آية عيسى: عشقى ل «الكلا» طريقى للعالمية

بصرامة وقوة تحكم تتناقض مع ملامحها الرقيقة وجسدها الرشيق، تسيطر على هزات الفرس العنيفة، وتمسك برمح لا يقل طوله عن مترين ولا يزيد على 3 أمتار مصوبة إياه نحو هدف فى الأرض لا يزيد طوله على 10 سنتيمترات من الفلين لتلتقطه برمحها بينما يركض الفرس تحتها بسرعة شديدة.
التصميم الواضح فى عينى «آية عيسى» يضيف لسنوات عمرها الثلاثة وعشرين عامًا بقدر طموحها الضخم الذى رسمت حدوده قبل 8 سنوات، حين كانت الأولى من بين 20 فتاة يقتحمن عالم رياضة «الكلا»، وشقت مع صديقاتها طريقًا نسائيًا يشق على بعض الرجال، فلم يحترفه سوى عدد محدود من الفرسان الذين يمكنهم التحكم بقوة وسرعة ومهارة فى السلاح.
«الكلا» لعبة مستوحاة من العصور القديمة وهى تعتمد بنسبة كبيرة على الفارس الذى لابد وأن يمتاز بشجاعة فائقة، فالمخاطرة فيها كبيرة قد تؤدى إلى الوفاة أو تعرض الفارس لإصابات بالغة مثلما حدث مع آية عيسى التى تعرضت لكسر خمسة أضلاع وتوقفت الدماء عن سبابة يدها اليمنى ورغم هذا فإن إدمانها لتلك الرياضة لايزال يتملك منها بمباركة إرادتها الحديدية التى عادت بها من الإصابات تدريجيًّا من المركز الرابع فى البطولة الدولية للكلا عام 2014 حتى المركز الثانى عام 2016 وفى السبيل إلى العودة إلى قمة منصة التتويج فى البطولة المقبلة.
لم تكن الخمسة أضلع التى كسر منها أربعة وشرخ فى الخامس هى الإصابة الوحيدة التى لحقت بها ففى غمار المنافسة مع المنتخب المصرى فى البطولة الدولية التى أقيمت بجنوب أفريقيا سقطت من فوق الخيل والتوت سبابتها فى مقبض السيف حتى حدث تفتت فى عظام الإصبع ما حال دون وصول الدم إلى العقلة الأخيرة، ولكنها أصرت على استكمال المسابقة التى كان معدل الأعمار بها يبدأ من 39 عاما وحصلت حينها على المركز الثانى ولم يكن عمرها يتجاوز 20 عاما، ووصفها المعلق الداخلى بأنها أعظم لاعبة التقاط أوتاد فى هذا الكوكب.
عقب انتهاء البطولة نقلت على الفور إلى المركز الطبى التابع لمضمار المنافسة ومنه تم نقلها إلى مستشفى لعمل فحوصات وأشعة وبناءً عليه قرر الأطباء أنه لا جدوى من أى محاولات للعلاج سوى ببتر إصبعها وأجبرها ذلك على تغيير مسار دراستها من الهندسة المعمارية إلى الإعلام.
تحكى آية بشغف «طول عمرى على الحصان، منذ مرحلة الحضانة أتدرب على الفروسية، ولما اختارونى أكون من أول البنات اللى يدخلوا اللعبة اكتشفت إن ده أصعب أنواع الفروسية ومن وقتها حلمى إنى أبنى لعبة جديدة فى مصر كلها».
بدأت فى عمر الخامسة بركوب الخيول والتقرب منها، فالخيول ليست مجرد حيوانات أليفة ووفية فحسب، لكن بها صفات أخرى جاذبة للكبار والصغار مثل الإحساس المفرط، فالخيل يرى ما بداخلك وبناء عليه يتحدد سلوكه تجاهك.
تدربت على الفروسية وقفز الحواجز وبعدها توجهت إلى رياضة التقاط الأوتاد بعدما شاهدت لأكثر من مرة شكل الفرسان فى التدريب ومدى خطورة اللعبة نظرًا لعدم وجود أى وسائل أمان سوى الخوذة والفارس يحمل سيفًا وزنه لا يقل عن 4.5 كيلو جرام وجاد جدًا كما أنه كانت هناك أكثر من حالة وفاة لفرسان وخيول أيضًا بعد أن أنهى السيف الأمر عقب سقوطهم، بمجرد أن وصلت إلى مراحل متقدمة فى اللعبة ورغم تعجب الكثيرين من كونى فتاة أمارس هذه الرياضة إلا إننى رشحت من العقيد أحمد مصطفى قنديل فى سن 14 سنة لتقديم عرض أمام المشير طنطاوى وهو ما رفضه مدير النادى حينها خوفًا من وقوع أخطاء أثناء العرض.
