هل تصدق أن تضيع الحكومة 3.6 مليار جنيه وتطرح أرضًا سعرها 360 جنيهًا للمتر بسعر 30 جنيها فقط مجاملة لشركة ما؟ لم يحدث هذا فى عهد فساد حسنى مبارك، بل يحدث الآن. إنها أرض مشروع المطورين الصناعية التى طرحتها الدولة فى 2010 بسعر 30 جنيهًا دون مرافق، وطرحتها الحكومة فى 2015 بذات السعر، رغم إجراء عمليات إعادة بيع على أراض بالمشروع لحساب مستثمرين بأسعار مبدئية وصلت إلى 360 جنيهًا. قصة للفساد الجديد القديم معًا، يكشف عنها تقرير الجهاز المركزى للمحاسبات، الذى تضمن تخصيص 11 مليون متر مربع لهيئة التنمية الصناعية فى مدينة السادات بنظام نقل الأصول ضمن مساحة 17 مليون متر تم تخصيصها بمدن أكتوبر والعاشر وبرج العرب والسادات، بموافقة وزيرى الإسكان والصناعة بشأن قيام هيئتى المجتمعات العمرانية والتنمية الصناعية باستكمال إجراءات نقل الأصول على المساحات التى جرى تدقيقها من الهيئتين وإرجاء استلام الأرض مؤقتا لحين طرحها على المطورين خشية حدوث تعديلات عليها. وفى 30 نوفمبر 2010 وافق وزير الدولة للتنمية الاقتصادية على نقل الأصول للمساحات المتضمنة 11 مليون متر فى مدينة السادات الجديدة. فيما خلت موافقة وزير التجارة برقم 71/ز مما يشير إلى موافقة وزارة المالية. ووافق مجلس إدارة هيئة المجتمعات العمرانية فى 2 مارس 2010 على قيام الهيئة بتمويل المرحلة الأولى من المشروع لإنشاء المرافق الأساسية على أن تقوم هيئة التنمية الصناعية بتنفيذ البنية الأساسية من الكهرباء والغاز وتحويل قيمة الأرض المخصصة بمساحة 17 مليون متر بسعر 30 جنيهًا للمتر بإجمالى 510 ملايين جنيه لهيئة المجتمعات على أن يتحدد سعر باقى الأرض المخصصة للمطورين الصناعية وفق سعر تكلفة إنشاء المرافق الأساسية فى حينه. وبتاريخ 10 أغسطس 2010 وقعت الهيئة العامة للتنمية الصناعية عقد ترخيص تنمية وتطوير منطقة خدمات صناعية متكاملة للشركة الدولية للتجارة والتسويق والتوكيلات التجارية «إيتامكو» بنظام البيع. وتضمن العقد موافقة الهيئة بالمادة رقم 2 على قيام المطور بتنمية وتطوير وإنشاء المرافق اللازمة وتمويل وتسويق وبيع وإيجار وإدارة وصيانة المنطقة «خدمات صناعية» بمساحة 702 ألف متر مربع، وأن يلتزم المطور بإقامة مجمع خدمات صناعية متكامل التخطيط والتقسيم فى القطعة رقم 1 ويتضمن ذلك المرافق الداخلية من طرق ومياه وكهرباء واتصالات، كما يلتزم ببناء منشآت تكون جاهزة للبيع أو الإيجار على مساحة لا تقل عن 40 % من مساحة الأرض المخصصة لأنشطة الخدمات الصناعية. ونص العقد على أن للمطور سلطة بيع ومنح حقوق الانتفاع وتأجير الأراضى الواقعة بالمنطقة لمستثمرى أنشطة الخدمات الصناعية وخدمات مرتبطة، كما أن للمطور بيع الخدمات والمرافق لشاغلى المنطقة بعد الحصول على موافقات السلطة المختصة، على أن تكون مدة التنفيذ 3 سنوات من تاريخ توقيع العقد. وجاء فى البند رقم بند 7/6 يلتزم المطور فى حال بيع الأراضى لمستثمرى الخدمات الصناعية وفقا للعقد ألا يزيد المتوسط السنوى لسعر بيع المتر المربع فى المنقطة المخصصة لأنشطة الخدمات الصناعية كاملة المرافق خلال مدة