رغم أن ملف الأحوال الشخصية داخل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية أصبح متخماً بالكثير من المشكلات، وكثيرين من الاقباط كانوا ينتظرون أن يتمخض اجتماع المجمع المقدس الأخير عن لائحة الأحوال الشخصية الجديدة التى تدعى الكنيسة أنها سوف تحل الكثير من المشكلات حتى أصبحت تلك اللائحة مشكلة جديدة تضاف إلى مشكلات ملف الأحوال. حيث إن هناك جدلاً يعيق صدورها وهو ما يدور بين الطوائف المسيحية فى مصر «الأرثوذكسية والإنجيلية والكاثوليكية» حيث تريد كل طائفة أن تستحدث لنفسها لائحة خاصة بها، وهو ما ترفضه الدولة ليدخل هذا الخلاف فى السنة الرابعة منذ أن تولى البابا تواضروس مهام بطريرك الكنيسة القبطية، وأخذ على عاتقه إصدار تلك اللائحة معلنا أنه لن يرضى «بتعب وظلم أبنائه» من منكوبى الأحوال الشخصية، ولكن فجأة ودون أية مبررات انتبه القائمون على لجنة شئون الأسرة داخل المجمع المقدس إلى إلزام المقبلين على الزواج بالحصول على شهادة «مشورة» من الكنيسة وأن تلك الشهادة إلزامية وجاءت توصية المجمع المقدس بضرورة «مراجعة جميع مراكز المشورة على مستوى الكرازة لتوحيد منهج معتمد، وتحديد مراكز معتمدة كنسيا لاستخراج شهادات الدورات اللازمة لإتمام الزواج ويعمل بهذه الشهادات إجباريا من أول يوليو 2017» لتفجر تلك التوصية العديد من الإشكاليات داخل الكنيسة. ما هى المشورة؟ بدأت تجربة لجان المشورة عن طريق استحداث «كورس» تتم دراسته لمدة ستة أشهر يكون الحاصل على هذا الكورس خبيراً فى شئون الأسرة المسيحية، وقد يكون هذا «المستشار الأسري» شاباً أو فتاة غير متزوجين أو راهباً أو قساً فالدراسة تعتمد على تلقين هؤلاء المستشارين المنظور الكنسى للزواج وتترك لهم حرية التطبيق كل حسب خبرته فى الحياة ليصبح هؤلاء نواة عهد لها بعمل دورات تدريبية للمقبلين على الزواج لإعدادهم لتكوين بيت مسيحى والفكرة فى حد ذاتها لا غبار عليها ولكن أن تتحول فكرة التثقيف إلى دراسة إلزامية يجب اجتيازها للحصول على شهادة مؤهلة للزواج فهنا تقفز أمامنا العديد من علامات الاستفهام التى تحتاج إلى إجابة من المتخصصين الكنسيين. حرمان الأميين من الزواج لا يخفى على أحد أن مصر من الدول التى تنتشر فيها الأمية الكتابية، فآخرالإحصاءات تشير إلى أن ما يقرب من 40 % من الشعب المصرى أميون لا يكتبون ولا يقرأون والشخص الأمى لا توجد أية قيود قانونية أو دستورية تقيد من أهليته فله نفس حقوق وواجبات أستاذ الجامعة وبالتأكيد فإن هذا الشخص لن يستطيع أن يجتاز أى دورات تعليمية كما أنه لن تكون له القدرة على اجتياز الامتحان الذى يحصل بمقتضاه على شهادة المشورة الإلزامية التى أصبحت ضمن مصوغات الزواج داخل الكنيسة وهنا نكون قد حرمنا هؤلاء من حقهم الدستورى فى الزواج وتكوين أسرة دون أن يرتكبوا أى ذنب سوى أن الكنيسة قد رأت أن هؤلاء غير مؤهلين للزواج الكنسى الراسبون لا يتزوجون طبقاً لآليات الاختبارات التعليمية فهناك بالتأكيد من سيخفق فى اجتياز الاختبارات ويعد راسباً، ومن ثم عليه أن يعيد الدراسة مرة أخرى ويحكم عليه بعدم الزواج المؤقت لحين اجتياز اختبارات المشورة والحصول على شهادة الصلاحية للزواج فماذا لو تكررت مرات الرسوب