مع شمول ضريبة القيمة المضافة السجائر والمعسل، وبلوغها 40 جنيها إضافية على الكيلوجرام من المعسل الخام، نشطت تجارة موازية تعتمد على ورش «بير سلم» تنتج الدخان بوسائل بدائية، وباستخدام مواد خام بعضها مهرب وبعضها لم يخضع للفحوص اللازمة للتأكد من سلامتها على صحة المدخنين. الورش التى تعمل بعيدًا عن الرقابة، تقدم ل«المزجانجية» ما يحتاجون إليه من التبغ والمعسل بأسعار أقل بكثير من الأسعار الرسمية، ما يجعل إنتاجها يحظى بالإقبال خصوصا مع ارتفاع الأسعار الذى يجبر شريحة كبيرة من المدخنين على البحث عن بديل، فالمهم أن ينفث الدخان، ويعدل الدماغ، والمعروف أن المصريين ليسوا مهتمين بمعايير الصحة إجمالا، فالشعارات الرائجة هى «ربنا يستر» و«ربك هو الحافظ» ويا سيدى «خد من عبدالله واتكل على الله»! وتنتشر فى منطقة القللى بمنطقة رمسيس فى القاهرة، وتحديدًا شارع «باب البحر»، ورش تصنيع المعسل التى تبيع الكيلوجرام منه بعشرة جنيهات، فى حين يبلغ سعره رسميًا ما بين مائة ومائة وعشرين جنيهًا، وتحصل الورش على المواد الخام من محافظتى سوهاج والمنيا، وكلتاهما تشتهر بزراعة المعسل، فى حين تتمثل الأيادى العاملة فى «الطباخين» الذين سرحتهم شركات التبغ بأعداد كبيرة. الدخول إلى السوق ليس أمرًا سهلًا، فلابد من «بصاص» يساعدك على التواصل مع أصحاب الورش، وهناك ثلاث ورش لها سمعة عالية هى «الباشا» و«الأصلى» و«البريمو»، وهو الأمر الذى أكده سمسار فى النصف الثانى من العشرينيات ولقبه فى السوق «السريع». ويقول السريع: توجد 15 فى رمسيس وعمرها يزيد علي50 سنة، ويتوافد على الورش أصحاب المقاهى الذى يشترون المعسل بأسعار خاصة لأنهم يشترون بكميات كبيرة فيحصلون على سعر الجملة. كما توجد 8 ورش في شبرا الخيمة، ويحدد أصحاب الورش بالتشاور أسعار البيع كأنهم أعضاء فى غرفة تجارة موازية! ووفق «السريع» فإن معظم زوار السوق من محافظة سوهاج وأسيوط والبحيرة والغربية، وقد زاد الإقبال بعد ارتفاع سعر التبغ رسميًا فى حين أن «الورش» لم ترفع السعر إلا جنيها واحدًا للكيلوجرام. ويؤكد أحد العمال بورشة أن الزبون يحدد طبيعة المنتج فالمعسل الذى يباع له نكهات وخصائص مختلفة حسب طلب الزبون، و«الطباخ الشاطر» يستطيع أن يصنع أى توليفة. ويصف تفاصيل الصناعة قائلا: المعسل البلدى تبدأ مراحل تصنيعه بخلط العسل الأسود وأوراق التبغ ونقع التبغ فى المياه بعدئذ 3 ساعات، ثم وضع مكسبات النكهة عليها، وصولا إلى عملية التخزين فى أوان من الألومنيوم أو أحواض ضخمة من مادة السيراميك. ويؤكد أن البضاعة خالية من الجراثيم لأنه يتم تعريضها للبخار الساخن لمدة 15 دقيقة أثناء عملية التصنيع، ويستطيع الزبون استلام الكمية المطلوبة بعد 24 ساعة من تصنيعه لإتمام عملية التهوية والتعبئة فى علب ورقية تحمل أسماء شهيرة للمعسل البلدى بنفس الطعم. «توفيق عبدالملاك»، وهو صاحب ورشة آخر يبيع الكيلوجرام من المعسل