ماريان ناجى سيدة مسيحية هى زوجة وربة بيت مثلها مثل كل المسيحيات المصريات متدينة تذهب إلى الكنيسة وتنتظم فى حضور القداس والصلاة وترعى منزلها الصغير بما تفرضه عليها وصايا دينها. ماريان إنسانة ضحوكة مبتسمة دائما تحظى بحب جميع جيرانها لا تفرق بين ما هو مسلم أو هو مسيحى فهى ابنة هذا المجتمع البورسعيدى الطيب، ويزيد دفء تلك العلاقات أنها تعيش فى مدينة بورفؤاد الهادئة، ولكن ما أن يقترب شهر رمضان من المجىء حتى تتغير أحوال ماريان فهى تنتظر هذا الشهر على أحر من الجمر فلها خصوصياتها وسلوكياتها المختلفة فهى المسيحية التى تصوم رمضان، ولكن هذا العام كان مختلفاً معها لينسج لنا حكاية مصرية لسيدة تعشق كل مكونات هذا الوطن بالفطرة. مسيحيون يصومون فى البداية اندهشت مريان لأننا نستغرب أن تصوم مسيحية شهر رمضان لتخبرنا بالمزيد مما هو أغرب فتقول: «لست الوحيدة المسيحية التى أصوم شهر رمضان فلدى كثيرون من الأصدقاء والصديقات المسيحيين الذين يصومون رمضان، والجميل فى هذا أننا جميعاً نصوم الشهر دون اتفاق بيننا فما الغريب فى ذلك؟ فهناك أصدقاء مسلمون لنا يصومون صوم السيدة العذراء وينذرون النذور للعذراء ويوفون بها وصيام رمضان بالنسبة لى هو هوى شخصى فلماذا أحرم نفسى من تجربة مشاعر روحية وفياضة فى تلك الأيام فالصوم بشكل عام يهذب وينقى النفوس وكونك تعيش حالة صيام جماعية يزيد من انتمائك إلى تلك الجماعة فلا نشعر أن هناك أقلية أو أغلبية فجميعنا نذوب فى روحانية الشهر وأوقات الإفطار مع الأهل والأصدقاء كثيرا ما تحفل بمسيحيين سواء كانوا على صيام أم لا ونشعر فى تلك الأوقات بالحميمية الشديد وحب حقيقى يربطنا بعضنا البعض». فانوس رمضان وتحرص مريان على اقتناء فانوس رمضان كل عام على الرغم من أن المتعارف عليه أن هذا الفانوس يهدى للأطفال فتقول: «لا أترك أى مفردات من شهر رمضان لا أستمتع بها بصراحة أنا طماعة فى رمضان، وقبل أن يهل الشهر الكريم بأيام لابد من أن أنبه كل أصدقائى المسلمين بأننى فى انتظار فانوس رمضان الذى أحصل على العديد منه من كثير من الأصدقاء وأحرص على تناول المأكولات الرمضانية كانت تعد صينية كنافة أثناء حوارنا فأنا طاهية ماهرة لكل تلك الأكلات وكعادة البورسعيدية فى أول يوم رمضان أقوم بإعداد (بطة أول يوم رمضان) وما يصاحبها من (محاشي) بأنواعها المختلفة، أما الكنافة والقطايف فهى حاضرة طوال الشهر الكريم فى منزلى وكثيراً ما أذهب حاملة الكنافة والقطايف وأنا ذاهبة إلى الكنيسة لحضور الاجتماعات الروحية، حيث نتناولها أنا وأصدقائى بعد انتهاء الاجتماع وغالبا ما يشاركنا كهنة الكنيسة موائد الكنافة والقطايف فى جو من البهجة والفرح ونهنئ بعضنا بتهنئة الشهر الفضيل فرمضان كريم». السهرات الرمضانية ماريان بعد الإفطار وتناول المشروبات والحلوى الرمضانية تكون على موعد مع بعض الأصدقاء للاستمتاع بالليالى