أصر العقيد أحمد على مشاركتى فى العرض كونى أول فتاة مارست هذه اللعبة ووصلت إلى هذا الحد من المهارة وأنا عندى 14 سنة حتى قاموا بنصب لجنة من القائمين على اللعبة وبعد مشاهدة أحد عروضى وافقت اللجنة وبالفعل قدمت عرضًا أمام المشير طنطاوى عام 2007 وقام بتكريمى بعد العرض وقال لى «أنتى صغيرة قوى على اللعبة دى» رديت عليه قلت له أنا بحبها قالى «خلى بالك من نفسك».
بعد هذا العرض بدأت الفتيات تتقدمن لممارسة اللعبة وهو الأمر الذى تطور بمرور الوقت حتى أقيمت لهن أول بطولة عام 2009 وفى أثناء إحدى البطولات سقطت من على الخيل الخاص بى واسمه «مروان» وهو حب عمرى وقد حصلت معه على أربع مرات بطولة الدورى على التوالى ومرتين كأس مصر، وعلى الرغم من إصابتى بكسر فى خمسة أضلع من الجانب الأيسر للرئة بعد السقوط إلا أن عودتى مع مروان لم تستغرق سوى عام حتى تعافيت من الإصابة وإعادة التأهيل النفسى له فى زيارات كثيرة بعدما استطعت التحرك كنت بزوره فى الاسطبل وأتكلم معاه لحد ما حسّيت إننا هنرجع أحسن من الأول وعلى مدار آخر أربع سنوات رجعت لمضمار المنافسة وتدريجيًّا من المركز الرابع عام 2014 والثالث عام 2015 والثانى 2016 استنونى فى المركز الأول هذا العام بعد عودتى من الإصابة.
آية الآن طالبة بكلية الإعلام بالأكاديمية البحرية، ولكن بعد 10سنوات؟.. تجيب دون تفكير «هكون فى مدرسة الكلا اللى عملتها عشان أجهز منتخب مصر للأولمبياد، صحيح اللعبة لسة مابقتش أوليمبية لأن عدد الدول اللى فيها فرق نسائية للعبة أقل من 25 دولة لكن إن شاء الله بعد 10 سنين هتكون دخلت وهناخد فيها ميداليات كتير».
وتمضى آية قائلة: دعانى المهندس هشام حطب رئيس اللجنة الأوليمبية لتكريمى العام الماضى لإصرارى على العودة وأبدى إعجابه الشديد بعودتى بعدما حصلت على المركز الثانى، كما دعيت من السعودية وعمان لحضور مسابقات كمحكمة ومنها قمت باستغلال فرصة وجودى هناك ودرست أسس وتفاصيل الإدارة الفنية للعبة حتى حصلت على شهادة بالتدريب والآن أنا الكابتن لفريق الفتيات لنادى الفروسية، بالإضافة إلى لقب أصغر مدربة فى العالم لهذه الرياضة 24 سنة.
تجمع آية الآن بين ممارسة اللعبة وتدريب زملائها فى الفريق لتصبح أصغر مدربة على العالم، وهى حاليا فى معسكر مفتوح لفريق الفتيات استعدادا للبطولة الدولية والتى ستقام بسلطنة عمان فى ديسمبر المقبل، وسوف يتحول التدريب إلى معسكر مغلق مع بدايات شهر نوفمبر المقبل.
انضمت 9 فتيات جديدات للفريق الذى تقوده تدريبيًا وهن تحت سن 18 سنة وهى سابقة لم تحدث من قبل، حيث كان القائمون على اللعبة يعانون كل عام من نقص فى عدد اللاعبين نظرًا لتخوف أولياء الأمور من وقوع حوادث ومنها فعليًّا ما سبق وذكرت، وهى تعتبر أن انضمام هذا العدد يعد دليلا دامغا على أن «الكلا» بدأت تحظى بقبول شعبى رغم خطورتها، كما أن انضمام الشباب التسعة هذا العام يمنحها كمدربة اختيارات أكثر من تلك التى كنت أضطر لها فى السابق خاصة لتمثيل مصر بالبطولات الدولية.