نجح فى أوروبا وكانت حفلاته ينتظرها الجميع، إلا أنه لم يكن يعرفه أحد خاصة فترة «مبارك» التى وصفها بأن مصر كانت مدفونة فيها.. بدأ حياته مثلما بدأت أم كلثوم مع الصييتة وموسيقى عبدالوهاب أفضل من بيتهوفن هكذا تحدث الموسيقار عبده داغر ل «روزاليوسف» وأكد أن السلام الوطنى لا يليق بمصر وعار على تاريخنا الموسيقى الثرى. انتقد داغر مشروع سليم سحاب لاستغلال الموسيقى لصالح أطفال الشوارع واعتبرها شو لجمع الأموال فقط وليس لها أى فائدة. «موسيقار من أمة القرآن تتلبسه أرواح موسيقيين عظام مثل باخ وهندل وموتسارت» هكذا وصفتك الصحف الأوربية - العالم الغربى لم يكن يعلم شيئا عن الموسيقى المصرية وكان السائد فى الوطن العربى الغناء والرقص وليس الموسيقى، فى عام 1992 سافرت خارج البلاد، وكان أول تواصل مع الغرب هو فيلم تسجيلى عن ورشتى الموسيقية التى كنت أمتلكها لصناعة الآلات، وكان الفيلم بعنوان «العود»، وحصل الفيلم على الجائزة الذهبية «بشيكاجو»، ثم توالت عروضهم لإحياء حفلات ومهرجانات دولية فى أوروبا وكانت أول حفلة فى النمسا ثم باريس، جنيف، سويسرا، هولندا، وأمريكا، وقدمت «مزيكتى» ونالت إعجاباً شديداً من المستمعين الأجانب، حتى حفلتى خلال الشهر الماضى بباريس. كيف نجحت فى انطلاقك لهذه العالمية.. لدرجة وجود رسائل ماجيستير ودكتوراة عن موسيقاك بألمانيا والنمسا؟ - الأصل هو الانطلاق من شرقيتنا، نمتلك مقامات عظيمة، ولكن لا يعلمها الغرب، حتى إن الجمهور الألمانى كان يصفق بعد عزفى وقوفا، والمؤسف أن يعتقد كل موسيقى أنه عندما لعب مقطوعة غربية أنه وصل للعالمية؟! رغم أن العالمية هو أن نقدم أصولنا الموسيقية وتراثنا، وهو ما حدث مع تجربتى حيث نصب الألمان لى تمثالا بجوار عظماء الموسيقى بالعالم من بيتهوفن وباخ فى حديقة الخالدين بألمانيا، بل أسس المسئولون بالكونسرفاتوار بفرنسا قسما لدراسة آلات الموسيقى العربية وأصبحت أول مؤسس لمنهج دولى للموسيقى العربية بالخارج. فى المقابل هل كان مهضوماً حقك بوطنك؟ - نعم ومع نجاحى الخارجى وحفلاتى السنوية لم يكن هناك من يعلم عنى شيئا بمصر!! نظرا لتلك الفترة البائسة التى كانت تعيشها مصر أسفل التراب فى عهد حسنى مبارك. حدثنا عن آخر حفلاتك فى باريس الشهر الماضى؟ - كان احتفاء جماهيريا ورسميا منقطع النظير، بل طلبونى لإحياء الحفلة فى الكونسرفاتوار عن طريق وزارة الخارجية المصرية، ولم أتأخر فى الذهاب لفرنسا رغم مرضى، تلبية لدورى الوطنى، لأنها البلد الذى دعم مصر ومنحها الميسترال والطيارات الحربية المتطورة. ماذا عن نشأتك الريفية وتأثيرها فى تكوينك الفنى؟ - جدى ووالدى أسسا أول معهد للموسيقى العربية وامتلكا أول ورشة لصناعة الآلات الموسيقية بطنطا، وعندما أذكر «طنطا» أتذكر بليغ حمدى ومحمد فوزى، وغيرهما فهما تلاميذ والدى، فقد نشأت فى أسرة فنية من طراز رفيع لعبت دورا فى تشكيل وعيى ولم يكن أمامى طريق سوى عزف الموسيقى وإتقانها، فقد شاهدت (أم كلثوم) عندما أحضر لها جدى الشيخ أبوالعلا محمد ليستمع إلى صوتها ويدربها فى المعهد، وبدأت عزف العود وعمرى 7 سنوات، وواجه ذلك رفضا قويا من والدى، خوفا من نظرة المجتمع للفنان آنذاك، حيث مر بتجربة الرفض المتكرر من العائلات للزواج لأنه يمتهن الموسيقى «الآلاتى يعنى»، ولكن صممت على العزف والتدريب حتى أصبح عمرى 13 عاما، وعلمت نفسى ذاتيا العزف على آلة الكمان ،بمراقبة الدارسين فى معهد أبى عن بعد. بداية مشوارك الفنى كانت فى إطار الإنشاد الدينى.. كيف أكسبتك هذه الفترة خبرات؟ - اكتسبت خبرة كبيرة فى بدايتى مع «الصييتة» أو المنشدين، وهنا أوضح نقطة مهمة أرد بها على هؤلاء الذين يحرمون الموسيقى ويصفونها بالحرام دون فهم، رغم أن أجمل موسيقى فى الكون هى ما يتلوها المقرئ من قرآن، فهل معنى ذلك أن المقرئ حرام والقرآن حرام؟! والدليل أن أول ملحنين كانوا شيوخاً مثل أبوالعلا محمد، الشيخ زكريا أحمد، سيد درويش، القصبجى، وأغلبهم كانوا خريجى أزهر، فنجد أن الجمل القرآنية تبنى على أجمل موسيقى فى الكون، فنجد الموسيقى فيما يقدمه المنشدون مثل الشيخ مصطفى إسماعيل، محمد رفعت، أبوالعينين شعيشع، والمبتهلان أمثال الشيخ على محمود وطه الفشنى. ومتى انتقلت للعاصمة القاهرة محترفا للعزف؟ - سافرت بعد ثورة يوليو 1952 ثم اندلع العدوان الثلاثى عام 1956 مما اضطرنى للعودة لطنطا والعمل مع المنشدين مرة أخرى، إلى أن انطلقت بعد الحرب فى مصر مع جميع نجوم تلك الفترة من كارم محمود، عبدالمطلب، سعاد مكاوى،محمد قنديل، شفيق جلال، ثم الخط الكلاسيك بعد ذلك مع أم كلثوم ومحمد عبدالوهاب. ما ذكرياتك مع كوكب الشرق؟ - ما قدمته أم كلثوم من موسيقى يعود الأساس فيه لعبده داغر بكل وضوح، لأنها بدأت ك (صييتة) نفس النشأة التى تربيت عليها، وعبدالوهاب أيضا، وعزفت معها أغانى «هو صحيح الهوى غلاب» وغيرها من الأغانى ثم تركتها. ولماذا؟ - كنت متمردا أعشق الحرية لا أرغب التقيد بفرقة، وكانت أم كلثوم لها اثنان مقربان فى ذلك الوقت هما محمد عبده صالح عازف القانون والقصبجى عازف العود، وكانت هناك رغبة لديهما أن يدخلانى فى ذلك المثلث بدلا من الحفناوى، ولكننى رفضت، لم أرد سوى مساحة حرة انطلق منها، خاصة أن أصولى ترفض أن أكون بديلا للحفناوى، فهذا تعد خطير لم يكن مقبولا من جانبى. فضلا عن أن تمردى دفعنى أيضا عندما أسست فرقة الموسيقى العربية أن أكون الصوليست لها أقدم بالتقاسيم. كيف كانت «أم كلثوم» فى الكواليس؟ - فنانة جادة تعشق فنها، لم ولن يأتى مثلها، فهى صاحبة موهبة وصوت «ربانى». من أقرب لقلبك فى الاستماع أم كلثوم أم عبدالوهاب؟ - كلاهما أعشقهما، عبدالوهاب كان عبقريا. هل وصفت عبدالوهاب بأنه بيتهوفن الشرق؟ - بل كانت موسيقاه أرقى من بيتهوفن وموتسارت وباخ، نحن أغنياء بموسيقانا الشرقية من الغرب، والغرب اعترف بذلك عندما أنصت لموسيقتى التى قدمتها، ولكن فى بلدى من المؤسف أنهم لا يدركون ذلك، أبسطها أنه لا يوجد لى تسجيلات فى الإذاعة المصرية؟!، ويستضيفون «هلافيت» فى الإذاعة والتليفزيون ولا يوجد أثر لعبده داغر المشهور فى العالم كله؟! كيف تعزف مع أم كلثوم وعبدالوهاب.. وتقدم تجربة إبداعية مع المطرب الشعبى أحمد عدوية؟ - هذه حكاية طويلة، عدوية كان يعمل معنا فى الفرقة بيلعب «مزهر وطبلة»، وكانت لدى فرقة لمحمد رشدى، مع شفيق جلال، ثم تعرض «رشدى» لحادث وطوال مرضه كنت أقوم بتلبية جميع احتياجاته، حتى اقترض منى مبلغا، ثم تركنى وعمل مع صلاح عرام وبليغ حمدى، وبعد حالة نشاط فنى، طالبته باسترداد المبلغ، ولكنه رفض، وتحديا له قلت «سوف أصعد بأحمد عدوية «ليجعلكم تنامون من المغرب» كتعبير مجازى بأنه سوف يحقق شهرة ونجاحا أكثر من رشدى، وقد حدث بالفعل، انطلقت أولى أغنيات عدوية «السح الدح أمبو» وأخذت مقدمتها من بائع عصافير من شارع «كلوت بك، كان ينادى على العصافير بهذه الطريقة، وأعطيتها إلى مؤلف أغانى اسمه «حسيب بغاشى»، وقام باستكمالها لتظهر لنا الأغنية التى حققت نجاحا منقطع النظير وتم إنتاجها ب 15 جنيها. كيف طوعت الأذن الغربية للاستماع لموسيقاك الشرقية؟ - الموسيقى فى الكون لغة واحدة، ولكن كل يعزف بطريقته، ولكن ما يميز الموسيقى الشرقية هو امتلاكنا للربع تون، الذى يجعلنا أغنى موسيقيين بالعالم، ولكن لم ينتبه الكثيرون لذلك. هل نحن أصبحنا منبطحين للتغريب؟ نحن لدينا أغنى retm فى العالم، ولكن الاستسهال الذى يلجأ إليه منتجو الموسيقى فى مصر، استيراد أى إيقاعات غربية وتركيب كلمات عربية عليها من أجل البيع والرقص فقط! فنحن فى مرحلة من الضياع الموسيقى، حيث كان لدينا أقوى موسيقى فى العالم وهى موسيقى العسكرية، وحصلوا على الكأس من إيطاليا فى المسابقة الدولية منذ عهد الملك فاروق، أين هذه الفرقة الآن؟، ناهيك عن ذلك حالة السلام الوطنى المصرى الذى يمثل عارا موسيقيا بامتياز، لا يعكس سوى نشاز، وهذا يعود لأن أصل الفرق الموسيقية تم تدميرها على مدار السنوات الماضية منذ عهد عبدالناصر وصولا لمبارك مثل؛ الفرقة العسكرية، الاستعراضية، فرقة على إسماعيل وفرقة الإذاعة وغيرها. هل تحمل وزارة الثقافة مسئولية عدم تبنى مشروع قومى يحافظ على تراث الموسيقى العربية؟ - أين وزارة الثقافة أصلا، هل يعقل أن ما يمثل مصر وثقافتها فى الخارج التنورة فقط؟! عندما تم افتتاح مكتبة الإسكندرية، اليونسكو هى التى طلبتنى لتمثيل مصر، وليست وزارة الثقافة، وزارة الثقافة التى أصبحت لا تقوم بدورها الحقيقى، فمعهد الموسيقى العربية تم غلقه فى عهد مبارك وبعد نداءاتى المتكررة لإنقاذه تم افتتاحه مؤخرا على يد الوزير الحالى حلمى النمنم. ألا ترى أن تكليف وزارة الثقافة لك بالإشراف على بيت الكمان الشرقى بمركز تنمية المواهب.. متأخر؟ - بكل تأكيد خطوة متأخرة جدا ولكن لن أرفض أى نداء من بلدى، فهى خطوة أكرس لها ما تبقى من جهدى وعمرى وخبرتى لتعليم الأجيال الجديدة. لمصلحة من يتم تجاهلك؟ - لمصلحة اليهود، فالدولة ليس لديها أى فهم لإنقاذ التراث الموسيقى والفنى، فمن صنع النهضة الحقيقية الفنية بدأت مع محمد على وصولا للملك فاروق، إلى أن جاء عبدالناصر بثورته التى أحبطت الحياة الفنية والسياسية كلها ليكمل تجريفها مبارك على مدار 30 عاما. لو وضعت عنواناً لحالة الموسيقى والغناء بمصر الآن.. كيف تصفه؟ - نحن فى حالة ضياع المبين. عاصرت عدة رؤساء.. أيهما كان الفضل لمصر؟ - حرب 1973 أفرزت لنا بطلا حقيقيا هو السادات، كان مخضرم سياسيا، بل كان أحسن رئيس حكم مصر، أما عبدالناصر فكان عنيفا قاسيا أخذ البلد بالذراع مع الضباط الأحرار، أما مبارك أهان مصر، وجرفها فنيا وسياسيا. هل ثورتا يناير و30 يونيو أنقذتا البلد ووضعتها من جديد على الطريق الصحيح؟ - بكل تأكيد، خاصة مع رئيس مثل السيسى، ورغم اختلاف الكثيرين معه وعدم شعورهم بإنجازاته، فهو الرئيس رقم 7 وهو رقم مقدس لدى ربنا، فالسيسى لم يختره الشعب بل معين من عند «ربنا»، فهو رجل دولة، ما قدمه من مشروعات قومية كان يلزمها 60 عاما وليس سنتين، فالسيسى يصنع نهضة جديدة مثلما فعلها محمد على، ولكن يحتاج لمن يقف بجانبه وليس إعلاما يضرب ويهدم فى البلد، وكأن الشهرة للإعلامى لن تتحق إلا بالمعارضة فقط وإحباط المواطنين وخراب البلد، فالنظام الحالى يحتاج إلى مذيعين، وطنيين ومثقفين، يعملون لصالح مصر. سنة حكم الإخوان.. كيف رأيتها؟ - لم أقتنع إطلاقا ب «مرسى» رئيسا لمصر، فهو ليس سوى حلاق وليس رئيس لأعظم دولة صاحبة حضارة 7 آلاف سنة، فكان حكم الإخوان لمصر بمثابة جريمة، لولا ثورة 30 يونيو التى أنقذت البلد من هذه العصابة. كم مقطوعة موسيقية أنجزتها فى مسيرتك؟ - لدى كثير حتى منها لم يسجل بعد، اقترب ل 30 مقطوعة، وتعتبر مرجعا مهما لكل تلاميذى فى مصر سواء من رحلوا مثل عمار الشريعى وحسن أبوالسعود وآخرين منهم دارسون أجانب يأتون من أوروبا ليتعلموا هذه الموسيقى. لماذا حولت بيتك إلى مدرسة لتعليم الموسيقى بالمجان لتكون بديلا عن دور أصيل للدولة؟ - ببساطة، لأنه واجبى تجاه البلد أن أفعل ذلك، رغم أننى تلقيت عروضا كثيرة من دول أوروبية للتدريس بالخارج ولكننى رفضت، لافائدة من جمع الأموال مقابل تدريس جيل جديد من شباب الموسيقيين. كيف تنظر لتكريمك بالخارج ونسيانك بوطنك؟ - لا يهمنى كل هذا التكريم بقدر ما يهمنى أن تكون مصر فوق هذا العالم فنيا ومتقدمة فى كل المجالات. ماذا عن مشروع سليم سحاب لاستغلال الموسيقى فى خدمة قضية أطفال الشوارع؟ - مجرد شو إعلامى هدفه جمع الأموال على حساب أطفال الشوارع. لماذا رفضت تكريم مهرجان الموسيقى العربية عام 2008.. خصوصا أنه يستقبل خلال أيام احتفال المهرجان باليوبيل الفضى.. ما هو تقييمك له؟ - كان إعلانا لموقفى من رفض سياسات الدولة الثقافية آنذاك فى عهد مبارك، وكنت أحتاج فقط تقديراً لفنى والحفاظ عليه كجزء من التراث الموسيقى المصرى والعربى. فضلا عن سرقة تقاسيمى وإذاعتها دون الحفاظ على حقوق الملكية الفكرية، فلم أحصل على أى مقابل مادى منها، ففى أمريكا هناك من يفتح معهدا ويستغل منهجى فى التدريس دون أى مقابل أحصل عليه. ولكن سوف أشارك فى هذه الدورة رقم «25» بمهرجان الموسيقى العربية بحفلة يوم 4 نوفمبر المقبل. ما الذى قدمه المهرجان لتطور الموسيقى العربية؟ - لم يقدم شيئا سوى المصالح لبعض «الشلل» المستفيدة من إقامته، ولكن لم يقدم شيئا للنهضة الموسيقية، بل تم استبعادى وتهميشى المستمر عبر دورات المهرجان السابقة خاصة فى عهد الدكتورة رتيبة الحفنى. ذكرت فى تصريحات سابقة أن ما يقدم فى مهرجان الموسيقى العربية «نشاز» لا يليق بمصر.. لماذا؟ - هم يقدمون المتاح لديهم، ولا يمكن مقارنة ما يقدم الآن بالمعهد الذى تأسست فيه فرقة الموسيقى العربية، التى أسستها وكانت تضم أفضل الموسيقيين فى مصر، وجلبت لها الموسيقار عبدالحليم نويرة، وكان مديرى آنذاك شفيق أبوعوف فى مسرح البالون، وحصلت على موافقة الوزير ثروت عكاشة وقتها، وعندما اكتملت الفرقة تم طردى لإبدائى ملاحظات موسيقية فى التلحين، لمجرد أننى لا أستطيع قراءة النوتة الموسيقية، ولكن عدت بعد 15 يوما بعد تأكدهم من صحة وجهة نظرى. كيف تقيم حالة فرقة الموسيقى العربية الآن وأنت الذى أسستها مع ثروت عكاشة؟ - فى أسوأ حالاتها كما لو أصبحت فرقة عوالم. لمن يسمع «عبده داغر» اليوم؟ - لدينا مطربون جيدون ولكن ينقصهم الإعداد الكافى لنجوميتهم وفنهم، فهم مطحونون تحت وطأة شركات الإنتاج واحتكارها لهم وتقديم التجارى فقط بعيدا عن الفن الأصيل، وأستمع لكثيرين منهم مثل شيرين وأنغام موهوبات وغيرهما.