بينما يشعر الكثير من المصريين بحنين إلى عهد الملكية فى الفترة الأخيرة؛ تزداد حدة المطالبات بإلغاء النظام الملكى فى بريطانيا. المطالبون بإلغاء الملكية فى بريطانيا يتهمون الأسرة المالكة بالتبذير ويشعرون أنهم يشكلون عبئاً على الاقتصاد البريطانى. ونزولا على رغبة المواطنين وقناعة من أعضاء البرلمان بضرورة التفكير فى هذا الأمر ومناقشته؛ قرر البرلمان البريطانى إجراء استفتاء على إلغاء النظام الملكى. ولكن هذا الاستفتاء مؤجل تقديرا للملكة إليزابيث الثانية صاحبة أطول مدة جلوس على عرش الملكية البريطانية. لذلك قرر أعضاء البرلمان عدم إجراء هذا الاستفتاء إلا بعد وفاة الملكة إليزابيث الثانية. المطالبات بإلغاء الملكية بدأت منذ حادث الأميرة ديانا التى عشقها البريطانيون وتعاطفوا معها ورأوا فى الأسرة المالكة التى كانوا منبهرين بها جانبا لم يروه من قبل وهو ما وصفته الصحافة البريطانية وقتها بأنه نوع من القسوة والجمود. وكان الشارع البريطانى يرى أن التقاليد الملكية الصارمة وخيانة زوجها ولى العهد الأمير تشارلز قتلا ديانا قبل أن يقتلها الحادث. هذه المطالبات التى بدأت حادة وجادة هدأت مع الوقت؛ خصوصا أن الأسرة المالكة بدأت فى تغيير الصورة النمطية التى اعتادت الظهور بها إلى صورة أكثر حداثة وشبابًا لتعطى انطباعاً جديداً وتمحى أثر حادث مصرع ديانا وما سبقه من أحداث متوالية وتصريحات حملت انطباعا سلبيا عن العائلة المالكة. وجاء زواج الأمير وليام من كيت ميدلتون ليمنح الأسرة المالكة فرصة جديدة وأملاً فى البقاء؛ خصوصا بعد أن نجحت كيت فى دخول قلوب البريطانيين الذين أحبوا بساطتها وانطلاقها وأصبحوا يشبهونها بالأميرة ديانا. وفى أعقاب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى بدأت الأصوات تعلو مجددا بإلغاء الملكية ترشيدا للنفقات ودعما للاقتصاد البريطانى الذى يمر بأزمة تتطلب حلولا جذرية كما يرى المؤيدون للإلغاء. فيما يبدو أن تأجيل الاستفتاء ليس فقط تقديرا واحتراما للملكة إليزابيث الثانية؛ لكن هناك سبباً آخر متعلق بشعبية الملكة الجارفة التى ستؤثر على نتائج الاستفتاء وتحوله إلى استفتاء حول بقاء الملكة على العرش أو خسارتها له. ونظرا لما تتمتع به الملكة التى تخطت التسعين عاما من شعبية وحب لدى الشارع البريطانى تقرر التأجيل لما بعد رحيلها. الإحصاءات تشير إلى أن سبعة عشر بالمائة من البريطانيين يرغبون فى إلغاء الملكية البريطانية، لكن المحللين يؤكدون أن هذه النسبة سوف تزداد وتتضاعف بعد وفاة إليزابيث، أى أن هذه النسبة هى انعكاس لشعبيتها كملكة جلست على العرش لمدة خمسة وستين عاماً. المؤيدون لفكرة إلغاء الملكية يتحدثون دائماً عن ثروة العائلة المالكة التى تقدر بمليارات الدولارات. ووفقا لتقرير نشرته مجلة فوربس»forbes العام الماضى فإن ثروة الملكة إليزابيث الثانية وحدها تقدر بنحو خمسمائة مليون دولار. تحصل الملكة سنوياً على ثلاثة عشر مليون دولار تقريبا من الحكومة البريطانية، بينما يصل الدخل السنوى لزوجها الأمير فيليب البالغ من العمر خمسة وتسعين عاما إلى أربعمائة واثنين وأربعين ألف دولار. أما ثروة ولى العهد الأمير تشارلز البالغ من العمر ثمانية وستين عاما فتبلغ ثلاثمائة وسبعين مليون دولار، بينما تبلغ ثروة نجله الأكبر الأمير وليام عشرين مليون دولار. العائلة المالكة سيصل إجمالى دخلها هذا العام نحو ثلاثمائة مليون جنيه استرلينى من أموال دافعى الضرائب، أى المواطنين البريطانيين الذين يبلغ عددهم خمسة وستين مليون مواطن. يشير المؤيدون للإلغاء إلى أن هذا المبلغ ليس مقابل أى عمل بل هو فقط لأنهم ولدوا أو ينتمون إلى