إنها الثورة بأداة التعريف 23 يوليو 1952، وإن كان يحلو لبعضهم حتى الآن إنكار ذلك بشكل متكرر تتوارثه أجيال، كما تتوارث أجيال كبيرة الاعتراف والاحتفال بها. إنها الثورة التى وصلت إلى الحكم فى مصر، ولم تطلب من أحد تحقيق مطالبها بالوكالة. وفى واحدة من التأملات الخاصة لثورة 25 يناير/ 30 يونيو التى هى المصدر الرئيسى للدستور المصرى الجديد، ربما أمكن فهمها على أنها فى واحدة من أهم أوجهها السياسية أنها تعيد الشرعية التاريخية لثورة يوليو 1952 ممثلة فى التوحد المتجانس بين الشعب المصرى وجيشه ودولته. واستمرار الجمهورية الجديدة عبر الانتخاب المباشر وفقاً لدستور لم يغادر مبادئ الثورة الأم 1952، وهى ثورة ينكرها أصحاب الثروات الكبرى الناتجة عن علاقة السلطة بالثروة، كما ينكرها الإسلاميون الحالمون بالخلافة والإرهاب. وهكذا ستظل 25 يناير/ 30 يونيو متهمة مثل 23 يوليو محاطة بالإنكار المتكرر الذى لا يقدر على إخفاء نور الشمس. أما ما يمكن فهمه بعد 30 يونيو أنه استعاد للثورة المدنية التى انحاز لها الجيش المصرى فى 25 يناير قدرتها على الوصول إلى الحكم، كما حدث مع 23 يوليو والتى تحرك فيها الجيش وانحاز الشعب المصرى له. إن 25 يناير/ 30 يونيو هى استعادة شرعية 23 يوليو مرة أخرى، وهى استمرار لفلسفتها ومطالبها مع التأكيد على اختلاف الإطار الموضوعى لبنية المجتمع المصرى ومحيطنا العربى والإقليمى والدولى. إلا أن موقف أهل الفن فى مصر وخاصة أهل المسرح لا يزال كما هو عقب ثورة 23 يوليو وعقب 25 / 30، ألا وهو طلب دعم الدولة للمسرح والفنون مع المطالبة بالحرص على حرية الممارسة الفنية، كما أن موقف الدولة هو أيضاً كما هو ألا وهو إطلاق الحرية ومراقبتها فى ذات الوقت، كما أن الأهداف التى يسعى إليها الجميع هى كما هى ويمكن إجمالها بتأمل درس 23 يوليو الثقافى فى دروس الحرية والهوية والتجديد والإنجاز الفنى. كما أن التردد وغياب الملامح الواضحة، وسيطرة الأنواع الفنية ما قبل يوليو هو ذاته ما هو حادث ما بعد 25 / 30، إلا قليلاً متمثلاً فى الأنواع الفنية التى كانت سائدة قبل 25 يناير. ذلك أن المسرح المصرى لم يتمكن من امتلاك ملامحه الجديدة إلا بعد مصلحة الفنون 1955، ثم مشروعات مهمة واضحة مع عام 1962 وهو عام عودة البعثات التى أرسلتها يوليو للخارج، وكان العائد صاحب المشروع آنذاك هو المخرج الكبير الراحل سعد أردش، الذى تقدم بمشروع لإنشاء مسرح الجيب، وكان أن ترأس اللجنة المفكرة له الكاتب الكبير توفيق الحكيم، وكان معه فى اللجنة النى خططت للمشروع رشاد رشدى ومحمد صقر خفاجة وصلاح عبدالكريم، أما الحكيم فهو صاحب الرؤية الثاقبة فى ضرورة تجاور التقليدى والتجديدى معاً، وكان أن قدم الجيب أحدث تيارات المسرح الغربى المعاصر آنذاك مثل مسرح العبث، إلا أن تفكير المؤسسة المسرحية الرسمية آنذاك كان يوازن بين احتياجات الجمهور العام وإحتياجات الطبقة الوسطى الصاعدة المتأملة لما يدور حولها فى كل أنحاء الدنيا فكان أيضاً عام 1961/ 1962 هو عام دمج مؤسسة المسرح الرسمية مع هيئة الإذاعة والتليفزيون، حيث تم إنشاء فرق مسرحية لا يزال بعضها حاضراً فى المشهد المسرحى حتى