الأسبوع الماضى قررت السعودية والصين إزاحة الدولار الأمريكى من تعاملاتهما التجارية وذلك فى إطار علاقات تجارية قادمة أكثر ازدهارًا وهو ما يُرجح - حسب الخبراء - أن هناك اتجاهًا سعوديًا لبيع نفط المملكة إلى الصين، وفى هذه الحالة يكون الضرر الأكبر على الولاياتالمتحدة والدولار. بكينوالرياض اتفقتا مؤخرًا على تأسيس نظام لأسعار الصرف المباشرة بين عملتيهما، ودخل حيز التنفيذ بالفعل وذلك فى إطار نظام صرف جديد لن تستخدم فيه عملة دولية وسيطة كالدولار الأمريكي. وزارة الخزينة الأمريكية قالت إن حجم الأصول التى تملكها مجموعة دول عربية مجتمعة وهى البحرين، إيران، العراق، الكويت، عُمان، قطر والإمارات العربية المتحدة وعلى رأسهم السعودية فى مجموعة واحدة 612.371 مليار دولار إلى جانب امتلاكها لسيولة حجمها 285.238 مليار دولار تضاف إلى امتلاكها لسندات دين آجلة بقيمة 264.768 مليار دولار وسندات دين عاجلة بقيمة 62.370 مليار دولار، - وذلك حسب التقرير السنوى للوزارة الأمريكية - النصيب الأكبر فى هذه الاستثمارات للسعودية مع تمتعها بسيطرة نسبية على المجموعة باستثناء إيران. اقتصاديون أمريكيون حذروا من خطورة سحب هذه المجموعة لاستثماراتها من الاقتصاد الأمريكى لخطورة ذلك فى إحداث هزة اقتصادية عنيفة لا يمكن السيطرة على توابعها، مع الوضع فى الاعتبار الأبعاد السياسية لأى قرار يتعلق بالمملكة العربية السعودية، خاصة أن الأمر لن يكون سحب استثماراتها بشكل منفرد بل ستتبعها كل دول الخليج التى فى الأغلب لن تخرج عن العباءة السعودية. إزاحة الدولار من المعاملات السعودية الصينية وإقرار التعامل المباشر بين اليوان الصينى والريال السعودى أحدث قلقًا - حسب خبراء - فى الاقتصاد الأمريكى باعتبار أن العلاقات التجارية بين السعودية والصين قبل الإجراء الأخير قوية جدًا، بدليل أن الصين أكبر شريك تجارى للسعودية العام الماضي، بحجم تبادل تجاري 49.2 مليار دولار، وأن الصين بمفردها تشكل 13% من العلاقات التجارية بين السعودية ودول العالم الأخري، وبالتالى فإن بعد قرار إزاحة الدولار فإن المعدلات الاقتصادية ستقفز إلى معدلات غير مسبوقة. القلق الأمريكى تضاعف بعد قرار صندوق النقد الدولى الأخير بانضمام اليوان إلى الدولار واليورو والين اليابانى والجنيه الإسترلينى فى سلة عملات حقوق السحب الخاصة ومشاركته فى نسب الاحتياطات الدولية. التقارب التجارى بين بكينوالرياض ربما يكون ردًا على قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب (الجاستا) الذى أقره الكونجرس الأمريكى مؤخرًا. القانون، يشكل قلقًا لكثير من الدول باعتباره يشكل خطرًا على مبدأ إضعاف الحصانة السيادية، الذى يحكم العلاقات الدولية، فالقانون يتيح للولايات المتحدة مقاضاة من وصفتهم برعاة الإرهاب، ويتيح للمواطن الأمريكى مقاضاة أى دولة أجنبية ساهمت بشكل مباشر أو غير مباشر فى تهديد المصالح الأمريكية. قانون الجاستا يقول إن الإرهاب يمثل خطورة على المصالح الحيوية للولايات المتحدةالأمريكية، ويؤثر سلبًا على حركة التجارة الداخلية والتجارية للولايات المتحدة لأنه يلحق الضرر بالتجارة الدولية، وينسف استقرار السوق ويضيق على سفر المواطنين الأمريكيين خارج البلاد، وعلى قدوم الزائرين الأجانب إلى الولاياتالمتحدة. حسب المادة الخامسة من القانون فإنه يحق للسلطات الأمريكية استدعاء أشخاص من أى دولة للمثول أمام المحاكم الأمريكية للرد على أسئلة حول أنشطتها ومدى إمكانية ضلوعها فى أعمال عدائية ضد أمريكا، فيما تقر المادة الثانية أن الولاياتالمتحدة لها مصلحة فى وجود الأشخاص الذين يتعرضون لإصابات جراء الهجمات الإرهابية على أراضيها لرفع قضايا تعويض ضد الأشخاص أو المؤسسات الضالعة وتُعتبر مسئولة عن الإصابات التى لحقت بهم. لن يكون هناك دولة محصنة ضد ذلك القانون أمام السلطات القضائية الأمريكية وقد يكون هناك مطالبات بتعويضات أجنبية من دول أخرى. القانون يمثل انتهاكًا لسيادة الدول باعتباره يطيح بمبدأ الحصانة السيادية والدبلوماسية المتعارف عليه فى التعاملات الدولية، بالإضافة إلى قانون المعاملة بالمثل. حسب سياسيين فإن المستهدف من القانون المملكة العربية السعودية وتوجيه الاتهامات لها بالضلوع فى هجمات 11 سبتمبر وأن القانون نقطة فاصلة فى العلاقات السعودية الأمريكية، إلا أن الخطر لن يقف عند حدود المملكة بل سيمتد إلى دول أخرى عربية وغير