الرمضانية المختلفة التى تزخر بها المدينة فهناك العديد من العروض الفنية والمسرحية والندوات الثقافية الرمضانية ولا يخلو الأمر بالتأكيد من الالتفاف حول أكواب «الخشاف والتمر الهندي» فى إحدى الخيام الرمضانية للسمر وتبادل الضحكات والقفشات حتى إذا ما مر المسحراتى ليعلن اقتراب وقت الإمساك التفت ماريان مع أصدقائها للسحور، ولا تنسى أن تشرب كوباً من الماء تنهى به سحورها لمواجهة يوم جديد من صيام الشهر الكريم فى ظل مناخ يونيو الملتهب متمنية للجميع صياماً مقبولاً ويبادلها الجميع نفس الأمنيات لينطلق صوت أذان الفجر ليذهب المسلمون للصلاة فى أقرب مسجد ويعود المسيحيون إلى منازلهم على وعد باللقاء على مائدة الإفطار فى اليوم التالي. عم حسن والفتة لا تتوقف مشاركات ماريان على شهر رمضان فقط ولكنها تزيدنا من الشعر بيتا فتقول: «أجمل الأيام التى أنتظرها كل عام هو أول يوم عيد الأضحى فضمن جيراننا يوجد عم حسن وهو بمثابة والد لى تربط عائلتنا علاقات من الحب والود المتبادل وأنا أنتظر عم حسن فى عيد الأضحي، حيث يأتى لى «بطبق فته بالتوم والخل» مخصوص مشفوعا بما تيسر من لحم أضحية العيد، وبالتأكيد قبل أن يدخل عم حسن المنزل لابد أن يمد يده «بالعيدية المعتبرة» كتأشيرة لدخول منزلنا فى ذلك اليوم». كليب رمضان تتوالى مفاجآت ماريان الجميلة فتقول: «حزنا جميعاً مسيحيين ومسلمين لما حدث من اعتداء على سيدة المنيا، فمن كان من وراء تلك الأحداث لا يمكن أن يكونوا مصريين وفكرت أنا والكثير من الأصدقاء مسيحيين ومسلمين على أن نقدم صورتنا الحقيقية الطبيعية بعيدا عن شعارات النسيج الواحد وعاش الهلال مع الصليب، فقررنا أن نستعين بالفن فلا توجد وسيلة أكثر فاعلية من الفن، وقررنا أن ننتج بجهودنا الفردية فيديو كليب نشارك فيه مسيحيين ومسلمين فى الاحتفاء بقدوم شهر رمضان وكانت السمسمية هى سيدة الموقف فلدينا عازفة سمسمية عبقرية رغم صغر سنها وهى إيمان حدو 16 عاماً ومطرب هو مينا عادل والشاعر الغنائى مصطفى الشاعر والملحن والموزع الموسيقى والمخرج ياسر الدغيدى وبمشاركة أصدقائنا من فرقة أوتار الموسيقية وتمت صياغة كلمات تناسب الحدث على لحن السمسمية الشهير (بتغنى لمين يا حمام) يقول مطلع الأغنية (متسحرين ومصليين وكمان صايمين رمضان ده كريم وعظيم) وتظهر الأغنية مدى التلاحم والبهجة فى هذا الشهر العظيم لتكون ماريان هى المنتج الفنى والدينامو الذى يحرك الجميع ويوفر كل مستلزمات هذا الإنتاج الفني، حيث تم تصوير الكليب بين بورسعيد والإسكندرية حتى خرج هذا العمل إلى النور فى أول أيام شهر رمضان الحالي. انتهت حكاية ماريان ولكنها حكاية ضمن حدوتة مصرية ممتدة منذ آلاف السنين وستستمر إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها لتؤكد أن مصر يسكنها مصريون تذوب معتقداتهم فى وطنيتهم يكونون كتلة صلبة تتحطم عليها كل أطماع ودسائس أهل الشر.