الآن حتى بعد الانفصال عن التليفزيون مثل المسرح الكوميدى والمسرح الحديث، وكانت هناك أيضاً فرقة المسرح العالمى، ومسرح توفيق الحكيم. إلا أن عام 1962 لم يمنع المسرح المصرى قبله من التعبير عن نفسه، خلال بداية العقد ذاته الذى حمل عناصر المسرحية الواقعية المتأثرة بصياغات أبسن وتشيكوف، حيث كان السعى نحو كتابة شخصيات واقعية مصرية وأحداث مصرية وظهر ذلك واضحاً فى صوت مصر لألفريد فرج 1956، وفى العام ذاته عفاريت الجبانة لنعمان عاشور، وملك القطن وجمهورية فرحات 1956 / 1957 ثم اللحظة الحرجة 1958. ليوسف إدريس، والفراشة لرشاد رشدى 1959. إلا أنه وما بعد 1962 جاءت التغيرات الحادة والتيارات المتصارعة الحيوية الدالة على صفحة مسرح الستينيات المصرى المشرقة والمزدهرة. وأبرز تلك التيارات المسرح الجماهيرى الضاحك فى التليفزيون، والمسرح الجمالى الفنى التجديدى المتصل بأحدث ما يدور فى المسرح الغربى آنذاك، وأيضاً الدعوة الشهيرة للبحث عن مسرح مصرى أصيل سواء دعوة الحكيم فى قالبنا المسرحى للعودة للراوى شاعر الربابة، أو دعوة د. على الراعى بالعودة للكوميديا المصرية الشعبية المرتجلة أو دعوة يوسف إدريس لمسرح مصرى أصيل ومحاولته الشهيرة فى الفرافير، ومحاولة محمود دياب المماثلة فى ليالى الحصاد. مع استمرار جهود الواقعية المصرية التقليدية والتى كانت حاضرة قبل 1962 وبعد ذلك، متمثلة فى إسهامات سعد الدين وهبة المتعددة. ومنها السبنسة وكوبرى الناموس وأسطبل عنتر وغيرها، وإسهامات ميخائيل رومان التقليدية وأبرزها مسرحية الزجاج. ثم كان عام 1967 وانكسار الحلم القومى الكبير، وأزمة وصدمة النهضة المسرحية الستينية المزدهرة إلا أن المسرح المصرى قاوم وبشدة منذ 1967 وظل يقاوم حتى 1970 الآثار النفسية السلبية للنكسة فى محاولة للنهوض واستعادة الحلم لتشهد مواسم 68/69، ثم 69/ 70 زخماً مسرحياً كان آخره وأبرزه مسرحية النار والزيتون لألفريد فرج التى ناقشت طبيعة تفكير العدو الصهيونى آنذاك فى علاقة اشتباك فنى مع المدرسة المسرحية التسجيلية. ثم كان أن عاد المسرح المصرى للضحك والتسلية قبل انتصار 1973 كجزء من خطة الخداع الاستراتيجى، حيث حاول السادات الإيحاء بأن الثقافة والمسرح يصرفان النظر عن الحرب، إلا أنها كانت وكان الانتصار الكبير لمصر فى أكتوبر 1973. هذا ولكن تبقى مناقشات عدة لتلك النهضة لاحظت نقاطا خلافية مثل هيمنة الدولة على الإنتاج المسرحى والفنى والإعلامى وعلاقة ذلك ما بين دعم الفنون وتقييدها، وطرحت أسئلة عن عدم استمرار تربية الذائقة الفنية للمشاهد المصرى. حيث يبقى الإنتاج المتميز لجمهور النخب الثقافية معزولا كما هو الآن، بينما يبقى الضحك والتسلية للجمهور الكبير، إلا أنه لا شك ومع أية ملاحظات نقدية حول الازدهار المسرحى الستينى، إلا أنه يظل فارقاً ومميزاً وعلامة كبيرة للمسرح والفن المصرى أثر فى الثقافة الوطنية، بل امتد دوره المحورى الرائد للمنطقة العربية ككل، وأسهم بالتأكيد بنصيب مقدر فى الثقافة الدولية، وبقى حتى الآن تاريخًا قريباً نذكره ونعود إليه لنستعيد أسئلة الذات المصرية القومية عن الفن والمسرح والعدالة الاجتماعية والحرية والثورة.