عربية، فيما ألمح خبراء آخرون إلى أن الهدف من القانون تشكيل دوائر تهديد أمريكية لتمرير المصالح سواء فى نطاق الشرق الأوسط أو خارجه، إلا أنهم أكدوا على ضرورة تغيير السياسة السعودية فى التعامل مع الأمر، خاصة أن القانون أُقر وأصبح أمرًا واقعيًا وانتهت مرحلة التوقعات وأنه على المملكة الاستعداد لمعارك دبلوماسية خطيرة يجب أن تمتلك لها العديد من أوراق الضغط يأتى فى مقدمتها الورقة الاقتصادية باعتبار أنها الورقة الأخطر فى العلاقات بين الولاياتالمتحدة والسعودية، فأمريكا لن تتحمل مخاطر سحب استثمارات الرياض من اقتصادها لأنه يشكل جزءًا كبيرًا من قوام الاقتصاد الأمريكى وأن التأثير لن يكون على الولاياتالمتحدةالأمريكية بمفردها بل سيكون التأثير على الاقتصاد العالمى ككل. رغم أن إقرار الكونجرس ل«قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب» الهدف منه توجيه اتهامات للسعودية بالضلوع فى هجمات 11 سبتمبر وتمكين ضحاياها من مقاضاة المملكة فإنه فى مواقف مشابهة لجريمة 11 سبتمبر تمت محاكمة الأفراد دون وقوع أدنى مسئولية على دولهم، ومن ذلك ما حدث فى محكمتى نورنبيرجوطوكيو، فتمت محاكمة الأفراد ولم تحاكم دولهم، رغم أن محاكماتهم كانت بشأن جرائم حرب وأنهم لم يفعلوها إلا بعلم حكوماتهم. الرئيس الأمريكى باراك أوباما حاول استخدام حق الفيتو ضد الكونجرس لإيقاف تمرير القانون إلا أن أعضاء الكونجرس أبطلوا استخدامه للفيتو بتصويتهم ضده، فرفض 338 نائبًا الفيتو مقابل 74 وافقوا، وهو أكثر من أغلبية الثلثين التى يحتاجها الكونجرس لإسقاط الفيتو. أوباما برر استخدامه حق الفيتو ضد القانون بأن له تأثيرات سلبية على علاقات الولاياتالمتحدة مع حلفائها، بالإضافة إلى إخلاله بالقانون الدولي، القائم على «الحصانة السيادية»، وأنه يضر المصالح الأمريكية حول العالم، وحذر من التداعيات المترتبة على إقراره، موضحًا أنه يُسقط الحصانات القضائية عن الحكومات الأجنبية، ما يعرض الدبلوماسيين والجنود الأمريكيين للملاحقات القضائية خارج الولاياتالمتحدة. التحذيرات لم تكن من أوباما بمفرده بل صدرت تحذيرات أخرى من عسكريين ومسئولين سابقين فى جهاز الاستخبارات الأمريكى تقول أن إقرار القانون يشكل خطرًا على الأمن القومى الأمريكى وعلى تحالفات الولاياتالمتحدة فى العالم، خاصة اقتصاديًا بعد أن لوح مسئولون سعوديون بسحب أرصدة واستثمارات المملكة، منها ما قاله وزير الخارجية السعودى عادل الجبير بأن السعودية ستكون مضطرة لسحب استثماراتها، خشية تجميدها بسبب قانون «الجاستا». تحذيرات أوباما حول استخدام القانون ضد الولاياتالمتحدة أول الأشياء التى تحققت فأعلن ناجح الميزان نائب رئيس المشروع العربى فى العراق عن تشكيل لجنة تتولى رفع دعاوى باسم العراقيين المتضررين من الاحتلال الأمريكي. الدكتور حسن نافعة أستاذ العلوم السياسية أكد أن قانون «الجاستا» صُمم لابتزاز السعودية وربما للاستيلاء على استثماراتها فى الولاياتالمتحدةالأمريكية وأنه سيؤدى إلى تعقيدات كبيرة فى العلاقات السعودية الأمريكية، وأن رفض إدارة أوباما للقانون جاء خوفا من أى تداعيات أو آثار سلبية على الأمريكيين الذين يعملون فى دول عربية. «نافعة» أوضح أنه يمكن استخدام ذات القانون بهدف الحصول على تعويضات عن الانتهاكات والأضرار التى تسببت فيها واشنطن فى أى دولة كما أنه يعد كنزًا ثمينًا لضحايا سجنى جوانتانامو وأبو غريب، وتوقع أستاذ العلوم السياسية أن تتجه الحكومة الأمريكية نحو تجميد القانون باعتباره الخيار الأمثل بعد إقراره رسميًا، خاصة أن صدور أحكام بالتعويض للأمريكيين المتضررين فى أحداث 11 سبتمبر، سيفتح النار على أمريكا. الدكتور أيمن سلامة أستاذ القانون الدولى أكد أن القانون يخالف الدستور الأمريكي، الذى ينص على ضرورة اتساق كل التشريعات مع قواعد القانون الدولي، وأنه يخرق الأعراف الدولية والعلاقات الدبلوماسية، وأوضح أن القانون لم يتضمن ما ينص صراحة على مقاضاة السعودية وأنه لا يتخطى حدود أمريكا فى التطبيق، ولا يلزم الدول ذات السيادة الوطنية بأى التزامات دولية. السفير على البدوى قال إن المسئولية المدنية والجنائية توجه ضد الأفراد وليس الدول، وأن إقرار القانون يُعتبر سياسة تجبر أمريكية يجب مواجهتها بعد أن أصبح القانون أمرًا واقعًا، وأوضح أن حادث 11 سبتمبر نفذه أفراد يتحملون مسئوليتهم الجنائية ولا تتحملها دولهم. سيد طنطاوى