والفشل فى اجتياز دورة المشورة والأمر قد يكون محتملاً بالنسبة للشباب، ولكن ماذا عن فتاة أخفقت فى اجتياز دورة المشورة «الإلزامية» وتركها خطيبها ليبحث عن أخرى نابغة ولهلوبة استطاعت أن تحصل على تلك الشهادة لتنضم كل «الفاشلات» فى المشورة إلى قطار العنوسة. الكنيسة غير مستعدة يتحفنا المجمع المقدس بالمزيد من الأعاجيب فعلى الرغم من أن التوصية نصت على «مراجعة جميع مراكز المشورة على مستوى الكرازة لتوحيد منهج معتمد وتحديد مراكز معتمدة كنسيا لاستخراج شهادات الدورات اللازمة لإتمام الزواج، وهو ما يعنى أنه لم يتم الاتفاق كنسيا بعد على تلك المناهج المعتمدة ولا نعرف كيف ستوحد تلك المناهج فى ظل وجود أنماط مختلفة داخل التركيبة القبطية التى تختلف بحسب التعليم والثقافة والبيئة والعادات والتقاليد فالمناهج التى تصلح فى المدن بالتأكيد لن تتناسب مع أبناء القرى والأرياف كما أنه لا يمكن لشخص حاصل على مؤهل متوسط أو ما دون المتوسط أن يستوعب برنامجاً أعد لخريجى الجامعات وبالتأكيد فإن برامج المشورة التى تصلح لشباب أقباط الداخل لن تناسب شباب المهجر الذى بالتأكيد سوف يرفض تقييد علاقاته الزوجية ووضعها فى قوالب تعليمية وعلى الرغم من كل هذا فإن الكنيسة قد قررت أن تكون مراكز المشورة مستعدة للعمل ومنح الشهادات اللازمة خلال ستة أشهر فقط. المصاريف 1000 جنيه حددت الكنيسة مبلغ 1000 جنيه ليكون تكلفة مصروفات الدراسة فى دورة المشورة والحصول على شهادتها الإلزامية لتضيف بذلك عبئاً جديداً على المقبلين على الزواج فسيكون على كل «خطيبين» تدبير مبلغ 2000 جنيه للحصول على تلك الشهادة فى حال اجتياز تلك الدورة من أول مرة ويتضاعف المبلغ بتكرار مرات الرسوب وبالتأكيد من لم يستطع تدبير المبلغ لن يتقدم إلى تلك الدورة، ولن يحصل على شهادتها ولن يتزوج. ولا يوجد سبب أو مبرر لقرار الكنيسة لتقييد الزواج فالذين سوف يضارون من هذا القرار كثيرون فبدلاً من أن تجد الكنيسة حلاً لمشاكل أبنائها من متضررى الأحوال الشخصية قررت جعل الزواج امتيازاً لا يحصل عليه إلا صفوة الكنيسة وليلجأ المتضررون إلى الرهبنة والعفة الإجبارية وهل هذا القرار يمكن أن يفتح باباً للفساد داخل الكنيسة؟ فهناك بالتأكيد من لا يستطيع اجتياز دورات المشورة،، وهناك بالتأكيد أشخاص بعينهم سوف يستطيعون أن يأخذوا الشهادة المطلوبة من الأبواب الخلفية، وتتحول تلك الشهادات إلى «سبوبة» تدر الملايين كما حدث من قبل فى شهادات تغيير الملة التى وصل سعرها إلى 50 ألف جنيه لمن يريد أن يحصل على الطلاق. مخالفة دستورية قرار تقييد الزواج بمحرر لم ينص عليه القانون هو قرار ينتهك الدستور الذى ينص على مبدأ تكافؤ الفرص فالمواطن المصرى المسلم لا يحتاج لشهادة مشورة «إلزامية» لكى يعقد قرانه بينما نظيره المسيحى يجب عليه أن يحصل على تلك الشهادة كما أن «الإلزام» من سلطة الدولة ويكون ذلك بمقتضى قوانين يتم تشريعها من السلطة التشريعية وتطبيقها من قبل السلطة التنفيذية ومراقبتها بمعرفة السلطة القضائية والقانون لم يعط أى سلطة للكنيسة لتقوم بإلزام رعاياها بقرار لم تخول سلطة إصداره هذا بجانب أن الكنيسة قد قيدت حريات الأقباط التى تتمثل فى حق الزواج وتكوين الأسرة.