عندما وقفت أمام دار القضاء العالى بأعمدته الضخمة أحسست أننى أمام مسرح مفتوح وأنا صاحبه وأن كل الناس الذين يدخلون إليه ويخرجون منه يعملون لدى ولا أدرى ما هو السر وراء هذا الإحساس، فقد كان داخلى عشق للمسرح يكبر مع الأيام وللفن بوجه عام لدرجة أننى أدمنت قراءة كل المجلات والجرائد. وبدأت ارتبط بعظماء الفكر والقلم طه حسين والعقاد ومحفوظ وعزيز أباظة والسباعى والمنفلوطى وأحمد الصاوى محمد وأحمد شوقى والتابعى، وبالطبع اهتمامى المجنون بالمسرح والسينما دفعت ثمنه فى الدراسة رسبت للمرة الأولى فى مادة اللغة الإنجليزية فى الثانوية العامة وكان على أن أمتحن الملحق، وقرر والدى أن أذهب إلى عمى، حيث يقيم فى بورسعيد وهو مدير مدرسة ومدرس للغة الإنجليزية ومتزوج من سيدة إنجليزية. وبالفعل ركبت القطار واتجهت إلى بورسعيد، ولكن بمجرد دخولى بيت عمى أحسست بغربة، وأننى أعيش داخل سجن، فكل شيء بالميعاد حتى الأكل لم يكن بالميعاد فقط, لكن أيضا فرضوا على أكلات لم أعرفها ولم أحبها طوال الشهر الذى قضيته عند عمى وزوجته الإنجليزية والتى على طريقة الإنجليز تقدس شاى العصارى ثم تتجه بعد ذلك إلى النادى حتى يحين موعد النوم ولأن ابن عمى لم يكن فى المنزل فى هذا الوقت، فقد وجدت نفسى وحيدا لساعات طويلة جدا، وهنا بدأت أخرج لأتعرف على معالم بورسعيد وأحببت حى العرب، فكنت أتردد على السينما هناك وأشترى ما توفر من مجلات وجرائد. وفى يوم عدت إلى المنزل وأنا أتناول ساندويتش الفول، وما أن فتحت زوجة عمى الباب وشاهدت الساندويتش فى يدى، حتى صرخت بأعلى صوت وهى «ترطن» بالإنجليزية.. لو عاوز تموت.. ارجع موت فى بيت أبوك.. لكن هنا وأنت عندى «ممنوع تاكل الزبالة دى».. وخطفت ساندويتش الفول من يدى وألقت به فى صفيحة الزبالة، فقد كانت تعتبر أى أكل خارج المنزل هو أكل مسمم وحذرتنى من العودة للأكل خارج البيت وبالفعل حاولت الالتزام بتعليمات زوجة عمى على قدر المستطاع. وبعد أن انتهيت من مراجعة الإنجليزى مع عمى فى خلال شهر ودعت عمى وزوجته وبورسعيد وبمجرد أن ركبت القطار المتجه إلى القاهرة وبدون وعى خرج منى صوت مكتوم.. هو فى الحقيقة كان صرخة، فوجدتنى أقول يسقط الاستعمار.. .فقد كان داخلى كبت وغضب مكتوم.. والعجيب أن ركاب القطار رددوا خلفى الهتاف وبعضهم صفق طويلا ظنًا منهم أننى أقصد الاحتلال الإنجليزى، ولكننى أقصد بالفعل إنجليز آخرين وهم زوجة عمى التى اعتقلتنى لمدة شهر بأكمله. ولله الحمد تقدمت لامتحان الملحق ونجحت وبات على أن اختار طريقى فى الحياة ولم أكن أرغب فى دراسة أى شيء سوى الفن، ولكن الأسرة قررت أن أدرس المحاماة وأن التحق بكلية الحقوق حتى يظل مكتب المحاماة التابع لعمى مفتوحا على الدوام، ووافقت على رغبة الأسرة والتحقت بكلية الحقوق جامعة القاهرة وكنا فى عام 1949 وهو العام الذى لن أنساه أبدا، ففى أحد الأيام والريحانى يعرض مسرحية «الدنيا على كف عفريت»، بمسرح محمد على بالإسكندرية أصيب بإعياء شديد ونقلوه إلى المستشفى واكتشفوا أنه مصاب «بالتيفود» وهو أسوأ أمراض هذا العصر ولم يكن العلاج متوفرا فى مصر. ويقال إنهم أرسلوا فى طلب عقار البنسلين خصيصا للريحانى من الخارج وبعض الناس يؤكدون أن القصر الملكى هو من أرسل على وجه السرعة فى طلب العقار لكى يحاصروا المرض وينقذوا الريحانى قبل فوات الأوان، وبالفعل جاءوا بالبنسلين, ولكن قيل أيضا أن الريحانى تناول جرعة زائدة عن الحد أدت لوفاته وأسدل الستار عن دور الريحانى فى الحياة يوم 8 يونيو عام 1949 واستعدت مصر كلها لكى تودع الريحانى فى موكب مهيب، فكانت الجنازة ضخمة جدا ومن أمام دار الأوبرا المصرية القديمة مر الموكب الجماهيرى الحزين. وكان الملك كما قال وأكد البعض يشهد هذا الحدث من شرفة فندق شبرد والكونتينيتال المواجه لدار للأوبرا الملكية وعندما مر أمامه نعش الريحانى رفع الملك يده بالتحية بينما دمعت عيناه، فقد كانت الخسارة عظيمة.. ولكن ما هى إلا أيام قليلة حتى خرجت علينا الصحف والمجلات تسوق للعرش الذى أصبح خاليا بعد رحيل الريحانى وبعض الكتاب رشحوا خليفة للريحانى كل واحد حسب ذوقه واقتناعه, ولكن غاب عنهم أن الفن لا يورث وخفة الظل والدم أمر لا يمكن اكتسابه بالتجربة، ولكن الإنسان يولد من بطن أمه ومعه هذه الأشياء التى لا تشترى، وبالطبع انطفأت الأنوار فى مسرح الريحانى حتى جاء أكتوبر فأعلن بديع خيرى أنه سيقوم بفتح المسرح، فإذا كان بطل المسرح قد مات فإن الفن لن يموت واستطاع بديع أن يسوى الخلافات المادية مع شقيق الريحانى الأستاذ يوسف الريحانى وبدأت الاستعدادات لعرض مسرحية «أحب حماتى» وهى آخر ما كان الريحانى كتبه مع رفيق مشوار نجاحه الأستاذ بديع خيرى وكانت المفاجأة الكبرى أن بطل العرض هو شاب جامعى اسمه عادل خيرى ابن الأستاذ بديع خيرى، وعلى نفس المنوال وبعد أيام ظهرت إعلانات الفرقة وبنفس الشكل وبنفس الصيغة. فرقة نجيب الريحانى كانت فى هذا الوقت تقدم المسرحية الجديدة «باحب حماتى» تأليف الأستاذين نجيب الريحانى وبديع خيرى على مسرح «ريتس». وحرصت على حضور هذا العرض وبالفعل كنت أول زبون أمام شباك التذاكر وحجزت فى الصف الأول وسلطوا الأضواء على الستار وأحسست أن ضربات قلبى ترتفع وأنفاسى تتلاحق وكأننى فى اختبار.. وكنت فى الحقيقة غير متصور أننى سأحضر حفلا فى مسرح الريتس ولفرقة نجيب الريحانى وهو ليس موجودا على خشبة المسرح، كما تعودت. وانفتحت الستار وظهر بديع خيرى والحزن بادٍ عليه تماما ونظر إلى الجمهور وقال: «مات نجيب الريحانى ولكن فن نجيب ومسرح نجيب لن يموت». وظل الجمهور يصفق لعدة دقائق متواصلة.. وبعد قليل بدأ العرض وكان كل أعضاء الفرقة موجودين باستثناء الأستاذ بشارة واكيم. وظهرت السيدات ميمى وزوزو شكيب ومارى منيب ونجوى سالم والأساتذة حسن فايق والقصرى واستيفان روستى وسراج منير، وقام أيضا «سراج منير» بدور مخرج الرواية ثم ظهر عادل خيرى وحاول أن يبذل مجهودا خرافيا ليسد به الفراغ العظيم الذى أحدثه غياب الريحانى، وقد كان يمثل للمرة الأولى فى حياته أمام جمهور وإن كان صاحب تجربة على مسرح