تظل اللغة النوبية فخراً لكل المصريين، لأنها كانت لغة شفرة حرب أكتوبر، وكانت سببًا ضمن أسباب الانتصار والعبور، فأصبحت لغة خالدة عند المصريين، لكنها بعد مرور 44 عاماً على نصر أكتوبر بدأت التراجع، ولم يعد هناك إقبال عليها، إلا من بعض أهلها الذين يعتزون بها ولا يتحدثون غيرها فى بلدهم. شباب النوبة راحوا يستخدمون التكنولوجيا الحديثة لإعادة إحياء اللغة وتعليمها للأجيال القادمة، وذلك عبر تصميم تطبيق يسمى نوبى للهواتف المحمولة لتعليم اللغة النوبية، خصوصا أن الاهتمام بها لم يأت إلا من مؤسسات دولية كاليونسكو، التى حذرت من اندثارها خلال 5 سنوات. شباب نوبى، ابتكر تجربة مختلفة لاستعادة بريق اللغة النوبية وتراثها فأنشأوا تطبيقًا وقاموسًا للهواتف المحمولة لتعليم اللغة النوبية واستعراض أهم معالم الثقافة النوبية والتراث النوبى فى مصر، ورفضوا ترك اللغة تواجه عوامل التعرية الثقافية، لتكون كغيرها من الثقافات المندثرة بسبب الزمن والإهمال. اللغة النوبية إحدى لغات الأقليات فى قارة أفريقيا، وأهمها على الإطلاق فى المنطقة عربيًا ودوليًا، نظرًا لما تتمتع بها من بناء حضارة تعد من أولى وأهم الحضارات فى العالم. بوفاة جيل الخمسينيات والستينيات يقل عدد من يتحدثون النوبية، وأصبح هناك تخوف لدى شباب النوبيين من اندثار لغتهم النوبية والعامل الوحيد الذى يحفظ اللغة النوبية الآن الموسيقى والأغانى النوبية. مؤمن سمير ووليد توكة، شابان نوبيان، لم يستسيغا فكرة الحفاظ على «النوبية» بالموسيقى فقط فأنشآ تطبيقًا للهواتف المحمولة، لتعليم اللغة النوبية والتعريف بالثقافة النوبية التى لا تعرفها الأجيال الجديدة. «مؤمن» يعمل مهندس برمجيات بإحدى شركات البرمجة بالإسكندرية قال ل«روزاليوسف» إن البرنامج الذى أنشأه يستهدف فى الأساس أطفال النوبة، سواء الموجودين داخل مصر أو فى الوطن العربى أو أوروبا، لربطهم ببيئتهم الأم. مؤمن شارك صديقه النوبى وليد توكة فى تنفيذ التصميم، وحرصا على أن يكون سهل الاستخدام ومبسطًا فى عرضه ليسهل على المتلقى تعليم اللغة وإتقانها، وكانت البداية فى سبتمبر 2016 اشتركا فى العديد من ورش العمل النوبية منها أوتاد وجمعية التراث النوبى، حتى طُرح التطبيق للجمهور فى فبراير 2017. التطبيق يعرض الكلمات النوبية ثم يضعها فى جمل بسيطة، ثم يسرد القصص البسيطة للمساعدة على حفظ الكلمات وتثبيت اللغة، دون الاعتماد على قواعد نحوية كما هو الحال فى اللغة العربية، واعتمد التطبيق على طريقة الرسوم المتحركة، ويقوم بالأداء التمثيلى فى التطبيق عدد من أطفال النوبة وبعض الشخصيات النوبية، أبرزهم الطفلة (أشرندة) - التى تعنى جميلة الجميلات باللغة النوبية، والشخصية الثانية (النابوكى) وتعنى جامع الذهب باللغة النوبية، وهو رجل نوبى يوجه النصائح للطفلة ويطلق الإفيهات والأمثال الشعبية والحكم النوبية، ويسرد عادات المجتمع النوبى وثقافتهم وتراثهم. خلال عملية التعليم يستعرض التطبيق أهم معالم البيئة والمجتمع والطبيعة النوبية، التى كان النيل المظهر الأساسى الذى يمثلها، بالإضافة إلى المعابد والمنازل النوبية والطعام النوبى وغيرها من المعالم الساحرة التى تتمتع بها مدينة أسوان. مؤمن ووليد استعانا بكُتاب نوبيين أمثال الكاتب الصحفى والروائى محيى الدين صالح، أحد المدرسين بجمعية التراث النوبى، والكاتب ممدوح سراج، ومجموعة من الكتب النوبية التى تتناول التراث النوبى، كما