على طريقة الأفلام السينمائية فى تهريب المخدرات داخل الحقائب الدبلوماسية، والتى كانت التجارة العالمية الرائجة فى بداية ومنتصف القرن الماضي، تسعى أجهزة مخابرات الدول الكبرى إلى استثمار الصراعات فى منطقة الشرق الأوسط، لتحقيق مكاسب ضخمة من تجارة السلاح غير المشروعة، وذلك عن طريق استغلال الرحلات الدبلوماسية فى عمليات نقل الأسلحة إلى الجماعات والميليشيات المسلحة فى المنطقة. الصحفية البلغارية «ديليانا جايتاندزيفا»، كشفت فى تقرير حديث لها تحت عنون «350 رحلة دبلوماسية تحمل أسلحة للإرهابيين» النقاب عن برنامج سرى لتزويد جماعات الشرق الأوسط بالسلاح، فضلا على نشر عشرات الوثائق التى تفضح الدول المتورطة فى هذه العمليات. نشر التقرير والوثائق دفع أجهزة الاستخبارات البلغارية إلى استجواب الصحفية للتعرف على كيفية حصولها على مثل هذه الوثائق، وانتهى الأمر بطرد الصحفية وفصلها من عملها، حيث كشفت الوثائق التى تم تسريبها إلى «جايتاندزيفا»، تعاقد شركة طيران «Silk Way Airlines ..الأذربيجانية مع شركات من «الولاياتالمتحدة، وإسرائيل، والبلقان» للعمل فى صفقات مشبوهة. الصفقة تتمثل فى نقل شركة الطيران الأذربيجانية أسلحة من جميع أنحاء العالم إلى مناطق حرب مختلفة خلال السنوات الثلاث الماضية، تحت غطاء الرحلات الدبلوماسية، وكشف التقرير عن عدد من الأسلحة، هى نفس الأسلحة التى رأها العالم بمقاطع الفيديو التى يتباهى بها الإرهابيون فى «سوريا، والعراق». الصحفية كشفت بالوثائق أنه خلال 350 رحلة، حملت الطائرات عشرات الأطنان من الأسلحة الثقيلة، والذخائر إلى الإرهابيين، موضحة أن العديد من تلك الأسلحة، كانت متعلقة بتجارة سرية، حدثت فى مدينة «حلب»، بعدما سافرت هى بنفسها للتحقيق فى القضية. وتضمنت الوثائق مراسلات بين وزارة الخارجية البلغارية، وسفارة «أذربيجان» فى بلغاريا، وكشفت عن طلب الشركة الإقلاع والهبوط فى بلغاريا، والعديد من البلدان الأخرى فى أوروبا، وكذلك الولاياتالمتحدة، وتركيا، وبعض الدول العربية. الوثائق فضحت قيام شركة الطيران الأذربيجانية بتنظيم رحلات دبلوماسية لشركات خاصة فى إسرائيل والولاياتالمتحدة، وخاصة قيادة العمليات الخاصة الأمريكية، فضلا عن جيوش بعض الدول العربية، وقدمت الشركة خدماتها للجيشين «الألمانى والدنماركي» فى «أفغانستان»، والجيش السويدى فى «العراق». السر وراء استخدام مسمى الرحلات الدبلوماسية ليس فقط للتمويه، بل لأنها معفاة من الشيكات، والضرائب، وبوليصة الشحن الجوى - وهى الإيصال الصادر عن شركة طيران دولية للسلع، وتشكل تأكيد الناقل بالاستلام، واستعداده لنقل البضائع- ولذلك وقع الاختيار على طائرات «سيلك واى ايرلاينز» لنقل مئات الأطنان من الأسلحة إلى مواقع مختلفة فى جميع أنحاء العالم دون اتباع قواعد، أو قوانين، ومجاناً. التحقيق الاسقصائى الذى قامت به الصحفية البلغارية قام برصد دقيق لخط سير الطائرات، ووجدت أن طائرات تابعة للشركة الأذربيجانية تتوقف كثيراً خلال رحلاتها لمدد تتراوح بين بضع ساعات إلى يوم كامل بحجة الإصلاح أو التزود بالوقود إلى غير ذلك من أسباب واهية وهو ما يقدم مزيداً من الأدلة على أن الطائرات كانت تشحن بالفعل بالأسلحة خلال فترات التوقف. ووفقاً للوثائق، أرسلت وزارة الخارجية الأذربيجانية تعليمات لسفاراتها فى «بلغاريا»، ودول