الجامعة وفى بعض فرق الهواة، كان عضوا فى فريق التمثيل التابع لجمعية الشبان المسيحيين ومع كل هذا المجهود الكبير لم تنجح المسرحية النجاح المتوقع وقد بذل الجميع كل جهد ممكن لمساعدة الشاب الجديد فى مهمته المستحيلة. لكن الفراغ الذى تركه الريحانى كان ضخماً جدا فهو عملاق الكوميديا وملكها المتوج الذى عاش فى وجدان وقلوب الناس والجمهور عشرات السنين يقدم لهم عروضا مسرحية أصبحت هى حديث المجتمع والصحف والمجلات والعائلات والأندية والتجمعات الشعبية وبالطبع كانت مهمة عادل خيرى مكتوباً لها الفشل. ولكن ولأن بديع خيرى كان من عشاق المسرح ومن كتابه ومموليه فقد قاتل قتالا عنيفا وعنيدا، فهو لا يقبل بالهزيمة مطلقا، وقرر أن يبعد ابنه عن دور البطولة مؤقتا خوفا على مستقبله الفنى، فقد كان عادل خيرى يعمل بالمحاماة وهو خريج كلية الحقوق جامعة القاهرة وأحد أعضاء فريق التمثيل بها!! وبذكاء شديد بدأ بديع ينفذ خطته لإنقاذ مسرحه ومسرح الريحانى من الغرق. فقام بتحضير كل الروايات القديمة والتى نسيها الجمهور مثل روايات «الشايب لما يدلع» و«عباسية» و«مين يعاند ست» وتعاقد مع الفنان الكبير «عباس فارس» لكى يقوم بدور البطولة فى هذه الروايات.. وبدأت الفرقة البروفات مع البطل الجديد وبدأت العروض للجمهور وتحركت الأمور نحو الأفضل، وبدأت الفرقة تعود للإيرادات الضخمة، وعادت فرقة الريحانى لتصدر الفرق المسرحية مرة أخرى. وشاهدت كل العروض التى قدمها الأستاذ عباس فارس ولمست بنفسى التطورات التى حدثت والنجاح الذى تحقق، وفى الوقت نفسه لم أ غفل ما يقدم فى سوق العرض المسرحى فى بقية المسارح والفرق، فقد استولى عليّ حب المسرح وكنت أوفر مصروفى بأكمله لكى أستمتع بمشاهدة المسرح، ومن أشهر الفرق التى كانت موجودة فى تلك الفترة «الفرقة القومية» وهى تابعة للحكومة وبعض أعضائها كانوا من خريجى معهد التمثيل، وأشرف عليها الأستاذ زكى طليمات وضمت الأساتذة سميحة أيوب ونعيمة وصفى وسناء جميل وعبدالمنعم إبراهيم ونبيل الجزيرى وأحمد الجزيرى وانشراح الألفى وحمدى غيث. وكان أول عرض تقدمه الفرقة هى مسرحية «ابن جلا» وأخرجها وقام ببطولتها الأستاذ زكى طليمات نفسه، ثم توالت أعمالها منها ما هو ينتمى إلى المسرح العالمى، ومنها ما هو من تأليف كتاب مصريين، وشاهدت لهذه الفرقة الجديدة عددا من الأعمال منها «مدرسة الإشاعات»، و«شروع فى جواز» و«مسمار جحا»، وهى المسرحية التى ارتفعت بأسهم عبدالمنعم إبراهيم، فقد قدم فيها دورا من أعظم أدواره المسرحية. ونتيجة الالتحاق بالجامعة أصبحت طالبا بكلية الحقوق جامعة القاهرة، وعندما حان موعد الدراسة الجامعية كنت من أوائل الطلاب الحاضرين مبكرا جدا لكى أتعرف على المكان، ولكن الشيء العجيب أن المسرح الذى عشقته وتمنيت أن أدرسه فى المعهد العالى للتمثيل أو فى كلية الآداب وجدته أمامى فها هو إعلان ضخم جدا عن موعد عرض مسرحية «عطيل» لشكسبير يقوم ببطولتها الطالب فوزى درويش، وعندما تجولت داخل الجامعة وجدت لوحة الإعلانات فى كلية الآداب