بمناسبة عيد الأضحى.. الرئيس السيسى يتبادل التهنئة مع ملوك ورؤساء وأمراء الدول العربية والإسلامية    وزير الأوقاف يهنئ الرئيس والشعب بيوم عرفة وعيد الأضحى المبارك    جامعة بنها تشارك في النسخة الثالثة من المؤتمر الدولي للمناخ والبيئة    من اليرقات إلى الكيتوزان.. مشروعات طلابية بجامعة بنها تحلّق بأحلام المناخ في مؤتمر دولي    وزير الكهرباء يبحث مع «أميا باور» الإماراتية تعزيز التعاون بمجالات الطاقة المتجددة    المصرية للاتصالات WE تعلن الإطلاق الرسمي لخدمات الجيل الخامس في مصر    نتنياهو: غزة لن تشكل مستقبلًا تهديدًا على إسرائيل    بينها 4 دول عربية.. لماذا قرر ترامب حظر سفر مواطني 12 دولة لأمريكا؟    ارتفاع عدد الشهداء الصحفيين منذ بدء الحرب على غزة إلى 225    محافظ القليوبية يلتقي ممثلي "اتحاد بشبابها" التابع لوزارة الرياضة - صور    تردد القناة الناقلة لمباراة الزمالك وبيراميدز في نهائي كأس مصر    مصرع طفل في حريق منزل بأسيوط    أول تعليق من بسمة بوسيل بعد تحسن حالة نجلها آدم تامر حسني الصحية    قصور الثقافة تطلق برنامجا احتفاليا متنوعا بالشرقية في عيد الأضحى    من عرفات.. دعاء مؤثر للشيخ خالد الجندي    الأعلى للمستشفيات الجامعية يخصص 56 مركزًا لعلاج الأمراض الوراثية لحديثي الولادة بالمجان    مستشفى بدر الجامعي جامعة حلوان ترفع درجة الاستعداد القصوى بالتزامن مع عيد الأضحى    استشاري تغذية مُحذرًا من شوي اللحمة: يعرّض للإصابة بالأورام - فيديو    صيام يوم عرفة لمرضى السكري.. متى يجب الإفطار؟    مجلس الزمالك يصرف دفعة من مستحقات اللاعبين قبل نهائي الكأس    "معقولة بيراميدز يتعاطف مع الزمالك ويمنحه الكأس؟".. شوبير يطلق تصريحات نارية    21 ألف جنيه تراجعًا بأسعار "باجاج كيوت" أرخص مركبة جديدة بمصر.. التفاصيل    موعد إعلان نتيجة الشهادة الإعدادية فى دمياط    مفاجأة.. ماسك طلب تمديد مهمته في البيت الأبيض وترامب رفض    الأهلى يرفع شعار التحدى فى كأس العالم للأندية بعد صفقات الميركاتو    محمد حماقي يشعل حفل زفاف محمد شاهين| صور    «لديهم مغناطيس للثروة».. تعرف على أغنى 5 أبراج    هزات كريت تصل إلى الإسكندرية.. والحديث عن تسونامي لم يعد بعيدًا.. خبيرًا باليونسكو يكشف ل "الفجر"    بث مباشر من عرفة الآن.. الحجيج على عرفات وصلاة الظهر والعصر جمعًا والمغادرة عند الغروب    المفتي السابق يوضح حكم الصلاة إذا أخطأ الإمام في تكبيرات صلاة العيد    ألمانيا تسعى لبناء أقوى جيش أوروبي.. تحديات ملحة وخطط طموحة حتى 2029    عادة كل سنة.. مسيحية بورسعيدية توزع وجبات "فتة ولحمة" على المسلمين لإفطار يوم عرفة    "الأعلى للإعلام" يستدعي ممثلي وسائل إعلامية في شكوى طليقة أحمد السقا    الأهلي ل«هاني شكري»: اعتذارك غير مقبول وسب جمهورنا لن يمر دون حساب    هيئة التأمين الصحي الشامل تعلن مواعيد العمل خلال إجازة عيد الأضحى    ارتفاع أسعار 3 أنواع من الكتاكيت واستقرار