بسعر 40 جنيها، لكنه ليس متخصصا فى المعسل بقدر ما يركز على تجارة تبغ السجائر. ويقول: سعر ال250 جرامًا من التبغ يبلغ 30 جنيهًا، فى حين يبلغ سعر ال125 جرامًا فى المتاجر 55جنيهًا، بما يعنى أننى أبيع بربع السعر المتداول. وكالعادة.. يرفض عبدالملاك القول بأن منتجه أقل جودة من المتداول فى السوق الرسمية قائلا: «نراعى تطهير المعسل قبل بيعه عبر عملية تبخير، ونشترى التبغ الخام من المصادر ذاتها التى تشترى منها المصانع، والمعروف بالنسبة للمعسل أن جميع المقاهى تشتريه منا، والناس تدخنه من دون أن يتعرضوا لأى مشاكل صحية، لكن هناك تخويفًا إعلاميًا لمحاربتنا فى أرزاقنا». أيما يكون.. فإن الورش قائمة وموجودة، وهناك قطاع ليس هينًا من المدخنين يتعامل معها، لكن إبراهيم الإمبابى رئيس شعبة الدخان والمعسل بغرفة الصناعات الغذائية باتحاد الصناعات، «ينفى وجود الموجود» ويقول: ورش المعسل «البلدى» غير موجودة، وبالنسبة للمصانع فهى تحت الرقابة ولا يوجد تهاون فى المخالفات، كما أن استيراد المعسل مفتوح، ونحن نجلب احتياجات السوق المحلية من الأردن والإمارات، ورغم ارتفاع الأسعار بعد قانون القيمة المضافة لم ينخفض الإنتاج. الدكتور مجدى سامى أستاذ الصدر والحساسية يعدد مخاطر تدخين «التبغ والمعسل البلديين» قائلا: «إذا كان التبغ الصينى المهرب يسبب سرطانات فإن التبغ المصنوع فى ورش بمنأى عن الرقابة يسبب إلى جوار السرطان أمراض انسداد الشرايين وتجمع المياه على الصدر والفشل الرئوى». ويضيف «تصنيع التبغ فى الورش بعيدًا عن الرقابة كارثة، فالمنتجات تدخل فيها مواد كيماوية مثل المنظفات الصناعية والصابون والجلسرين لإعطاء الورق طراوة ولمعانًا، وهذه المواد بالإضافة إلى أول أوكسيد الكربون الناجم عن عملية الاحتراق تؤدى بالنهاية إلى تخريب الجهاز التنفسى بأسرع مما يتخيل المدخن». وتحتوى أوراق التبغ «إن كانت صالحة» على أنواع من الحشرات الضئيلة جدا، والقضاء عليها يعتمد على آليات بالغة التعقيد ووسائل تكنولوجية ليس ممكنًا القول إنها متاحة فى مصانع بير السلم. وينتقد عدم وجود رقابة على المصانع العشوائية قائلا: «المنطقى أن تغلق هذه الورش فورًا، لأن وجود منتجها فى الأسواق يشكل خطرًا على صحة الشباب، فإذا كانت الدول المتقدمة تحارب التدخين، فلماذا لا نحارب نحن التبغ المضروب على الأقل؟ ويشير إلى أن مكسبات النكهة التى تضاف إلى السجائر والمعسل ليست آمنة أيضا فمعظمها مواد كيماوية عطرية وبها نسبة من الكحول للمساعدة على الاحتراق ما يشكل خطرًا داهما ومؤكدًا على صحة الرئة. ويقول: من واقع عملى أستطيع الجزم بوجود زيادة ملحوظة فى أمراض الرئة بعد دخول التبغ الصينى بكثافة، والمتوقع أن الزيادة ستتصاعد مع زيادة الإقبال على المنتجات غير الخاضعة للرقابة فى الورش التى أصبحت تنتشر ليس فى رمسيس فحسب بل إن بعضها يقع فى الجيزة وهناك ورش فى جميع المحافظات بلا استثناء.