سريان العقد على 297 جنيهًا للمتر المربع، ومع ذلك يجوز للمطور زيادة المتوسط السنوى لبيع تلك الأراضى والحد الأعلى بعلاوة سنوية مقدارها 15 % أو بقيمة التضخم السنوية طبقا للنسبة المعلنة من البنك المركزى المصرى. وفى اليوم التالى بتاريخ 11 أغسطس 2010 تم توقيع عقد البيع الابتدائى بقيمة 21 مليونًا و70 ألف جنيه تسدد 50 % منها كدفعة تعاقد خلال شهر من توقيع العقد، على أن يسدد باقى الثمن على قسطين سنويين يشملان الفوائد المعلنة من البنك المركزى والمستحقة فى 21 يوليو 2011 و21 يوليو 2012. وبتاريخ 7 أكتوبر 2010 تم تحرير محضر تسليم موقع القطعة رقم 1 موقعًا عليه من الشركة والهيئة وجهاز المدينة. بتاريخ 5 يوليو 2011 صدر قرار مجلس إدارة هيئة المجتمعات العمرانية بجلسته رقم 53 بالموافقة على أن جميع حالات التخصيص لقطع الأراضى والعقارات لجهات حكومية داخل المدن الجديدة بنظام نقل الأصول يتم منحها سنة كحد أقصى من تاريخ الموافقة على التخصيص لاستكمال إجراءات نقل الأصول وفى حالة عدم الالتزام يتم إلغاء الحجز أو التخصيص. ولوحظ ورود هذا القرار لجهاز المدينة بموجب فاكس مؤرخ فى 6 مارس 2012 أى بعد نحو تسعة أشهر من صدوره، من قبل نائب رئيس الهيئة لقطاع الشئون العقارية والتجارية. بتاريخ 10 أبريل 2012 قررت اللجنة العقارية الفرعية بجلستها رقم 19 الموافقة على العرض على اللجنة العقارية الرئيسية لتطبيق قرار مجلس إدارة الهيئة بجلسته رقم 53 وبتاريخ 5 يوليو 2011 سابق الإشارة إليه بإلغاء التخصيص لمساحة 11 مليون متر مربع (أرض المطورين الصناعيين) السابق تخصيصها بنظام نقل الأصول لوزارة التجارة والصناعة لمرور أكثر من عام على التخصيص وعدم الالتزام باستكمال إجراءات نقل الأصول أو تقديم الموافقات المطلوبة من جهات الاختصاص على نقل الأصول. بتاريخ 6 يونيو 2012 قررت اللجنة العقارية الرئيسية لجلستها رقم 55 الموافقة على توصية اللجنة العقارية الفرعية سابق الإشارة إليها، وبتاريخ 12 يوليو 2012 تمت مخاطبة الهيئة العامة للتنمية الصناعية بمضمون القرار سابق الإشارة إليه بالغاء التخصيص بموجب كتاب رئيس جهاز المدينة برقم 11516 وفى 17 يوليو تمت مخاطبة الشركة بمضمون قرار إلغاء التخصيص. فى 1 أكتوبر صدر قرار رئيس جهاز المدينة رقم 243 بالاسترداد الإدارى لمساحة 11 مليون متر الملغى تخصيصها بنظام نقل الأصول لوزارة التجارة والصناعة ومنها مساحة 635 ألف متر المسلمة لشركة «إيتامكو»، وفى 4 أكتوبر تم إبلاغ الهيئة العامة للتنمية بالقرار والتنبيه على الشركة للحضور لإنهاء إجراءات تسليم الأرض السابق تسليمها للشركة. وفى 13 نوفمبر تم تنفيذ قرار الاسترداد الإدارى لمساحة 11 مليون متر ومن ضمنها المساحة المخصصة لشركة إيتامكو، أصبحت فى حوزة جهاز المدينة مرة أخرى. لكن هيئة التنمية الصناعية وشركة «إيتامكو» سارعتا بتقديم التماس للتظلم من قرار سحب الأرض، وفى 14 نوفمبر 2012 قررت اللجنة العقارية الفرعية بجلستها رقم 57 عرض الالتماس المقدم من الهيئة والشركة على لجنة بحث التظلمات مع التوصية برفض الالتماس وتأييد قرار اللجنة العقارية