البط اليوم الخميس 5 يونيو 2025    التنظيم والإدارة: إعلان باقي مسابقات معلم مساعد لمعلمي الحصة خلال يونيو الجاري    «في وقفة عرفات».. موعد أذان المغرب بالمحافظات    إنزاجي: الهلال فرصة عظيمة.. وأرغب بتحقيق البطولات وتقديم كرة ممتعة    آخر كلام في أزمة زيزو.. ليس له علاقة بالزمالك بفرمان الجبلاية    الاحتلال يستهدف صحفيين في مستشفى المعمداني واستشهاد 3    داعية: زيارة القبور في الأعياد من البر وتذكره بالآخرة    «24 ألف ماكينة ATM».. خطة البنوك لتوفير النقد للمواطنين خلال إجازة العيد    بث مباشر من عرفات.. مئات الآلآف يقفون على المشعر الحرام    تعليم القاهرة تعلن أماكن مقار لجان قبول اعتذارات الثانوية العامة    وزير التعليم العالي: إعداد قيادات شبابية قادرة على مواجهة التحديات    قبل عيد الأضحى.. حملات تموينية بأسوان تسفر عن ضبط 156 مخالفة    تكثيف الحملات التموينية المفاجئة على الأسواق والمخابز بأسوان    معايدة عيد الأضحى 2025.. أجمل رسائل التهنئة للأهل والأصدقاء (ارسلها مكتوبة)    اليوم وغدًا.. نجوم الإعلام ضيوف معكم منى الشاذلي    مصرع عامل في حادث انقلاب دراجة نارية بالمنيا    الدفاع الأوكرانى: أوكرانيا ستتلقى 1.3 مليار يورو من حلفائها العام الجارى    أسعار البيض بالأسواق اليوم الخميس 5 يونيو    عالم أزهري: أفضل أيام العشر يوم النحر يليه يوم عرفة    شريف بديع ل الفجر الفني: كنت شاهد على تحضيرات ريستارت..ورسالته مهمه وفي وقتها ( حوار)    عيد الأضحى موسم للتواصل مع الناخبين.. الأحزاب تسابق الزمن استعدادا للانتخابات    توافد الحجاج إلى مسجد نمرة بمشعر عرفات استعدادا لأداء ركن الحج الأعظم (فيديو)    الزمالك يواصل التصعيد.. سالم: لا رحيل لأي لاعب قبل يوليو والموسم لم ينتهِ بعد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



'الإهمال'.. 'والتراخي الأمني' يسيطر علي 'الأكمنة' بالعريش
نشر في الأسبوع أونلاين يوم 05 - 11 - 2013

'تحقيق ميداني' من 'العريش'
الحديث عن 'الاستنفار الدائم'.. 'وهم كبير'.. وضحك علي العقول ضباط.. وجنود يلعبون الكرة في محيط 'كمين الميدان' الذي تعرض لهجمات متكررة
والعساكر.. وأمناء الشرطة 'صيد سهل' للإرهابيين بسبب تحركاتهم العشوائية
والاستحكامات حول 'ديوان المحافظة' وضعت السيارات وركابها في مرمي 'القتلة' في الحواري والشوارع الداخلية
'العبور' إلي 'العريش' رحلة شاقة.. وتباطؤ الإجراءات يفجر غضب المواطنين
لولا 'المداهمات' العسكرية والأمنية البطولية' لسقطت سيناء بكاملها في قبضة الإرهاب
'جندي واحد' فقط لتفتيش حقائب الركاب في الجانب الشرقي من 'معدية القنطرة' وغياب كامل لأجهزة 'كشف المفرقعات'
ثمان وأربعون ساعة.. قضيتها في العريش.. لم أذهب لمقابلة مسئول رسمي، أو إجراء حوار صحفي.. بل أردت أن أرقب ما يجري، وأسمع حكايات الناس، وانقل مشاهداتي، كما رأيتها علي واقع مؤلم، يسطر صفحاته علي أرض العريش، والشيخ زويد، ورفح الملتهبة.
