"المسرح".. فن ذو مكانة فنية كبري؛ إذ يعد مرآة للواقع، وما يسوده من متغيرات علي الأصعدة كافة، والتي يتفاعل معها في مختلف الأزمان؛ فيزدهر مع نمو الوعي الثقافي.. وتباعًا لاندلاع الثورات العربية في المنطقة، بدا مؤلفو ومبدعو العروض المسرحية وكأنهم الأكثر تأثرًا وتفاعلًا وتعاطيًا مع تلك الأحداث، الأمر الذي ينبئ بأن يخرج المسرح من حالة الركود التي عاشها في العقود السابقة، وبالأخص فترة حكم المخلوع، ليشهد خلال الفترة المقبلة إبداعًا مغايرًا مستلهمًا روحه من ثورة يناير.. رصدنا آراء عدد من الشعراء والمسرحيين؛ للوقوف علي حال "مسرح مصر ما بعد الثورة"، فماذا قالوا؟ يقول الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي - رئيس لجنة الشعر بالمجلس الأعلى للثقافة-: إنه يتوقع حدوث نهضة ثقافية شاملة في المسرح الذي يتطلب مناخا من الحرية كي يكون هناك إبداع.. ونوه بأن حال المسرح المزرية في عهد الرئيس السابق، لا تقتصر فقط على العقود الثلاثة الماضية، بل منذ زمن الاستبداد الذي امتد لأكثر من ستين عاما أي منذ انقلاب العسكر في يوليو 1952 .. مستعرضًا في الوقت ذاته تاريخ ازدهار المسرح الذي لعب دورا بارزا منذ ثورة 1919، والذي شهد تكوين العديد من الفرق الفنية المهمة آنذاك؛ والتي منها: فرقة "يوسف وهبي" التي ضمت نخبة من الفنانين أمثال الفنانة "أمينة رزق"، و"فاطمة رشدي"، و"عزيز عيد".. وفرقة "علي الكسار"، و"نجيب الريحاني" الذي شهد معها المسرح حالة من الازدهار. وألمح إلي أن فترة الستينيات من القرن الماضي، شهدت العصر الذهبي للمسرح بفضل المبدعين الذين نشأوا قبل ثورة يوليو؛ أمثال: يوسف إدريس، وعبد الرحمن الشرقاوي، وألفريد فرج، وصلاح عبد الصبور، وكبارالنقاد؛ أمثال: محمد مندور، رجاء النقاش، ولويس عوض.. وقال بأن الثقافة بدأت تشهد تراجعًا حادًا خلال فترة السبعينيات والثمانينيات حتي وصلنا إلي ما نحن فيه الآن من ركود، وبات المسرح للضحك والتسلية وإلهاء الناس عن مواجهة قضاياهم المصيرية.. ولكن ومع اندلاع ثورة يناير، حدث شبه إعادة هيكلة لموضوعاته، وهو ما سينعكس إيجابا علي المسرح الذي يحتاج إلي مناخ الحرية والديمقراطية. فيما قال الكاتب المسرحي يسري الجندي: إن ثورة الخامس والعشرين من يناير نجحت في إحداث تغيير شامل علي مختلف الأصعدة الثقافية والسياسية والاجتماعية، لكن هذا الأمر يتطلب مزيدا من الوقت حتي يتبلور في شكل جديد للوعي الثقافي المصري.. مشيرا إلى أن الأمر ذاته قد سبق وحدث مع ثورة يوليو، فإن المواطنين لم يشعروا بإنجازات الثورة أو بازدهارالفنون عشية إحداث الثورة لكن الأمر استغرق بعض الوقت. وقد عبر د. عمرو دوارة - رئيس الجمعية المصرية لهواة المسرح- عن تفاؤله بإنجازات ثورة يناير الإبداعية؛ التي اعتبرها بداية لعودة دور مصر وريادتها في المنطقة.. مشيرًا إلي أنه في حال استقرار الاوضاع بالبلاد سنشهد واقعًا عربيًّا مختلفًا. ونادي دوارة إلى ضرورة قيام المسرح العربي بدوره في هذه اللحظة التاريخية من تاريخنا العربي، باعتباره مرآة المجتمع التي تعكس ما يحدث فيه من متغيرات سياسية واجتماعية، والقيام بإصلاح جذري لأوضاع الحركة المسرحية العربية، والعمل على إنتاج أعمال جديدة جادة تليق بحجم ورقي هذه الثورات ومطالبها في مستقبل أفضل وأكثر حريةً وعدلاً؛ وهو ما يمكن أن يعيد الجمهور، والحياة مرة أخرى للمسرح العربي. الفنان رياض الخولي - الرئيس السابق للبيت الفني للمسرح - يتمني أن تكون مسرحية "ورد الجناين" - وهي أول عمل مسرحي يؤرخ للثورة المصرية ويكرم شهداءها - معاهدة لثورة يناير، بألا يتم استبدال شيء بالعدل.. مشيرًا إلي العرض المسرحي الذي حمل عدة متغيرات ثورية؛ أهمها: إبراز التلاحم بين التيارات السياسية والدينية حول هدف واحد، وهو إنقاذ مصر من نظام الحكم الفاسد، والسعي بها نحو التقدم، إضافة إلي غرس المبادئ الوطنية ودرء الفتنة الطائفية. وعلي الجانب الآخر، يقول الفنان أحمد ماهر، إن الثورات العربية أثرت وبشكل كبير في شكل ومضمون المسرح.. وتوقع أن يتم طرح مفاهيم ورؤى جديدة وعلاقات مختلفة ذات نسق مغاير تمامًا لما شاهدناه من قبل.. ويوضح بأن الثورات كسرت الكثير من الحواجز، وغيَّرت من شكل البطل، والحوار، إضافة إلي العديد من التغيرات الواضحة في الحياة المصرية بعامة، والتي ستنعكس إيجابا على المسرح وستغير الكثير من المفاهيم المرتبطة ببناء الشخصيات داخل العمل الدرامي العربي. فيما أكدت الفنانة ناهد رشدي أن ملامح الفترة القادمة لم تتضح بعد، مما يتطلب ضرورة الانتظار بعض الوقت لتتضح صورة المسرح العربي عامة والمصري خاصة، وكذا رؤية المسرحيين لكل ما حدث.. منوهة بأن الفنان عادة ما يحتاج إلى وقت للتفكير والتأمل حتى يخرج فنه في إطاره المناسب؛ لأن الفنان يقدم إبداعه من خلال مجموعة من العمليات التراكمية في ذاكرة المبدع عن الحرب أو الثورات وما تنتجه من تغيرات وحالات إنسانية، ومن خلالها يخرج شكله الجديد، وبغير ذلك يكون عمله الفني بلا معنى أوقيمة، وينتهي بانتهاء الثورة.