تشير إلى أن فريق التمثيل بها سوف يقدم مسرحية «هاملت» واكتشفت أن كلية التجارة فيها فريق تمثيل له وضع مختلف، فقد انقسم قسمين قسم يترجم روايات عالمية، ويقدمها فى الجامعة.. وقسم آخر يقدم فقط مسرحيات نجيب الريحانى. وفوق ذلك وجدت أن الفريق الذى يمثل الجامعة كلها و«هو منتخب الجامعة» سيقدم عملا ضخما «فى سبيل التاج» وأنهم استعانوا بالسيدة فاتن حمامة لكى تلعب دور البطولة، وبالطبع انبهرت بهذا النشاط الفنى المحموم داخل كل جامعة، وكان معى فى دفعة كلية الحقوق السيدة فايدة كامل والسيدة آمال بكير الصحفية الشهيرة بعد ذلك، والسيدة برلنتى العشرى التى تزوجت من المنتج الفنان حسن رمزى. وكانت كلية الآداب، فى مواجهة كلية الحقوق وكان البوفيه أو الكافيتريا التى تتبعها قد نالت شهرة طيبة، وفيها تعرف على الأستاذ مأمون أبوشوشة وهو صاحب شخصية جذابة جدا وعلى ثقافة عالية. وعلى الرغم من أنه طالب بكلية العلوم، فلا أحد على وجه التحديد يدرى كم أمضى أبوشوشة من سنوات فى كلية العلوم، وحدثنى الرجل عن النشاط الثقافى والفنى فى الكلية، وعلمت أن هناك منافسة بين الحقوق والآداب فى مجال الفنون وأن فريق كلية الآداب يستعد لتقديم إحدى روائع شكسبير أيضا وهى «هاملت». ولم تكن المنافسة محصورة فقط فى مجال الفن، ولكنها اتسعت لتشمل الأدب والصحافة والرياضة أيضا، وكل كلية تسعى فى النهاية لتنال بطولة الجامعة والجامعات كانت هناك منافسة بينها للحصول على شرف الكأس على مستوى الجمهورية، واكتشفت أن فريق كلية التجارة متفوق مسرحيا لعدة أسباب أهمها وجود ممثل له إمكانيات جبارة، وكان أحد أعضاء فريق التمثيل عندما كان طالبا فى الجامعة، وأن فريق التمثيل وأساتذة الجامعة تمسكوا ببقاء هذا الطالب حتى بعد أن انتهى من دراسته الجامعية وأصبح موظفا فى المدينة الجامعية. تعرفت عليه وكان اسمه فؤاد المهندس وتبين لى أنه أحد النجوم البارزين على مستوى الكلية، ولكن على مستوى الجامعات، فهو يعشق تماما الفن المسرحى، وكان يفضل تقديم مسرحيات نجيب الريحانى فى الجامعة مع مجموعة من أعضاء فريق التمثيل بالكلية احترفوا جميعا التمثيل بعد ذلك، من أبرزهم الفنان فؤاد راتب الشهير بالخواجة «بيجو»، وكان فريق التمثيل الثانى بالكلية نفسها يفضل أعضاؤه تقديم مسرحيات عالمية مترجمة ويتزعم هذا الاتجاه حسين عبدالنبى وأحمد حلمى، أما الأول فقد أصبح موظفا فى شركة مصر للتأمين، ورغم ذلك اتجه للعمل فى التمثيل وأخذ فرصا كثيرة جدا ومنها بطولة مسلسل «اسألوا الأستاذ شحاتة». ومع الأسف رغم كل الفرص التى سنحت له لم يحقق نجاحا ملحوظا.. أما الثانى هو أحمد حلمى فقد أصبح موظفا فى الرقابة على المصنفات الفنية، وظل يترجم ويقتبس المسرحيات ويقوم بإخراجها أيضا. وعندما توطدت صلتى بالمهندس حكى لى أنه عندما بلغ السنة النهائية فى الكلية ذهب إلى نجيب الريحانى ورجاه بحرارة أن يقبل مهمة إخراج المسرحية التى سيتقدم بها فريق الكلية للمنافسة على درع الجامعة، وقبل الريحانى بشرط أن يقوم بإخراج فصل واحد