'الصدمة' من الإهمال، والتراخي الأمني، كانت هي 'التعبير الأدق' عما لمسته بنفسي، وشاهدته بأم عيني.. فما يحدث هناك، إن الكمائن، أو في الشوارع، والميادين، والطرقات، لا يتناسب أبدًا مع حجم الإرهاب الذي يستهدف تلك المناطق الغالية من أرض مصر، ولا حجم التحديات التي يتعرض لها الوطن، والمحن التي يمر بها.. غير أن الأمانة تقتضي الاعتراف بأن المداهمات 'البطولية' التي تقوم بها قوات عسكرية وأمنية، تشكل إحدي العلامات الفارقة في مواجهة الإرهاب الذي يطل برأسه في سيناء.. إذ، لولا هذه العمليات التي تجري وفق تخطيط محكم، ومنظم، ارتكازًا إلي معلومات أمنية وحربية، تقدمها الأجهزة الأمنية المختلفة، لسقطت سيناء بكاملها في قبضة الإرهاب.
هي.. مشاهدات أمينة أردتها 'صرخة' عبر 'صحيفة الأسبوع' لعلها تجد من يسمعها، وينصت لها، وينقب خلفها، ويسعي لعلاج الخلل الحادث، وقبل أن تجرفنا الأحداث، في خضم 'مجهول' لا يعرف أحد، إلي أين يمكن أن يقودنا.
عند السابعة والنصف، من صبيحة الاثنين الماضي، أقلتنا إحدي الحافلات في طريقها إلي العريش.. سلكنا طريق القاهرة الإسماعيلية الصحراوي، وبعد نحو الساعة والنصف أو يزيد، بلغنا مدينة القنطرة.. عند الشاطئ الغربي لقناة السويس، أخذت الحافلة دورها، في طابور طويل من السيارات، امتد لنحو مئات الأمتار.. حيث اعتادت السيارات، والحافلات الراغبة في العبور إلي الضفة الشرقية من سيناء، انتظار دورها للمرور إلي الجانب الآخر، علي 'معدية القنطرة' الوحيدة، التي تحمل الأفراد والمعدات والسيارات المتجهة إلي محافظة شمال سيناء.
وقفت الحافلة في الطابور، تنتظر دورها للمرور.. ساعتان ونصف الساعة من الانتظار، وسط تساؤلات غير معروفة إجاباتها، حول أسباب هذا الانتظار الطويل.. ففي الأوضاع المعتادة، لا تتجاوز مدة الانتظار نحو الساعة فقط.. بيد أن طول فترة الانتظار، جعلني اقترب من أحد عمداء القوات المسلحة، لأسئله حول أسباب هذا الانتظار 'الممل'.. خاصة أن بعض الأقوال قد راجت حول أن موكب اللواء 'أحمد وصفي' قائد الجيش الثاني الميداني يمر بشكل رسمي، وبالتالي تعطل الطريق، فيما ردد آخرون أن وفدًا إعلاميًا برئاسة العقيد 'أحمد علي' المتحدث باسم القوات المسلحة المصرية هو سبب هذا التأخير.. غير أن عميد القوات المسلحة الذي طرحت عليه السؤال، أجابني بحسم ووضوح، أن الطريق لا يتعطل كل هذه المدة بسبب مرور أحد القيادات العسكرية أيا كانت رتبته.. وأن السبب الأساسي يعود إلي اتخاذ إجراءات تأمينية لمرور عدد من السفن الأجنبية، كانت تعبر قناة السويس في هذا الوقت.