الأسرة المالكة. ويتساءل هؤلاء: هل من المعقول أن يدفع المواطنون ضرائب لكى تعيش هذه الأسرة فى رفاهية؟! المعارضون لفكرة إلغاء الملكية يرون أن بريطانيا دون ملكية ستتغير للأسوأ ولن تعود كما كانت من قبل. ويؤكدون أنه رغم أن نفقات العائلة المالكة ربما تكون مرتفعة فإن وجودها يجذب السائحين، وبريق الملكية ربما يكون السبب الأهم فى العدد الهائل من السائحين الذين يأتون سنويا لزيارة قصور العائلة المالكة وهو ما يعتبر دعماً لاقتصاد البلاد. كما يشير الداعمون لاستمرار الملكية إلى العمل الخيرى الذى يقوم به أبناء العائلة المالكة لجمع التبرعات لمشروعات تخدم المواطنين. فى المقابل يرد المؤيدون لإلغاء الملكية بأن العائد الذى تحققه السياحة لن يتأثر إذا تحولت بريطانيا إلى جمهورية، فالقصور ستظل على حالها، بل إن قصر باكينجهام سيكون خاليا ومستعداً لاستقبال السائحين بعد إلغاء الملكية ورحيل الأسرة المالكة. أما بالنسبة للمشروعات الخيرية التى تتبناها الأسرة المالكة فإنها تعتبر دعاية للأسرة المالكة نفسها؛ خصوصا أن نفس الدور يقوم به المشاهير ونجوم الكرة والفن. والأمر لا يتوقف عند الجانب الاقتصادى فقط؛ فالمطالبون بإلغاء الملكية يرون أن بريطانيا دولة غير ديمقراطية لأن العرش يورث ورأس الدولة لا يتم انتخابه بل إن الاختيار محصور فى أسرة واحدة طوال الوقت. حركة «جمهورية» هى الحركة البريطانية الأشهر والأوسع انتشارا للمطالبة بإلغاء الملكية. وتروج الحملة أفكارها وتناقشها مع البريطانيين استعدادا للاستفتاء الذى سيجرى بعد وفاة الملكة. وفى حوار مع صحيفة «الإندبندنت» البريطانية أكد جرهام سميث المدير التنفيذى لحملة «جمهورية» أن التأييد الحالى لاستمرار الملكية مرتبط بالملكة إليزابيث نفسها وليس بالعائلة الملكية كاملة، مشيرا إلى أن الأمر سيتغير تماما عندما يرى البريطانيون تشارلز يجلس على عرش بلادهم. ويرى سميث أنه ليس هناك أى مشكلة فى أن يصل الإنسان إلى سن التسعين لكن المشكلة تكون عندما يكون هذا الشخص هو ملكة تجلس على العرش منذ أكثر من ستين عاماً. وانتقد سميث محطة «بى. بى. سى»؛ لاهتمامها الذى وصفه بالمبالغ فيه فى الاحتفال بعيد ميلاد الملكة. وأشار سميث أنه من غير اللائق تخصيص وقت كبير للاحتفال بعيد ميلاد شخصية سياسية مثل ملكة بريطانيا. مشددا على أن مهمة ال«بى.بى. سى» هى نقل الأخبار ومتابعتها وليس الاحتفال بأعياد ميلاد أبناء الأسرة المالكة. سميث أكد احترامه للملكة إليزابيث، بل إن موقع الحركة يكتب على صفحته الرئيسة «عيد ميلاد سعيد» كل عام احتفالا بعيد ميلاد الملكة، فهى تظل شخصية تحظى بتقدير واحترام من الجميع حتى المطاليون بإنهاء العصر الملكى. ورغم من كل هذا الجدل الدائر فى الشارع البريطانى ما بين مؤيد لإلغاء الملكية ومعارض لها فإننا نرى المصريين يقارنون بين اليوم والأمس ويتمنون عودة الزمن إلى الوراء ليعيشوا فى العهد الملكى الذى يروه رمزاً للرقى والتحضر. يتحدث هؤلاء عن الوضع الاقتصادى القوى لمصر وقتها حين كان الجنيه المصرى أهم من الجنيه الذهب، ويشيرون إلى وضع مصر وملك مصر فى الماضى وكيف كان يستقبله الملوك والرؤساء، كما يقارن هؤلاء الذين يشعرون بحنين للملكية بين أخلاق المصريين اليوم وأخلاقهم فى ذلك الوقت؛ حيث كانت أى فتاة تستطيع الخروج وحدها أو بصحبة صديقاتها دون أن يتعرضن للتحرش، وهو ما لا يمكن أن يحدث اليوم. حتى الفن له نصيب من هذه المقارنة بدءاً من أشعار أحمد شوقى وصوت محمد عبدالوهاب وأسمهان وصولا إلى أم كلثوم وعبدالحليم وفاتن حمامة وغيرهم من كبار القامات الفنية التى عشقها المصريون ولايزالون يعشقونها حتى اليوم.