فى الأسابيع الماضية تم اتهام عدد من الباحثين والكتاب بتهمة ازدراء الأديان، والازدراء هو الاحتقار وعدم الاحترام وعدم الاتباع، وبالتالى يعتبر كل أصحاب دين متهمين بأنهم يزدرون الديانات الأخرى. والازدراء بدأ فى الإسلام مع تفرق المسلمين فى الصراع على الحكم باسم الإسلام، فكانت أحداث الفتنة الكبري، ثم معركة صفين، ثم ظهر الخوارج الذين ازدروا كل من الإمام على ومعاوية وخرجوا عليهما. وتهمة الازدراء كانت السبب فى سجن بعض الفقهاء الأربعة، فمثلاً تم سجن أحمد بن حنبل لأنه قال إن القرآن كلام الله، بعكس البخارى الذى قال إن القرآن مخلوق موافقاً فى ذلك لرأى الخليفة. وكلمة ازدرى جاءت فى القرآن بمعنى الاحتقار: (.. وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِى أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْراً اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِى أَنْفُسِهِمْ إِنِّى إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ) هود31، فالذين يحتقرهم الناس فإن الله تعالى وحده أعلم بحقيقتهم، ولا يعلمهم الناس. وتعتبر تهمة ازدراء الأديان من مظاهر القهر الفكري، فهى التهمة التى يتم بمقتضاها محاكمة بعض من يحاولون الاجتهاد فى نقد التراث الإسلامى وقراءته من ناحية تاريخية تختلف عن الخطاب السائد والذى تعتمد عليه المؤسسة الدينية المحافظة، وبصرف النظر عن الاتفاق أو الاختلاف مع المجتهدين، فالمسألة هنا هى أزمة حرية التعبير، ومحاولات التخلص من أى فكر معارض بالإرهاب الفكرى من خلال احتكار تفسير النصوص الدينية وتكفير الخصوم. وفى فترة حكم السادات تم وضع قانون لتهمة ازدراء الأديان، والقضية المرفوعة حسب هذا القانون هى قضية حسبة، وأصبح بعدها من حق أى مواطن أن يرفع قضية حسبة ضد أى مفكر أو فنان لا تعجبه أعماله، بل ويعتبر تلك الأعمال تطاولاً على المقدسات، وهذا المنطق أبعد ما يكون فى الدفاع عن الدين. وحسب مقولة أنه لا عقوبة إلا بنص، فالمطلوب من المختصين فى المؤسستين الدينية والقضائية أن يحددوا قائمة المخالفات الدينية والتى تسمى بالمعلوم من الدين بالضرورة لكى لا تتم مخالفتها، بدلاً من وضعها كمادة مطاطة تستخدم كسلاح لإرهاب كل من يحاول التفكير فى كل ما له علاقة بالدين.