لحظات قليلة استغرقتها عملية العبور من الضفة الغربية إلي الضفة الشرقية لقناة السويس، حيث تخضع الضفة الغربية لإدارة الشرطة المدنية المصرية، فيما تخضع الضفة الشرقية لإدارة قوات حرس الحدود التابعة للقوات المسلحة المصرية.
ويثير تواجد 'معدية واحدة' لنقل الأفراد والمعدات، والسيارات من وإلي سيناء، الكثير من القلق، بل ويفجر حالة من الغضب الشديد لدي المواطنين الذين يستخدمون المعدية في العبور بين الجانبين، وحين تساءلت عن أسباب اقتصار عملية العبور علي المعدية فقط، قيل إن السبب في ذلك يعود إلي إغلاق 'كوبري السلام' الذي كان يشكل بوابة العبور الرئيسية من وإلي سيناء، إلا أن تعليمات أمنية قد صدرت بإغلاق الكوبري منذ تصاعد الأحداث الداخلية في مصر، وخاصة في أعقاب فض اعتصامي رابعة والنهضة، وذلك في إطار استحكامات أمنية حاسمة، لمواجهة عمليات تهريب السلاح، والإرهابيين من وإلي سيناء.
ومنذ إغلاق الكوبري، تجمدت الحياة إلي حد كبير بين غرب وشرق القناة، فحركة الباصات والتي كانت تستمر رحلاتها لنحو ثلاث أو أربع رحلات بين القاهرة والعريش يوميًا، تقلصت إلي رحلة 'صباحية' واحدة من الجانبين، وهو ما ترك المجال تحت سيطرة عربات الميكروباص والسيارات 'البديلة'.
وإذا كانت مشقة رحلة العبور إلي سيناء تستغرق عدة ساعات في الرحلة الواحدة، فإن رحلة العودة تزداد تعقيدًا، خاصة أن كميات ضخمة من الأسمنت، المنتجة من داخل شركات الأسمنت المتواجدة في سيناء، يتم نقلها بالسيارات إلي الضفة الغربية باتجاه القاهرة والمحافظات.. حيث تصطف علي طول الطريق أعداد هائلة من سيارات النقل المحملة بالأسمنت، ولانه لا يسمح لغير سيارة واحدة من سيارات نقل الأسمنت بالمرور في كل معدية تنتقل من الشرق إلي الغرب، فإن الحد الأدني لبقاء السيارة في انتظار العبور إلي الضفة الأخري لا يقل عن ثلاثة أيام، وهو ما يشكل مصاعب جمة، سواء لأصحاب مصانع الأسمنت، أو للسائقين، أو للمستهلكين.. ناهيك عن المتاعب الإنسانية التي ترافق ذلك، وعمليات الشد والجذب بين السائقين، والعاملين بمنطقة المعديات.
ولا يتوقف الأمر علي ذلك بالطبع، بل إن عمليات التفتيش التي تتم بحقائب الركاب بشكل يدوي، والتي يقوم بها أحد الجنود 'بمفرده' تعرقل عمليات العبور، وتثير الكثير من الحساسيات والمشكلات، خاصة حين تمتد يد الجندي المكلف بالتفتيش إلي داخل حقائب السيدات، مع ما فيها من ملابس خاصة، وحساسية العديد من 'البدو' من أهل سيناء إزاء مثل هذه الأمور، المخالفة لعاداتهم وتقاليدهم.
ويتساءل العابرون للمعدية بدهشة واستغراب، حول قيام جندي 'واحد فقط' بمثل هذه المهمة 'اليدوية' ويبدون دهشتهم أكثر لعدم وجود أية أجهزة تفتيش أو كشف عن المفرقعات 'إليكترونية' كما هو الحال في المطارات المختلفة والموانئ المصرية، خاصة أن منطقة سيناء وفي ظل أعمال العنف والإرهاب المتكررة، تعد من أخطر المناطق التي في مسيس الحاجة إلي توفير الأجهزة الإلكترونية، والمعدات الكاشفة لأدوات العنف والإرهاب.
