ولا ولا حلم نابت فى الخلا».. هى لسان حالهم إنهم أهالى شمال سيناء، درع مصر فى مواجهة الإرهاب، يمارسون حياتهم متحدين رصاص الإرهابيين الغادر، يحلمون باليوم الذى تعود فيه مدنهم آمنة مطمئنة. 7 ساعات كاملة للوصول إلى شمال سيناء تبدأ من موقف السيارات فى القاهرة، عبر 3 وسائل مواصلات، فى مقدمتها «الميكروباص»، فللوصول إلى بئر العبد أو العريش عليك استقلال سيارات «القنطرة غرب»، ومنها تنتقل إلى الشط الثانى للقناة عبر المعديات، ومن ثم استقلال وسيلة نقل أخرى. «محمد» سائق السيارة حكى عن تفاصيل حياته اليومية مؤكدا أنه يوميا ينقل العشرات من أهالى سيناء من وإلى القاهرة، حيث يحرص السكان على التردد على القاهرة من أجل التجارة وشراء البضائع، وإنهاء بعض الطلبات أو الأوراق، فالأحداث لم توقف حياة أهالى سيناء، فلديهم إصرار وإرادة على التحدث وكسر الإرهاب. بعد ما يزيد على 3 ساعات، توقفت السيارة، وصاح السائق فى الركاب قائلا: «حمد الله على السلامة» معلنا الوصول إلى «القنطرة غرب»، نقطة الانطلاق الثانية نحو سيناء، أسرع الجميع للنزول، فنحن الآن على شاطئ قناة السويس، وأمامنا عدد من العبارات الضخمة، والانتقال إلى الشط الشرقى للقناة يتطلب الصعود على ظهر معدية ضخمة تسع ما يزيد على 1000 راكب. الوصول إلى المعدية يتطلب وقوفك فى طابور، وبعدها تدخل غرفة كبيرة مزودة بالعديد من أجهزة التفتيش، العشرات من أهالى سيناء انتظموا فى الطابور، البعض يحمل حقائبه وآخرون قدموا إلى القنطرة غرب والإسماعيلية من أجل قضاء متطلبات حياتهم اليومية.. نساء وأطفال ورجال وكبار فى السن.. كل ينتظر دوره ليعبر إلى «المعدية»، ولسان حالهم يقول: «كله فى مصلحتنا»، الكل يحاول تسهيل مهمة رجال الأمن أثناء التفتيش بفتح الحقائب وإظهار الرقم القومى لكل شخص. على باب غرفة التفتيش الأمنى، استقبلنا شخصان، طالبانا ببطاقة الرقم القومى، وعندما يكون الشخص من خارج سيناء، يتم سؤاله عن سبب الزيارة، وبعد تدقيق البيانات والكشف عنها، يعطيك إشارة المرور إلى شط المياه لتقف مع العشرات من أهالى سيناء وسكانها فى «المعدية» للانتقال إلى سيناء. وما أن وصلت «المعدية» صعد الجميع إلى ظهرها، وما هى إلى دقائق معدودة حتى أطلقت صافرتها معلنة التحرك نحو الشاطئ الشرقى للقناة، فى رحلة بحرية مدتها 15 دقيقة، وإلى جوارك تمر الحاويات الضخمة محملة بالبضائع، وما أن تصل إلى الجانب الآخر، تجد نفس الحال عند الدخول، نقطة أمنية أخرى وتفتيش، وأماكن متنوعة لجلوس المواطنين. الآن وصلنا سيناء، وفى طريقنا إلى «بئر العبد»، والتى لابد أن تستقل وسيلة مواصلات جديدة، هنا الجميع يعرف بعضهم البعض.. اللهجة البدوية هى السائدة، صعدنا السيارة، وصعد معنا آخرون، من كلماتهم ظهرت العديد من تفاصيل حياتهم، فجميعهم من قرى «بئر العبد» التى يصل عددها 12قرية، التى يقطن فيها عدد من أبناء قبائل سيناء. السيارات تتحرك بأهالى شمال سيناء من القنطرة شرق عبر طريق جديدة يربط بين القنطرة والعريش تم إنشاؤه قبل عامين، ووفر الكثير من الوقت أثناء التحركات، وفى الطريق إلى بئر العبد ترى على جانبى الطريق بائعى الأسماك، حيث تتميز المنطقة بالثروة السمكية، وتقوم القوات المسلحة حاليا بإنشاء عدد من المزارع السمكية الضخمة. على طول الطريق، ترى الاستعدادات