الرئيسية رقم 53 بإلغاء التخصيص. وفى 20 ديسمبر تمت مخاطبة لجنة التظلمات الرئيسية بالموضوع لكنها لم ترد طبقا لكتاب رئيس جهاز المدينة إلى نائب رئيس الهيئة لقطاع الشئون التجارية والعقارية برقم 19055 بتاريخ 22 ديسمبر لإعادة العرض على لجنة بحث التظلمات والإفادة. وفى 18 ديسمبر ورد كتاب رقم 21715 إلى رئيس جهاز المدينة من نائب رئيس الهيئة مرفق به صورة الكتاب رقم 3132 المتضمن رفض الشيك رقم 20120034881293 بمبلغ 19 مليونًا و613 ألف جنيه قيمة الأرض المخصصة لشركة إيتامكو ضمن 3 شيكات مرفقة لخطاب الهيئة فى 24 نوفمبر 2013 بمبلغ 50 مليون جنيه كجزء من المديونية المستحقة عليها، باعتبار أن الشركة تقدمت بتظلم من قرار إلغاء التخصيص. بتاريخ 22 ديسمبر وجه رئيس جهاز المدينة خطابا رقم 19055 إلى نائب رئيس الهيئة لإعادة العرض على لجنة التظلمات والإفادة حتى يتسنى استكمال باقى الإجراءات، فيما تقدمت الشركة بعدها بأسبوع فى 29 ديسمبر 2013 بطلب إلى جهاز المدينة للموافقة على إعطائها خطابا موجها إلى هيئة التنمية الصناعية لتمكينها من تسلم أصول المستندات والرسومات الخاصة بالقطعة رقم 1 حتى يتسنى إنهاء إجراءات الترخيص للقطعة، وقد تم التأشير على الطلب بالقبول للدراسة واتخاذ اللازم. بعدها وجهت هيئة المجتمعات العمرانية خطابًا إلى رئيس جهاز المدينة فى 8 فبراير 2014 تطلب الموافقة على إعادة التعامل على قطعة الأرض المخصصة لشركة «إيتامكو»، وقرر مجلس إدارة الهيئة فى 19 يناير مخاطبة هيئة التنمية الصناعية فى هذا الشأن. وفى 14 فبراير 2015 ورد الخطاب رقم 2825 من هيئة المجتمعات العمرانية إلى رئيس جهاز المدينة لإخطاره بقرار مجلس الإدارة فى 26 يناير 2015 بالموافقة على إعادة التعامل على مساحة ال653 ألف متر السابق تخصيصها لشركة «إيتامكو» بمدينة السادات وبذات السعر المعتمد من مجلس إدارة الهيئة فى 2 مارس 2010 وذلك لورود صورة طبق الأصل من موافقة وزارة التنمية الاقتصادية ووزارة المالية - حسب نص التقرير- فى 8 يناير شريطة تحمل هيئة التنمية الصناعية قيمة أعباء التمويل من تاريخ التخصيص وحتى تاريخ السداد دون أى التزام على هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة بتوصيل المرافق سوى مياه الشرب والصرف الصحى والتليفونات والطرق فقط. وفى 19 فبراير الماضى سارع رئيس جهاز مدينة السادات إلى إخطار الشركة بالموافقة. ورصد الجهاز المركزى للمحاسبات فى تقريره عدة مخالفات، حيث تبين أن قرار مجلس إدارة هيئة المجتمعات فى 26 يناير 2015 بإعادة التعامل على القطعة المخصصة للشركة بذات السعر المخصص به قبل خمس سنوات، وهو 30 جنيهًا، استنادا لورود صورة طبق الأصل من موافقة الوزارتين يتناقض مع قرار مجلس إدارة الهيئة ذاتها فى جلسة 5 يوليو 2011 بمنح حالات التخصيص لقطع الأراضى والعقارات لجهات حكومية داخل المدن الجديدة بنظام نقل الأصول سنة كحد أقصى من تاريخ الموافقة على التخصيص لاستكمال إجراءات نقل الأصول. وفى حالة عدم الالتزام يتم إلغاء الحجز أو التخصيص وهو ذات القرار الذى استندت إليه كل من اللجنة العقارية