فقط من المسرحية. وكانت الرواية التى اختارها المهندس هى «حكاية كل يوم» وأثناء البروفات كان الريحانى يركز بصره على فؤاد المهندس، وقد أبدى أمام زملائه فى الفريق إعجابه به وقال له: سيكون لك شأن فى المسرح فى يوم من الأيام. وانتهت البروفات وجاء اليوم الذى سيعرض فيه فؤاد المهندس مسرحية فريق كلية التجارة على مسرح دار الأوبرا الملكية وهى اللحظة التى حلم بها المهندس طوال سنوات دراسته وعمره. وصباح يوم العرض تحطمت كل آمال فؤاد المهندس، فقد توفيت والدته وهو يستعد للعرض فى اليوم نفسه، فلم يتمكن من الذهاب إلى الأوبرا وأمضى الليل يتقبل العزاء فى والدته ويتحسر على فراقها، فقد كانت من أحب الناس إلى قلبه. وعندما علم نجيب الريحانى بالأمر حزن بشدة هو الآخر، فقد أراد أن يرى ثمرة جهده مع فريق التمثيل بكلية التجارة، وبالطالب النابه الذى توقع له مستقبلا فى المسرح، وكان موعد العرض «ماتينيه» أى فى حوالى الخامسة بعد الظهر، وكان على الريحانى أن يحضر الحفل لولا أنه علم بغياب المهندس، وظن أن العرض سيتم إلغاؤه. وكان الريحانى فى هذا اليوم يقدم عرضا مسرحيا «سواريه»، أى فى وقت السهرة ليلا، وكان «ملقن» فرقة الريحانى اسمه «محمود لطفى» وهو الذى يجلس داخل «الكمبوشة» ليلقن الممثلين الكلام وكان يقوم بنفس الدور مع فريق كلية التجارة، وعندما شاهده الريحانى فى الكواليس قال له: يا محمود العرض بتاع الولاد بتوع كلية التجارة اتلغى. فقال محمود: لا يا أستاذ عرضوا فى موعدهم.. فقال الريحاني: إزاى أمال مين عمل دور المهندس؟ فأجابه محمود لطفى قائلا بكل فخر: أنا اللى عملت الدور، وهنا ثار الريحانى ثورة عارمة، وقال لمحمود لطفي: كيف تجرؤ على القيام بدور البطولة الذى هو فى حقيقة الأمر دور الريحانى نفسه. وكان الريحانى يستعين بمحمود لطفى فى حال غياب أحد الممثلين لأسباب قهرية لأنه الملقن الذى يحفظ كل الأدوار عن ظهر قلب، لكنه لم يتصور أن يقوم الملقن بلعب دور سبق للريحانى أن قام به، ومن هنا غضب الريحانى عليه بشدة، وفى هذا العام فاز فريق كلية التجارة الذى يتزعمه أحمد حلمى وهو غير الفريق الذى يتزعمه فؤاد المهندس، وكان أحمد حلمى مؤمنا أن النجاح يتمثل فى اختيار عمل من الأعمال العالمية وتمصيره، وبالفعل فازت مسرحية «كرايتون» بكأس الجامعة لهذا العام، وكان أحمد حلمى هو الذى «مصّر» النص، وهى المسرحية نفسها التى قدمها بعد ذلك بربع قرن الفنان سيد بدير باسم «سنة مع الشغل اللذيذ»، وهى أول رواية يستمر عرضها لفترة طويلة جدا على خشبة المسرح. وحرص الريحانى على زيارة فؤاد المهندس بعد ذلك ليقدم له واجب العزاء ويومها وعده أن يقوم بإخراج عمل مسرحى جديد له وأنه سوف يخرج له العمل كاملا وليس فصلا واحدا كما جرى فى المرة السابقة، وبالفعل اختار الريحانى العمل وهو «يا ما كان فى نفسى» ولكن القدر لم يمهل الريحانى الوقت للوفاء بوعده.. ولذلك عندما مات الريحانى ظل المهندس يردد: «يا ما كان نفسى تخرج لى قبل ما تموت»! صحيح ليس كل ما يتمناه الإنسان يدركه!