قبل شهر رمضان بأيام اتخذت وزارة الأوقاف قرارًا أثار الجدل ما بين القبول والرفض وهو منع مكبرات الصوت خارج المساجد فى صلاة التراويح، واقتصار استخدام الميكروفون على الأذان وخطبة الجمعة فقط، وأن تكون السماعات الداخلية مناسبة لداخل المسجد وعلى قدر الحاجة خلال شهر رمضان، وذلك لمنع ما تسببه مكبرات الصوت من أزمة لبعض المرضى وكبار السن خاصة أن فى هذا التوقيت هناك طلبة يؤدون الامتحانات وخاصة طلاب الثانوية العامة. كما قررت وزارة الأوقاف أيضًا تحديد مدة درس التراويح بألا يتجاوز 10 دقائق، كما منعت موائد الرحمن، وشددت على عدم الإسراف فى استخدام الكهرباء، وعدم تحمل أى نفقات تتعلق بأعمال الزينة. كل القرارات مرت إنما أكثر قرار أثير حوله اللغط كان قرار منع استخدام مكبرات الصوت فالبعض اعتبره اعتداء على الدين فيما حاول بعض المتطرفين الزج بالأمر تحت مسمى الحرب على الإسلام. هؤلاء لم يدركوا أن الميكروفون لم يكن موجودًا فى الإسلام من قبل، وأن الصلاة صحيحة بدونه، كما أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - حينما كان يقول «أرحنا بها يا بلال» لم يكن هناك ميكروفونات من الأساس. البعض اعتبر أن منع الميكروفون خروج عن الملة، متجاهلين القاعدة الفقهية التى تقول إن درء المفاسد مقدم على جلب المنافع، وأن هناك متضررين من مكبرات الصوت ليست المستخدمة فى المساجد فقط، لكن كل مكبرات الصوت سواء فى المساجد أو الأفراح أو المآتم وغيرها، خاصة أن هناك متضررين من كبار السن وهناك مستقبل يتحدد لطلاب يؤدون الامتحانات، وهناك تعاملات مادية وفى الوقت ذاته تجاهل كل هؤلاء أن صلاة التراويح فى الأصل نافلة وليست فرضا، وبالتالى هناك من لا يؤديها ولديه تعاملات فى حياته تتأثر بمكبرات الصوت، وهنا درء مفسدة الميكروفون مقدم على جلب منفعته. فى إطار الغضب من القرار حاول البعض تسريب شائعة تفيد تراجع وزير الأوقاف د.مختار جمعة، عن قرار المنع باستخدام المكبرات خلال صلاة التراويح، لتهدئة الحرب الإعلامية القائمة عليها، وهو ما نفاه د.جابر طايع رئيس القطاع الدينى بوزارة الأوقاف، مؤكدًا أن استخدام المكبرات لابد أن يكون على قدر الحاجة، وهو ما يكفى له استخدام السماعات الداخلية للمسجد، وإذا صلوا فى الخارج يكون على قدر الحاجة، وللضرورة دون إفراط أو تفريط، ولا جديد على تعليمات العام الماضى. القرار إجراء تنظيمى بحت، لمنع تداخل الأصوات بين المساجد والزوايا، وحتى لا يؤثر الصوت على تركيز الطلاب أثناء المذاكرة، خاصة أنه يوافق امتحانات الثانوية العامة وبعض طلاب الجامعات. الأذان تقطع له نشرات الأخبار سواء فى الفضائيات أو الإذاعة أو على الهواتف المحمولة من خلال برنامج «الأذان» وبالتالى لا يوجد مجال لضياع مواقيت الصلاة على المواطنين، وأن من حاولوا أخذ القرار فى إطار الحرب على الإسلام مخطئون. الكاتبة رباب كمال، قالت: إن القرار تنظيمى متأخر كثيرًا عن وقته فكان لابد أن يكون أسرع من ذلك، فنحن لسنا بحاجة إلى مهرجان الميكروفونات «مكبرات الصوت» المستخدمة فى الجوامع مع كل صلاة والمكثفة بشدة فى صلاة التراويح فى رمضان. كما أن هذا الفعل مخالف تمامًا لقوانين التلوث السمعى - مرجعة أسباب الرفض الكاسح للقرار إلى خلفيته الدينية - ولكننا هنا نرفض استخدام المكبرات بشكل عام سواء فى مسجد أو فى مناسبة أو حتى احتفال إذا كان فى بقعة مكتظة من السكان وفى شوارع قريبة، بل على العكس نحن نأمل التعميم فى كل الصلوات وليست التراويح فقط. وأضافت: إن اعتراض بعض نواب البرلمان على القرار من ضمن حالة الدروشة المصاب بها بعضهم، فقد أصبحنا نختلق العادات والتقاليد ونقدسها، رغم أن الموضوع بسيط فنستطيع الوصول لأكبر عدد من الناس بميكروفون واحد - فقط بحسب رباب كمال. فى عام 2007 طرح مشروع الآذان الموحد خاصة فى الأماكن اللى بها كثافة سكانية عالية فيتسابقون على من يرفع الأذن بشكل أعلى غير معنيين بأن هذا سباق ضوضائى، حينها اعتبر الرأى العام هذا القرار حربا على الإسلام وتم إيقافه، وهو الهجوم ذاته الذى تعرض له قرار منع المكبرات. د.