أهمية المخرج المسرحى خالد جلال ليس فقط ما قام به مؤخرا من إخراج حفل افتتاح مهرجان القاهرة السينمائى الدولى ولكن أهمية «جلال» تعود إلى نجاحه على مدار مشواره - فى أن يجعل «مركز الإبداع الفنى» مكانًا ل«صناعة النجوم»، حيث قدم عبر السنوات الماضية مواهب كثيرة للساحة الفنية، أيضا اعتاد أن يُقدم عروضًا مسرحية ناجحة، تُثير الجدل، مثل «قهوة سادة»، «هبوط اضطرارى»، «بعد الليل»، وأخيرًا «سلم نفسك»، ليضم بذلك نُجومًا جُددًا هُم طلبة الدفعة الثالثة بمركز الإبداع.. بدأنا الحديث مع «خالد جلال» انطلاقًا من عرضه الجديد. دائمًا ما تخلق حالة مسرحية مختلفة وهو ما حدث فى «سلم نفسك».. كيف تفعل ذلك فى كل مرة؟ - هذا الاختلاف يأتى لأننا نبنى العرض «جُملة .. جُملة».. فنحن لسنا مثل المسرحيات التقليدية التى يكون فيها النص جاهزًا، فأنا هنا مع تلاميذ «مركز الإبداع» أُدرس لهم مادة «الارتجال»، وهو ما يعنى أننا نخلق فنانًا مُبدعًا وخَلاقًا، وليس مُجرد مُترجم لما هو مكتوب، لذلك فيظهر العمل مُختلفًا فى كُل مرة، فنحنُ نعمل مع بعضنا البعض لوقتٍ طويل، حيث نبدأ العمل مع الممثلين الذين يتم قبولهم بِمُجرد دخولهم المركز، ثم نبدأ العمل على موضوع العرض، وكل هذا ينتج عنه ارتجالات، وقُدرة على الحكى، والابتكار فى طريقة التعبير، وكل هذا يصل بنا فى النهاية لِمُنتَج مُختلف. نفهم من ذلك أن كل المسرحيات التى قدمتها فى «مركز الإبداع» لا يوجد بها «نص مكتوب» وقائمة فقط على «الارتجال».. أليس فى هذا مُخاطرة؟ - الارتجالات تكون وقت البروفات فقط، وبِمُجرد الوصول للشكل النهائى الذى سيتم عرضه نكون وصلنا لما سيتم طرحه، ووقتها يكون مثل القانون، فلا نزيد ولا ننقص منهُ كلمة، لذلك أعقد اجتماعًا يوميًا مع أبطال العرض لأُناقشهم فى الأخطاء التى تحدث. عرض «سلم نفسك» يُناقش السلوكيات السلبية فى المُجتمع من تحرش وفن هابط وقضية الانتماء للوطن وشائعات وسائل التواصل الاجتماعى وغيرها.. هل ترى أن المجتمع أصبح بِمِثل هذا القُبح؟ - نحن فى هذا العرض لا نعقد مُقارنة بين الماضى والحاضر، ولكن نتحدث عن المُستقبل القادم الذى نتمنى أن يكون أفضل، وأنه لو جاء إلينا شخص من الماضى مُحملاً بِكُل السلبيات السلوكية مِن غِش، وتصديق الشائعات، وعُقوق الوالدين، والنميمة، وتصدير الطاقة السلبية، بالتأكيد سيحدث انهيار أخلاقى وحضارى، وهنا تنكشف الأزمة الحقيقية فى العرض أو الحل، وهو مُخاطبة ما بداخل الشخصية المصرية، والتى تظهر معدنها فى الوقت المناسب، تحديدًا فى لحظات الخطر والخوف على الوطن. لكن الانتماء مطلوب فى كل الأوقات وليس فى وقت الأزمات فقط؟ - ما أقدمه فى «مركز الإبداع» هو «كوميديا إيجابية»، فحتى لو انتقدت، فهى تنتقد بدون تشفٍّ، فمثلاً عرض «قهوة سادة» نجح نجاحًا كبيرًا، وكان ما يُكتب عنه فى الصُحف الحكومية هو نفس ما يُكتب عنه فى صُحف المُعارضة لأن ذلك هو النقد البَناء، ولأننا نحب الوطن ولا نريد أن نهدمه، فالمُواطن المصرى يحتاج أن يترك كل السلوكيات السلبية وراءه، ويُخرج معدنه الأصلى الذى من المُفترض أن يكون موجودًا طوال الوقت، بل يتعامل بِهِ فى المُطلق وليس فى وقت الأزمات فقط، فهذا هو الحل الأمثل لأزماتنا السُلوكية والأخلاقية. هناك من يقول إن كل الظروف الاجتماعية والسياسية هى التى غيرت من سلوك المواطن المصرى.. هل هذا صحيح برأيك؟ - لا! .. الذى غير سلوك المواطن المصرى هو الجرى وراء الشائعات التى تُنسج حوله من وسائل التواصل الاجتماعى، فهى طوال الوقت تُصدر لنا طاقة سلبية، وتُنمى عندنا عدم الشعور بالانتماء، وتهدم الرمُوز والقدوة مِثل «رجل الدولة»، وبالتالى من السهل بعدها «كسر الدولة» ذاتِها!.. هذا بجانب ادعاء البعض ل «الفهلوة» والمعرفة دون علم، ولكن فى النهاية يبقى المخزون فى عُمق الشخصية المصرية، وهو ما يظهر فى الوقت المُناسِب. لماذا لا تقوم بِعُروضك الناجحة خارج «مركز الإبداع» ليستفيد منها أكبر قدر من الجمهور؟ - هل رأينا من قبل أن «استوديو المُمثل» فى «نيويورك» والذى قدم نجومًا مثل «آل باتشينو» و«دى كابريو» وغيرهما قرر فجأة أن يُحول نفسه إلى «جامعة المُمثل» فى «نيويورك»؟!.. ما أقوم به هو مشروع غير تجارى، ولا أريد أن أُحول مسار شباب الفنانين فجأة، ويتحول الأمر إلى مُنتج فنى، فطوال الوقت لا أتعامل مع العروض الخاصة بى على أنها مُنتج فنى بديع وخارق، فهى تخرج بِأقل التكاليف، ولا يوجد بها ديكور مُبهر، كما أننى لا أُريد أن أُحول هذا المكان مِن مكان تعليمى إلى مكان تُجارى بتذاكر، فأجمل ما فيه هو النُبل الشديد فى الفكرة، وأنه لا يوجد عقد احتكار لهؤلاء الشباب، ولا توجد فكرة أن الدولة «بتصرف عليهم» أو «عاوزين نرُد الفلوس»!.. الفكرة الأساسية أنك تُربى فنانين وتجهزهم لأن يندمجوا فى الوسط الفنى الأوسع. هل من الصعب تقديم عروضك المسرحية على شاشات التليفزيون لكونها تنتقد الواقع وهى مسألة حساسة نوعًا؟ - بالعكس! .. مسرحية «قهوة سادة» صورها المُخرج «طارق نور» وتم عرضها فى قنواتٍ مُختلفة.. لكن كيف ستظهر «قهوة سادة» بِمُفردها وتقف أمام تيار مهول من المسرحيات التُجارية؟.. كما أننى لا أعتبر مسرحياتى سياسية، وهذا هو الفرق بينها وبين أى أعمال مسرحية أخرى، فالنقد الذى بداخلها يكون نقدًا بناء لصالح مصر والمُواطن المصرى، بدليل أن «قهوة سادة» التى كانت تنتقد كل سنتيمتر فى مصر حضرتها «سوزان مبارك» - زوجة رئيس الجمهورية وقتها - وحضرها كل وزراء مصر، وكُل عُروضى على نفس النهج، بدليل أن الملف الذى نُناقشهُ فى «سلم نفسك» هو ملف الانتماء للوطن، وينتقد بالأساس السلوك الإنسانى وليس الوطن. البعض يُطلق عليك لقب «صانع النجوم».. هل تُفضل هذا اللقب؟ - بلى!.. أحب هذا اللقب، فقد كان عندى عِشق شديد لقصص «رمسيس نجيب» و«أنور وجدى» لأنهما هكذا.. وأسعد لحظة فى تاريخ حياتى عندما أسير فى الشارع، وأجد صور أبنائى الذين تخرجوا فى «مركز الإبداع» وأصبحوا نجُومًا، فطموحى فى الحياة هُم هؤلاء، وهذا هو شغفى، وأتمنى أن يأتى يوم يقول الناس فيهِ إنى أثرت فى حركة الفن تأثيرًا إيجابيًا. ما حقيقة وجود مُشكلات بينك وبين أبطال «قهوة سادة»؟ - لا توجد بينى وبين أبنائى أى مُشكلات!.. بدليل أن «قهوة سادة» أُنتجت عام 2008، وفى عام 2013 طلبنى وزير الثقافة وقتها «صابر عرب»، وقال لى: «سألوا المُثقفين فى تونس نعمل إيه فى معرض الكتاب؟ .. ردوا وقالوا: نجيب النجم محمد منير وعرض «قهوة سادة».. فقلت له: «نستطيع أن نطلب ذلك من محمد منير، ولو لديه وقت سيأتى، ولكن «قهوة سادة» أُنتجت مُنذ خمس سنوات، وكل أبطالها أصبحوا نجُومًا».. فرد عليّ «عرب»: «أنت بتهزر»!.. ولكن فى نفس اليوم كان ال36 مُمثلاً موجودين فى «مركز الإبداع الفنى»، وهذا موقف أتحدى أن يحدُث فى أى مُؤسسة تعليمية أو تِجارية أو حُكومية فى مصر إلا فى «مركز الإبداع الفنى»، فالأشياء التى لا تتغير فى هذا الوطن هو انتماؤك لجيشك وحُبك لبلدك، وأنا بالنسبة لى أُضيف عليها «النادى الأهلى» و«مركز الإبداع الفنى»! أنت مُخرج وسيناريست ومُوظف حُكومى.. كيف توفق بين كل هذهِ المهام؟ - فى الحقيقة الأقرب لقلبى هو تدريب المواهب فى مشروع «مركز الإبداع»، ثم الإخراج، ثم الكتابة، يليه التمثيل، وأخيرًا العمل الوظيفى، فحُلمى الأول هو الإخراج وكُنت أسعى إلى أن يقول الجمهور إن العمل من إخراج «فلان» وليس بطولة «فلان»، والحمد لله تمكنت من فعل ذلك. ما هى آخر مشروعاتك فى قطاع الإنتاج الثقافى؟ - قطاع الإنتاج يتحرك حاليًا بشكل كبير وواضح فى كُل مُؤسساته، فقريبًا نفتتح مسرح «البالون» مع «هشام عطوة»، وقد قرأت ما نشرتهُ مجلة «روزاليوسف» عن «المسارح المُغلقة»، والحقيقة أن «فتوح أحمد» - رئيس البيت الفنى السابق - قام بعمل انتحارى وخطوة جريئة بإغلاقهِ كُل مسارح الدولة، وتسليمها للجيش فى وقتٍ واحد، لكن أحيانًا البتر يكُون أفضل، فالمسارح غير صَالِحة للاستخدام الآدمى، وكان لابُد أن تُغلق، ونحن الآن نقوم بافتتاحها تِباعًا. كما أن «المركز القومى لِلمَسرح» مُستمر فى سِلسلة تكريماتهِ وسنكُرم الفنانة «نيللى» بِاعتبارها أسطورة فى المسرح الغنائى، وسيكون التكريم فى المَسرح القومى، وسيتم عمل كتاب وفيلم تسجيلى عنها.