أوروبية أخري، تطلب التخليص الدبلوماسى لرحلات (الطائرات المدنية)، وذلك لأن قانون الاتحاد النقل الجوى الدولي، يحظر نقل البضائع الخطيرة جواً بالطائرات المدنية ومع ذلك أرسلت السفارات مذكرة دبلوماسية إلى وزارة خارجية الدول المضيفة، لطلب الإعفاء، وبالفعل أرسلت وزارات الخارجية المختلفة، مذكرة موقعة من سلطات الطيران المدنى المحلية، تمنح الإعفاء الضرورى لنقل البضائع الخطرة جواً. وتضمنت بعض الطلبات -وفقاً للوثائق- معلومات عن نوع وكمية البضائع الموجودة على متن الطائرات، ومنها ما أدرج على أنها «أسلحة ثقيلة وذخائر»، مما يعنى أن السلطات المسئولة فى العديد من البلدان، مثل: «بلغاريا، صربيا، رومانيا، التشيك، المجر، سلوفاكيا، بولندا، تركيا، ألمانيا، بريطانيا، واليونان، وغيرها) غضوا أبصارهم، وسمحوا ب«الرحلات الدبلوماسية»، التى نقلت أطنانًا من الأسلحة، عبر طائرات مدنية لتلبية الاحتياجات العسكرية. الوثائق أشارت إلى تورط وزارة الدفاع الأذربيجانية فى فضيحة بيع الأسلحة للإرهابيين، حيث كانت جميع الطرود تشير إلى أن المرسل إليه الأسلحة، هى وزارة الدفاع، إلا أنها لم تحصل على الأسلحة، التى كان من المقرر الحصول عليها أغلب الوقت، وهو ما يؤكد تغيير الوجهة المشار إليها فى الوثائق فى كثير من الأحيان. وفيما يخص صفقات الولاياتالمتحدة السرية بشكل خاص، باعتبارها لاعبًا أساسيًا فى تلك العمليات. فيبدو أن العملاء الرئيسيين لبرنامج «الرحلات الجوية من أجل الأسلحة»، هى الشركات الأمريكية. شملت الوثائق المسربة من السفارة، أمثلة صادمة عن نقل الأسلحة، على سبيل المثال: فى 12 مايو 2015، حملت طائرة تابعة لسلاح الجو الأذربيجانى قذائف صاروخية (آر.بي.جي)، منها: 7.9 طن من طراز (PG-7V) وعشرة أطنان من طراز(PG-9V) إلى وجهتها، التى كانت من المفترض أن تكون من مطار «بورجاس» الدولى البلغاري، إلى قاعدة «ناسوسني» الجوية العسكرية الأذربيجانية، عبر قاعدة «انجرليك» العسكرية الجوية التركية. وكان المرسل شركة «بيربل شوفيل» الأمريكية، والمرسل إليه «وزارة الدفاع الأذربيجانية»، إلا أن الحمولة العسكرية، فٌرغت فى قاعدة «إنجرليك» التركية العسكرية، ولم تصل أبداً إلى المرسل إليه، ثم بيعت بعدها إلى شركة «بيربل شوفِل»، بعد أن صنعت بواسطة «فازوفسكى ماشينوسترويتيلنى زافودي»، أى مصنع «فازوفسكي» لتصنيع الآلات البلغاري. ووفقاً لسجل العقود الاتحادية، وقعت قيادة العمليات الخاصة للولايات المتحدة، فى شهر ديسمبر عام 2014، عقداً بقيمة 26.7 مليون دولار مع شركة «بيربل شوفِل»، وذكر أن «بلغاريا» هى بلد منشأ الأسلحة. وكانت قضية مقتل الموظف الأمريكى «فرانسيس نورفلو»، الذى كان يعمل فى شركة «بيربل شوفيل»، يوم 6 يونيو 2015، فى انفجار قذيفة «آر.بي.جي» فى نطاق عسكري، بالقرب من قرية «أنيفو» فى بلغاريا، إضافة إلى إصابة اثنين آخرين من الأمريكان، واثنين من البلغاريين، الخيط الأول لفضح تورط الشركات الأمريكية فى بيع الأسلحة للإرهابيين. وقتها، أصدرت السفارة الأمريكية لدى بلغاريا بياناً، أعلنت فيه أن بعض الرجال الحكوميين التابعين للولايات المتحدة، كانوا يعملون على (برنامج عسكرى أمريكي)، لتدريب وتجهيز -ما أسموه- المتمردين المعتدلين فى «سوريا»، وهو الأمر الذى أدى إلى سحب السفير الأمريكى من «بلغاريا» من منصبه، نظراً لأن صفقتهم كانت ستفضح ونجحوا فى إخفائها من خلال البيان. وأوضحت الصحفية البلغارية أنه فى شهر ديسمبر العام الماضى أثناء تغطيتها معركة «حلب» كمراسلة لوسائل الإعلام البلغارية، وجدت وصورت تسعة مستودعات تحت الأرض مكتظة بالأسلحة الثقيلة، بلغارية المنشأ، والتى كانت تستخدمها جبهة «النصرة» المصنفة فى قائمة التنظيمات الإرهابية. كما نقلت الطائرات العسكرية الأذربيجانية 282 طناً من أسلحة «آر.