هالة حماد مستشارة الطب النفسى، قالت: إن منع استخدام المكبرات صحى جدًا خاصة أن هناك عددا كبيرا من المواطنين يعانى من مشكلات جسدية فى الأذن ونفسية من التوتر واضطراب الجهاز الهضمى والعصبى وفقدان التركيز تمامًا من أصوات الميكروفونات، مشيرة إلى أن انفعال الأئمة فى المساجد المنقول عبر الميكروفونات يؤثر على المتلقى ويصاب بحالة من النشاز، وهو انفعال غير مبرر فى إعطاء الأحاديث وإقامة الصلاة وغيرها من الأداء. مع التوضيح أن التلوث السمعى يعبر عن التأثير المزعج للصوت وعوامله المرتبطة بمستوى الصوت، مكان الصوت، طول فترة التعرض لمصدر الصوت، وقت التعرض للصوت وجميعها تتحقق بشدة مع الميكروفونات ويكون المتلقى هى الأذن البشرية، التى يجب أن تستمع للأصوات تتراوح شدتها ما بين 20 - 120 ديسيبل، وما يزيد على 120 ديسبل يضر بالسمع إضرارا يصل إلى الصمم. عدد من نجوم المجتمع انتقد قرار وزارة الأوقاف بمنع استخدام المكبرات فى صلاة التراويح، أبرزهم اللاعب السابق للمنتخب أحمد حسن، فقد شن هجوما لاذعًا على الوزارة وصل إلى حد المزايدة عليها مطالبًا الوزارة بتهكم بإلغاء الصلاة أفضل والفرجة على المسلسلات، رغم أن القرار لم يقترب إلى أداء الصلاة فى شيء. بعض المهاجمين ربما لم يعانوا من العيش فى منطقة سكنية مزدحمة يضم كل بيت زاوية صلاة وكل شارع رئيسى مسجدا كبيرا جميعها تستخدم مكبرات الصوت فى آن واحد للتنبيه على الصلاة، وبالتالى كان سهلا عليه مهاجمة القرار، بل والسخرية أيضًا. سامح إسماعيل مدير الأبحاث بمركز «دال» والباحث فى فلسفة التاريخ، أوضح أن المجال العام هو مجال للمشاركة بين المواطنين ككل نلتقى ونتشارك أفكارنا المحايدة، وبالتالى نحن مؤمنون بحرية العقيدة وضد أى قرار يقيدها، لكن اعتبار أن قرار منع الميكروفونات ضد الدين خاطئ. هو قرار يجب دعمه لتنظيم الخصوصية وفى حالة ممارسة الطقوس فى المجال العام ومنع حالة الفوضى المصاحبة لميكروفونات المساجد كما أنها مؤثر أكبر ضد الدين يمكن وصفها بأنها حالة من استعراض القوة ليس أكثر والصوت العالى أكثر ضررًا بالأطفال وكبار السن والأشخاص العاديين أيضًا. منع الميكروفونات خطوة لمنح المواطن خارج المسجد وداخله حقه فى الراحة ومنع الضوضاء والضرر النفسى أيضًا، وما الحاجة لها مع انتشار الجوامع وكثرتها!، لافتًا إلى أن قرار الأذان الموحد كان سينظم الفوضى على المنابر وهو يحتاج لعدة قرارات وليس قرارًا واحدًا فقط من الوزارة، حتى يصبح كلام الأذان والآيات وغيره مفهوما وغير مبهم. الكاتب شريف الشوباشى، رأى أنه يجب تعميم القرار تعميم بهدف جعل الميكروفون داخل المسجد فقط، فما الحاجة إلى ميكروفون صنع حديثًا حوالى 1920 والذى دوره فقط تحويل الذبذبات الصوتية إلى كهربائية، فلك أن تتخيل مدى الضرر من استخدامه كما أنه ليس له علاقة بالدين ولا هو ركن من أركان الإسلام من الأساس. هناك وسائل مختلفة ومتعددة لمعرفة توقيت الصلاة فلماذا الضرورة فى الميكروفون. الشيخ محمد متولى الشعراوى عندما سُئل عن حكم استخدام مكبرات الصوت قال إنه باطل، وغوغائية تدين فهناك من يرغب فى النوم، المذاكرة، فهو أكبر نقمة بُليت بها الأمة الحديثة وسيحدث صمما عند الناس. الشوباشى أكد أنه فى الدول المتقدمة أدركوا أن الضجيج يسبب أزمات كبيرة تتعلق بالتلوث السمعى، فى فرنسا تكون ما يعرف بالمجلس القومى للضوضاء للحد منها ومن أضرارها، مشيرًا إلى أن هناك قوانين فى الدول التابعة للاتحاد الأوروبى تنص على أن الصوت لا يرتفع عن 80 ديسبل «وحدة قياس الصوت»، وإذا اضطرت المصانع أو الأماكن العامة رفع درجات عن الحد المتاح يتم تعويض العمال فى مكافأتهم ومعاشهم، كما أنه تم منع استخدام أجراس الكنائس إلا فى مناسبات بعينها منعًا لمشاكل الضجيج. فرنسا الآن تخوض معركة ضخمة مع سكان إحدى المناطق الهادئة لرغبة الدولة فى إقامة مطار فى الأرجاء وأهالى المنطقة احتجوا اعتراضا على القرار وما يسببه من تلوث سمعى ولم يكن للحكومة حيلة فى الأمر، أو فى التأثير على السكان. خلاصة الأمر مع توافر الإمكانيات والمميزات لمعرفة مواقيت الصلاة وسماع الأذان لسنا بحاجة نهائيا إلى استخدام مكبرات صوت يتسرب من خلالها ضوضاء، أمراض، صمم نحن فى غنى عنه، وإذا كان قرار وزارة الأوقاف لتحجيم استخدام المكبرات والحد من مهرجانات الصوت والتسابق على الأذان فالسؤال: هل سيتم تنفيذ القرار أما إنه مجرد حبر على ورق؟!