الفرعية لجلستها رقم 19 بتاريخ 10 أبريل 2012 وكذا اللجنة العقارية الرئيسية بالهيئة لإلغاء تخصيص المساحة المخصصة لوزارة التجارة والصناعة لمساحة 11 مليون متر مربع ومنها المساحة المخصصة للشركة نتيجة عدم استكمال إجراءات نقل الأصول. وتضمن قرار الهيئة بإعادة التعامل على الأرض بذات السعر دون تحديث طبقا للأسعار الجارية المعمول بها حاليا على الرغم من تضمن قرار مجلس إدارة الهيئة بإعادة التعامل التزام الهيئة بتوصيل المرافق، الأمر الذى كان يتعين معه رغم اعتراض الجهاز على قرار اعادة التعامل أصلا، إعادة التعامل وفقا للأسعار المعمول بها حاليا للأراضى المرفقة وهو 325 جنيهًا للمتر، وهى الأسعار السارية حتى 19 نوفمبر 2014 ويراعى تحديثها بواقع 1 % شهريا بحد أقصى 10 % سنويا لحين تحديد الأسعار النهائية بمعرفة اللجنة المشكلة من هيئتى المجتمعات والتنمية الصناعية تنفيذا للمادة السادسة من البروتوكول الجديد الموقع بين الهيئتين بتاريخ 8 أكتوبر 2014. وأشار الجهاز إلى أنه أعيد التعامل على القطعة السابق تخصيصها للشركة الوطنية للأسمدة والصناعات الكيماوية بالمنطقة الصناعية وتم إلغاء تخصيصها بتاريخ 18 يوليو 2012 لعدم الجدية حيث لوحظ إعادة التعامل عليها بسعر 360 جنيهًا للمتر لحين تحديد السعر النهائى من السلطة المختصة وتم أخذ إقرار على الشركة بقبولها السعر الذى سيتم تحديده. وأكد الجهاز المركزى للمحاسبات أنه فى ضوء ما سبق من إعادة التعامل على الأرض المخصصة لشركة «إيتامكو» بذات السعر فى 2010 وقعت عملية إهدار للمال العام بواقع 215 مليون و744 ألف جنيه، الأمر الذى يتعين معه التحقيق وتحديد المسئولية بشأن الضرر الواقع على المال العام فى هذه الصفقة المريبة. وقال الجهاز فى التقرير إن إعادة التعامل على القطعة بذات أسعار التخصيص السابقة وهى من ضمن المساحة الإجمالية المخصصة لوزارة التجارة والصناعة بنظام نقل الأصول بسعر 30 جنيهًا للمتر الأمر الذى ينعكس أثره على إعادة التعامل على المساحة الإجمالية البالغة 11 مليون متر بذات الأسعار الأمر الذى يترتب عليه إهدار للمال العام بنحو ثلاثة مليارات و630 مليون جنيه. وطالب الجهاز بتحديد المسئولية وتحقيق الأمر، وبعدما لاحظ أنه بالرغم من تحصيل هيئة التنمية الصناعية لدفعة التعاقد من شركة ايتامكو البالغة 19 مليونًا و613 ألف جنيه إلا أنها لم تسدد قيمة الأرض لهيئة المجتمعات العمرانية حتى تاريخه. ورصد الجهاز أن بنود عقد الترخيص الموقع بين الشركة والهيئة منحت الشركة الحق فى تسويق وبيع وإيجار وتشغيل وإدارة وصيانة المنطقة «خدمات صناعية» وبناء منشآت تكون جاهزة للبيع أو الإيجار على مساحة لا تقل عن 40 % من مساحة الأرض وكذا سلطة بيع ومنح حقوق انتفاع وتأجير الأراضى الواقعة بالمنطقة لمستثمرى أنشطة الخدمات الصناعية وبيع الخدمات والمرافق لشاغلى المنطقة بعد الحصول على الموافقات الأمر الذى يجعل تخصيص الأرض وكأنه تخصيص أراض استثمارية تم تخصيصها بسعر 30 جنيهًا فقط والتزام الهيئة بالمرافق ما ينعكس على إهدار المال العام بتخصيص الأراضى بأسعار أقل كثيرا من المستحق.