بي.جي» من طراز «PG-7VL» وقذائق يدوية أخري، على عشر رحلات دبلوماسية فى شهرى أبريل، ومايو الماضيين من «باكو»، إلى «رييكا» (كرواتيا)، ثم «باكو» مرة أخري، وكان المرسل، هى وزارة الدفاع فى أذربيجان، والمرسل إليه شركة «كولمن إنترنشونال إل.إل.سي» الأمريكية، وهى شركة معترف به دولياً فى مجال منع انتشار أسلحة الدمار الشامل. يذكر أن شركة «كولمن» حصلت على عقدين بقيمة 47 مليون دولار لكل منهما، مع مقاولين آخرين لإمدادات الأسلحة غير الأمريكية فى 18 فبراير 2016، و 19 أبريل 2017 على التوالي. كما وقعت أيضاً عقداً بقيمة 26.7 مليون دولار للأسلحة الأجنبية مع وزارة الدفاع، وعقدًا بقيمة 3.9 مليون دولار للأسلحة غير القياسية المصنعة حديثاً. أما بالنسبة لشركة «شيرمينج» للمنتجات العسكرية الأمريكية، فتعد مقاولاً رئيسيًا فى برنامج «إمدادات الأسلحة غير الأمريكية»، التى تمد الجيش الأمريكى من خلال الرحلات الدبلوماسية، وتحظ الشركة بأربعة عقود بإجمالى مبلغ 302.8 مليون دولار. لشراء الأسلحة من مصنعين محليين فى دول: «صربيا، بلغاريا، رومانيا»، لنقلها إلى «العراق، وأفغانستان» عبر الرحلات الدبلوماسية، طبقاً للوثائق. يذكر أن إحدى تلك الرحلات، التى كانت بتاريخ 18 أكتوير 2016 تحولت وجهتها، فبدلاً من هبوط الطائرة فى «كابول» (أفغانستان) كما ذكرت الوثيقة، هبطت بدلاً منها فى «لاهور» (باكستان). وكان على متنها 15.5 طن من صواريخ عيار (122 مم) اشترتها شركة «تشيمرينج» فى «بلجراد» (سيبريا). وبعد توقف دام ساعتين، اقلعت الطائرة إلى دولة «أفغانستان». وهنا يبين أن التفسير الوحيد الممكن هو تفريغ الشحنة فى «باكستان»، عكس ما ذكرت الوثائق تشير إلى أن الحمولة كانت موجهة إلى أفغانستان. أما أكبر مورد للأسلحة غير الأمريكية إلى الجيش الأمريكي، فهى شركة «أليانت تيشسيستمز أوبيراشن» الأمريكية، التى صدقت على عقود فى تلك الصفقات المشبوهة بقيمة 490.4 مليون دولار، فنقلت فى شهر ديسمبر عام 2016 أطنانًا من القنابل اليدوية، مثل: «إيه.بي.اى 23 * 115 مم»، و«إتش اى 23 * 115 مم»، و«جي.إس.اتش 23 * 115 مم»، من شركة «يوجويمبورت» الصربية لاستيراد وتصدير المعدات المتصلة بالدفاع، إلى وزارة الدفاع الأفغانية، تحت غطاء الرحلات الدبلوماسية، عبر طريق «باكو» (أذربيجان)، ثم «بلجراد» (سيبريا)، إلى «كابول» (أفغانستان). وكشفت بعض الوثائق أن «سيلك واى ايرلاينز» قامت بالعديد من تلك الرحلات الدبلوماسية المموهة، مع بعض الدول العربية، لنقل أسلحة للإرهابيين فى «سوريا، والعراق». فحملت تلك الطائرات قذائف الهاون، والقنابل المضادة للدبابات، بما فى ذلك (إس.بي.جي-9) و(جي.