لإنشاء «مدينة بئر العبد الجديدة»، المقرر تشييد مرافقها ومنشآتها على تخوم المدينة القديمة، فضلا على مئات العمال تراهم منهمكين فى أعمالهم فى بناء «مدينة المليون وحدة سكنية» والمنطقة الصناعية عند مدخل لبورسعيد إلى بئر العبد بشمال سيناء. الطريق الجديد يربط القنطرة غرب ببئر العبد، فضلا على وجود خط للسكك الحديدية يربط بورسعيد وبئر العبد، فخط السكك الحديدية يمر من خلاله قطار البضائع الذى يمر بمحافظات الصعيد فى موازاة نهر النيل، وبعدها ينتقل إلى القنال متوجهاً لميناء شرق الضفة، كما يمر من خلاله قطار الركاب الذى يسير من الإسماعيلية مرورًا ببئر العبد بشمال سيناء حتى بورسعيد، إلا أن هذا الخط تم رفعه من الخدمة فى الوقت الحالى خوفاً من انتقالات الإرهابيين او استهداف الركاب والبضائع من قبل الجماعات الإرهابية. وكان على جانبى الطريق، قرى صغيرة تجاورها المزارع المتنوعة للفاكهة وأشهرها التين والزيتون وغيرهما من المحاصيل، وبجوارها مياه الآبار، بالإضافة إلى أشجار النخيل وتمر بها خطوط الغاز الرئيسية الممتدة إلى الحدود الشرقيةلسيناء. بعد 3 ساعات جديدة قضتها «روزاليوسف» فى الطريق من القنطرة وصلنا إلى قرية قاضية فى بئر العبد، وهى آخر المناطق المسموح للسيارات ووسائل النقل العادية الوصول إليها، وبعدها يتم التحرك ب«التوك توك»، وقاضية تقع على طريق القنطرة شرق-العريش على مسافة 15 كيلو مترًا جنوب قرية رمانة بشمال غرب محافظة شمال سيناء. قرية «قاضية» عندما تدخلها ترى منطقة هادئة، الحركة فيها تكاد تكون معدومة، تضم ثلاث مدارس، إحداها ابتدائى، والثانية إعدادى، ومدرسة ثانوى عام، فضلا عن وجود مدرسة للثانوى الفنى ووحدة صحية، ونقطة شرطة، وملعب كبير كان مقصد مندوبى العديد من الأندية الشهيرة للبحث عن المواهب، لكن مع ظهور الإرهاب بشمال سيناء، تحول الملعب إلى ساحة تجمع لأطفال وشباب قاضية، يتجمعون فيها عصر كل يوم. الحياة فى بئر العبد تسير بشكل طبيعى، ويصر أهلها على تحدى الإرهاب، يقول أشرف شتيوى، أحد أبناء بئر العبد، موظف بالوحدة الصحية: إننا فى بئر العبد وكل مناطق سيناء لدينا إصرار على الحياة على أرضنا، فنحن من أبناء البدو وعلمنا أجدادنا أن نحافظ على الأرض. الحاج على شتيوى، من عقلاء «قاضية» يؤكد أن سيناء أرض الخير، فالأسواق مليئة بالمنتجات الزراعية بشكل يومى، كما تخرج من شمال سيناء 400 سيارة محملة بالفاكهة والخضار فى مقدمتها «الطماطم، والباذنجان والكانتلوب والبلح والتمور، والزيوت»، فضلا عن ثمار الحرف اليدوية والتى تغزو العديد من محافظات مصر، كما أن أبواب المدارس مفتوحة والنوادى لاستقبال الجميع، وكل قبيلة تسكن قرية وكل قرية تتنافس مع القرية المجاورة للعمل على التطوير. وأشار الحاج على إلى أنه فى حالة نقص بعض البضائع يجتمع عقلاء القرى والمشايخ من القبائل لرصد الأمر والعمل على إصلاحه فى دواوين المشايخ حتى وإن كان بشكل جزئى. أثناء وجودنا فى القرية رصدنا مبادرة ل«نظافة الشوارع» من الشباب والأطفال والرجال فى بئر العبد، ويحرص السكان على المشاركة بها كنوع من الحفاظ على المدينة، وقالت ريم على إحدى بنات العريش المتطوعات إن الشباب لهم دور كبير فى العمل التطوعى فى محافظة شمال سيناء، وفى القريب ستظهر مبادرة شبابية جديدة تواجه الكوارث البيئية.