وإذا أضفنا إلي المتاعب التي يعاني منها العابرون من وإلي سيناء، تلك العملية البطيئة، والمتكررة لفحص بطاقات الهوية، والرقم القومي، ندرك إلي أي حد باتت الأوضاع لا تطاق.
ولعل مثل تلك الإجراءات المعقدة، والتي كان يمكن الاستعاضة عنها، بأجهزة وإمكانات حديثة، أثرت إلي حد كبير علي العديد من وسائل الحياة والمعيشة في سيناء، وفي مقدمتها عدم قدرة العديد من التجار علي توصيل بضائعهم إلي السوق السيناوي، كما كان الحال في السابق، وكذلك احجام العديد منهم عن التعامل مع الواقع الصعب الذي تشهده سيناء، إضافة بطبيعة الحال إلي الخسائر الكبيرة التي تمني بها البضائع التي تفسد من طول مدة الطريق أو الإجراءات المعقدة، وذلك بالنسبة لمن يغامر ويسعي للتعامل مع السوق السيناوي.. كل ذلك بطبيعة الحال أثر بشكل كبير علي الأوضاع الحياتية والمعيشية للمواطنين في شمال سيناء.
علي طول الطريق، وبعد عبور المعدية إلي الضفة الشرقية لقناة السويس، وما أن تقترب من 'بئر العبد' أول مركز باتجاه شمال سيناء، تنتشر الشعارات والصور علي الجدران المختلفة.. فصور الفريق أول عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع والإنتاج الحربي تنتشر علي واجهة العديد من المساكن، كما أن 'شتائم' الإخوان ضده تتواجد في الكثير من المناطق، إلا أن التحدي الكبير يبرز في إصرار العديد من المواطنين علي إعلان ولائهم ودفاعهم عن القوات المسلحة المصرية، ومن بينها شعار كبير رفع علي أحد جدران مدينة بئر العبد يقول: ' '.
في الطريق إلي العريش، كان ما شهدناه علي مدار يومي الاثنين والثلاثاء الماضيين وحتي صبيحة الأربعاء، ينبئ عن 'تراخٍ أمني'.. وإهمال يفوق الحدود.. كانت إحدي المدرعات تتحرك بمفردها علي الطريق الرئيسي، وهي تقطع الطريق من العريش إلي بئر العبد، وهو ما يجعلها عرضة للهجوم من أية عناصر إرهابية، وعلي مقربة من أحد الكمائن المهمة في مدخل العريش، وفي الطريق أيضًا كانت هناك حملة 'مداهمة' أمنية لضبط بعض العناصر المطلوبة، فيما كانت حملة أخري تطوق أحد البيوت في سياق عملية لضبط بعض العناصر المطلوبة، وعلي بعد أمتار معدودة من الكمين، كانت هناك 'غرزة' يرتادها بعض المواطنين وبالطبع الغرباء عن المنطقة، والذين يأتون لرصد ومراقبة الكمين وأفراده، وهو ما يجعله 'صيدًا سهلاً' للإرهابيين.. والسؤال هنا عن كيفية ترك مثل هذه 'الغرزة' إلي جوار موقع أمني يتعرض للاعتداء والهجوم بين الحين والآخر.
توقعت أن أشاهد حالة من الاستنفار القصوي تعم كل أرجاء سيناء، خاصة عند الأكمنة ونقاط التفتيش والمقار الأمنية المختلفة، غير أن ما شهدته بنفسي يعطي مؤشرًا سلبيًا حول الأمن 'المتداعي' في شمال سيناء.. وهي انطباعات وشواهد شاركني فيها العديد من أبناء العريش وشمال سيناء.