بى - 25). وكان الجيش العراقى اكتشف الأسلحة نفسها قبل نحو شهرين فى مستودع تابع لأحد التنظيمات الإرهابية فى مدينة «الموصل»، كما أنه من الواضح لأعين الناس، من خلال مشاهدتهم مقاطع الفيديو التى تنشر على الإنترنت، أن مسلحى التنظيمات الإرهابية يستخدمون تلك الأسلحة الثقيلة. سر اختيار «باكو» أدت «باكو» فى أذربيجان، دوراً مركزيًا دولياً للأسلحة، فكانت مهبط العديد من الرحلات، التى كانت تهبط تحت غطاء هبوط للإصلاح الفني، أو التزود بالوقود، حتى يتسنى لهم التوقف بضع ساعات دون أى نوع من أنواع المساءلة، أى أنها سهلت عمليات نقل تلك الصفقات أكثر من غيرها، فضلا على قيام طائرات «سيلك واى ايرلاينز» الأذربيجانية للقيام بمهام نقل الأسلحة، وهى نفس الطائرات التى سهلت على إسرائيل العديد من العمليات. ففى شهر ديسمبر عام 2015، قامت طائرات «سيلك واي» ب14 رحلة حملت فيها 40 طناً من الأسلحة فى كل رحلة من «أوسترافا» (الجمهورية التشيكية)، إلى «ناسوسني» (أذربيجان)، عبر مطار «عوفدا» الدولى والعسكرى الإسرائيلي، وانتظرت الطائرة داخل المطار الإسرائيلى مدة ساعتين، وفى عام 2017، كانت هناك خمس رحلات جوية من «نيش» (صربيا)، عبر «عوفدا»، إلى «ناسوسني». حملت كل رحلة 44 طنًا من البضائع. وكان المرسل إليه شركة «إلبيت سيستيمز» الإسرائيلية، ووزارة الدفاع فى أذربيجان. يذكر أن الشركة الإسرائيلية، قامت بإعادة تصدير على متن رحلة أقلعت من «بارنو» (الجمهورية التشيكية)، عبر «تل أبيب»، إلى «براتيسلافا» (سلوفاكيا) مركبات مدرعة، مثل: « TATRA T-815 VP31» وS TATRA T-815 VPR9 »، وبالرغم من كون المرسل إليه النهائى بتلك العملية، هى وزارة الدفاع الأذربيجانية، إلا ما حدث عكس ذلك. فهبطت الطائرة فى «تل أبيب»، ثم إلى «براتيسلافا»، وتم استيراد البضائع من قبل شركة أخرى فى «سلوفاكيا». ولم يكشف السر بعد حول تحليق الطائرة من أوروبا إلى آسيا، ومن ثم العودة إلى أوروبا بنفس البضائع على متن الطائرة. لكن فى نهاية المطاف، لم تصل إلى وجهتها النهائية. وتعد أحد أهم أخطر المعلومات التى وردت فى التقرير، هو نقل مادة (الفوسفور الأبيض) على متن تلك الطائرات وعلى الرغم من أنه لا يعتبر على وجه التحديد «سلاحاً كيميائياً» بالمعنى التقليدي، إلا أنه فى الواقع هو «أداة كيميائية»، فعلى الرغم من أن استخدامه الرئيسي، غربلة الرؤية عن طريق الدخان الصادر عنه، إلا أن ملامسته، تسبب حروقًا عميقة من الدرجة الأولي، والثانية، والثالثة، وعليه يحظر القانون الدولى استخدام «الفسفور الأبيض» فى المناطق المدنية المكتظة بالسكان، فهو محظور كسلاح كيميائي، بموجب اتفاقية الأسلحة الكيميائية، لكنه مسموح به إذا استخدم كأداة للتمويه. وربما تكون تلك الثغرة فى القانون هى من تلعب عليها بعض الدول المخادعة. أكدت الصحفية أنه فى 31 مارس 2015، نقلت طائرات «سيلك واي» 26 طناً من البضائع العسكرية بما فى ذلك الفسفور الأبيض من شركة «يوجويمبورت» الصربية، و63 طناً من شركة «أرسنال» البلغارية. وفى 22 مارس السابق، صدرت 100 طن أخرى من الفسفور الأبيض إلى كابول. بالرغم من عدم إرفاق أى عقد بوثائق لتلك الرحلات الجوية. وأضافت أنه فى يوم 2 مايو 2015 قامت طائرة سيلك واى بتحميل 17 طنا من الذخيرة، بما فى ذلك الفسفور الأبيض، فى مطار بورجاس. وكانت المصدرة بلغاريا، وقامت الطائرة بالهبوط لأسباب تقنية، وتوقفت لمدة 4 ساعات فى «باكو» قبل أن تصل إلى وجهتها النهائية إلى «كابول». وكان المرسل إليه هو الشرطة الأفغانية. ولا يرفق أى عقد كدليل.