استعانا بمطربين من النوبة، إسلام فارس وأحمد القرشاوى وآخرين، بالإضافة لعدد من النوبيين المتمكنين من اللغة ولايزالون مقيمين بالنوبة. تطبيق نوبى لا يهدف إلى تعليم اللغة النوبية فحسب، بل يسعى لتطويره ليشمل جزءا خاصا بالتاريخ النوبى وآخر للإعلان عن أهم المشغولات اليدوية التى يتميز بها التراث النوبى والأغانى النوبية، كما يسعى للترويج للسياحة النوبية واستعراض أهم المطاعم والفنادق والبازارات وأشهر المعالم، وكل ما يخص النوبة بالتعاون مع شركات السياحة الداخلية فى مصر، بحيث يستخدم التطبيق كل من يريد التعرف على النوبة، وبالفعل تواصلت شركات سياحة ألمانية وبلجيكية، بالإضافة إلى منصات ترجمة فى ألمانيا والنمسا وبريطانيا، مع مؤسسى التطبيق طالبوهما بترجمة اللغة النوبية إلى الإنجليزية والألمانية والفرنسية. النسخة الموجودة حاليًا من التطبيق تجريبية وسيتم العمل بالنسخة الكاملة بداية من العام المقبل، كما سيتم إدخال نظام الius وهو الذى يسمح للتطبيق بالعمل على الهواتف الآى فون، فالنظام الحالى لا يقبل التحميل إلا على الاندرويد، وحمله أكثر من 9 آلاف مستخدم خلال 4 شهور فقط. وقال مؤمن إن التكنولوجيا تساعد فى الحفاظ على اللغة أكثر من الكتب، وذلك لسهولة استخدامها وتوافرها بالمجان بشكل سهل وسريع، دون تكاليف شراء الكتب، والعصر الحديث تكنولوجى أكثر منه ورقيًا. وأضاف مؤمن إن هناك شراكة مع (مبادرة النوبة) وهى مبادرة تسعى للحفاظ على التراث النوبى، والمسئول عنها دية محمود، وهى سيدة سودانية حريصة على تنمية التراث النوبى وتعمل على انتشاره بين أرجاء المعمورة، كما تواصلت معه جامعة هاور الأمريكية، وهى جامعة مختصة بدراسات الملونين، وطلبت منه استعراض تجربته على برنامج سكايب، وذلك تحت عنوان (نشاط النوبيين فى مصر للحفاظ على لغتهم) ، كما قامت شركة soft key _ وهى الشركة المصنعة للكيبورد الخاص بالحاسب الآلى والهواتف المحمولة - بإرسال نسخة من اللغة النوبية إليها لإضافتها كإحدى اللغات المستخدمة على الكيبورد للهواتف المحمولة والحاسب الآلى، وهو ما يعد نجاحا قويا لأبلكيشن nubi وصعودا قويا للغة النوبية. وأشار إلى وجود 250 هرمًا نوبيًا، وأنه يسعى مع صديقه وليد لبناء هرم القرن الواحد والعشرين ليصبح الهرم رقم 251. وقال أنه سيسعى لأن يصل باللغة النوبية لوجودها على تطبيق google translate لكل من يرغب فى الترجمة من أى لغة إلى اللغة النوبية، مؤكدًا أنه تواصل مع مسئولى موقع جوجل، ولاتزال هناك مراسلات تجرى بينهم. القيادى النوبى عبدالصبور حسب الله، أيد محاولات شباب النوبة فى الحفاظ على تراثهم الثقافى الذى تراجع كثيرًا بين شباب الجيل الحالى، الذين ولدوا خارج النوبة وتعلموا فى المدارس اللغات العربية والإنجليزية والفرنسية ونسوا تماما تعلم اللغة النوبية أو التعايش مع التراث والثقافة النوبية، وتمنى أن تنجح تلك المحاولة فى إعادة إحياء اللغة النوبية مرة أخرى. وأشاد القيادى النوبى أحمد عبدالحميد بالتجربة التى تسعى لإعادة إحياء التراث النوبى بكل أشكاله فى نفوس النوبيين وشبابه والأجيال الجديدة التى أصبحت مشتتة وبعيدة كل البعد عن أصولها النوبية. وأضاف إن أطفال النوبة كانوا يتعلمون اللغة النوبية قبل ذهابهم للمدرسة لتعلم العربية التى كانت تعد لغة ثانية فى النوبة، وقال: حاليًا أتمنى أن تكون اللغة النوبية لغة ثانية بعد اللغة العربية لدى الشباب النوبى.