كنت قادمًا من 'بئر العبد'، بعد زيارة سريعة، وبصحبتي مراسلة 'الأسبوع' في شمال سيناء الزميلة 'صفاء صابر'، والحاج 'لطفي إبراهيم'، والسيدة 'مريم هجرس'.. كنا نتابع الأوضاع الأمنية التي تشغلنا، وتثير قلق كل المصريين علي ما يحدث في سيناء.. وحين اقتربنا من 'كمين الميدان'، والذي يعد من الأكمنة الرئيسية والمهمة في مدخل مدينة العريش، حتي فوجئنا بصورة مغايرة تمامًا عما توقعناه، فعلي يسار الكمين، وفي شارع رئيسي موازٍ للطريق كان من رجال الأمن، قد قسموا أنفسهم لفريقين، وراحوا يلعبون الكرة علي الطريق الرئيسي.
وعلي الجانب الآخر، وفي يمين الطريق للقادم من بئر العبد إلي العريش كان عدد من الضباط يجلسون علي مقاعدهم في حالة من الاسترخاء الكامل، بعضهم يتفحص موبايله الشخصي، وآخر يتحدث في التليفون بينما يضع ساقًا علي ساق، فيما الجنود البسطاء هم الذين يتولون سؤال المارة والسيارات عن الرخص وهوياتهم والأشخاص المصاحبين لهم في السيارات.. حاولت التقاط صورة للاعبي الكرة من رجال الأمن، إلا أن الوفد المصاحب لي حذرني من خطورة ذلك، تحسبًا لأية ردود فعل قد تحدث من بعض رجال الأمن المسلحين في الكمين.
علي بعد خطوات كانت سيارات نقل ضخمة تقبع إلي جوار إحدي محطات الوقود، والتي خلت تمامًا من المترددين عليها بسبب إغلاقها.. وحين تساءلت عن هذه السيارات وإغلاق المحطة، قيل لي إن هذه السيارات تم التحفظ عليها بسبب مشاركتها في تهريب الوقود إلي غزة عبر هذه المحطة التي تم إغلاقها بعد ثورة الثلاثين من يونية مباشرة.
في قلب مدينة العريش، كانت الأجواء هادئة تمامًا، وبدت الصورة التي تتناقلها وسائل الإعلام عن الأوضاع الملتهبة في العريش 'مبالغًا فيها'.. فالحياة تبدو إلي حد كبير طبيعية، باستثناء بعض العمليات الإرهابية المباغتة التي تقع بين الحين والآخر، ويتسبب فيها إلي حد كبير الإهمال، واللامبالاة، وحالة عدم الانضباط أو اليقظة من الجنود والضباط، أكثر من كونها بسبب جرأة وقدرة الإرهابيين علي الهجوم والمفاجأة.
لقد قررت أن أتوجه إلي 'كمين الريسة' ذائع الصيت، بصحبة مراسلي الأسبوع 'صفاء صابر' و'مدحت الشوربجي'، وهو الكمين الذي يقع في نهاية طريق العريش باتجاه 'الشيخ زويد' و'رفح'.
علي طول الطريق، كانت الاستحكامات الأمنية تعبر عن عدم جدية في مواجهة 'المجهول' الذي يقفز بين لحظة وأخري، ليضرب ضربته، ثم يلوذ بالفرار دون قدرة علي ضبطه أو الإمساك به.. فالجنود البسطاء غير متواجدين في أغلب الأحوال خلف السواتر الترابية المعدة لحمايتهم.. لقد شاهدت بعيني العديد من هؤلاء الجنود وهم يتجولون قرب مواقعهم الأمنية بحرية مطلقة، وهو ما يجعلهم عرضة للاستهداف علي ايدي العناصر الإرهابية.. بل إن هؤلاء الجنود أنفسهم يتحركون حتي خارج المواقع الأمنية.. بل من الأشياء المثيرة للدهشة والتي يتحدث عنها أبناء العريش أن بعض هؤلاء الجنود يتوجهون إلي أفران الخبز، ويقفون بملابسهم العسكرية، بين الجمهور للحصول علي الخبز.. وهو وضع وإن كان عاديًا في الظروف الطبيعية، غير أنه مثير للدهشة والاستغراب في الأوضاع الاستثنائية التي تشهد فيها مناطق العريش والشيخ زويد ورفح عمليات عنف متصاعدة.
وقد روي لي بعض الأهالي أن أمين الشرطة الذي أعلن عن اغتياله قبل فترة وجيزة، تم اصطياده من الشارع لكونه يقطن، ويتحرك بين السكان العاديين.. وهو ما دفع بعض الأهالي للمطالبة باستخدام المدينة الرياضية 'المحصنة' بالعريش، كمأوي مؤقت لأمناء الشرطة وغيرهم في تلك الأجواء، مع عودتهم إلي مساكنهم مع عودة الحياة في المنطقة إلي طبيعتها.
في الطريق إلي 'كمين الريسة' مررنا بمبني محافظة شمال سيناء.. كان المبني محاطًا بكثبان رملية هائلة، وسيارات المسئولين والعاملين بديوان المحافظة تتراص علي بعد مئات الأمتار من المبني.. ولأن الطريق المار أمام المحافظة كان أحد الطرق الرئيسية الذي يستخدم لمرور السيارات، فقد تم تحويل المرور إلي اتجاهات أخري.. ومن المثير أن الطريق الذي تم تحويل السيارات إليه يمر بحواري وشوارع داخلية، تمنح الإرهابيين قدرة فائقة علي اصطياد من يريدون، في ظل غياب أمني كامل عن تلك المنطقة.
كما أن الاستحكامات الأمنية التي وضعت حول قسمي 'ثاني' و'ثالث' العريش خلفت 'جزرًا منعزلة'، وحالت دون التواصل المباشر للمرور، مما صعب من قدرة المواطنين علي الوصول لمساكنهم ومقار عملهم في أوقات مناسبة، ودون مشقة.
علي بعد خطوات من 'كمين الريسة' الذي تم قصفه لأكثر من ثماني مرات، ثم جري تدميره مؤخرًا علي أيدي الإرهابيين، كانت عيون أهل 'حي الريسة' تنظر لكل قادمٍ للمنطقة بهاجس من القلق والخوف.. فاحتمالية حدوث هجوم علي الكمين أو غيره تبقي قائمة في أية لحظة، سواء بالليل أو النهار، وهو ما يجعل الحياة برمتها في تلك المنطقة المتواصلة مع الشيخ زويد ورفح من أكثر المناطق التهابًا في العريش.
إن ما شهدته يكشف عن حالة 'تراخٍ أمني' واضحة المعالم، وهو أمر بالغ الخطورة، لأن المؤكد أن غالبية العمليات الإرهابية ضد الجنود والضباط والمواقع الأمنية والعسكرية تحقق هدفها بسبب هذا التراخي.. وهو 'تراخ' يمكن لأي زائر للعريش أن يلمسها عن قرب، وهي حالة غير مفهومة الأسباب، يتحدث عنها وعن آبعادها كل مواطن علي أرض العريش، وإن كان العديد منهم يرفضون إعلان ذلك لوسائل الإعلام تقديرًا للظروف الراهنة في التعامل مع قضية تمس صميم الأمن الوطني والقومي المصري.
بقي القول إنه، وبقدر التفاؤل الذي حملته معي، وأنا في طريقي إلي العريش بعد كل ما سمعته من تصريحات للمسئولين الأمنيين، حول الاستنفار الأمني والملاحقة المتواصلة للإرهابيين، بقدر ما اعتراني 'التشاؤم' وأنا عائد من مهمتي الصحفية.. فقد كان ما شهدته، وما سمعته، كفيلاً بأن يبعث القلق، ويفجر الألم، ويطرح العديد من التساؤلات حول أسباب ما يجري.. وهي تساؤلات حائرة، نرفعها لأصحاب الشأن في هذا الوطن، لعلهم يطلعون علي الصورة الحقيقية، والتي سطرنا حروفها بأمانة، ومصداقية، سعيًا وراء انقاذ البلاد مما يحيق بها من مخاطر.. وما أكثرها!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.