وزير الهجرة تعلن مفاجأة سارة للمصريين بالخارج    محافظ الغربية يتابع استعدادات المركز التكنولوجي لاستقبال طلبات التصالح في مخالفات البناء    حماس: مصممون على اتفاق ينهي العدوان ووفد الحركة قد سلم الوسطاء ردنا    جوميز يمنح لاعبي الزمالك راحة غدا بعد الخسارة من سموحة    ضبط 550 بطاقة ذكية لصرف السلع المدعمة بمخزن في مطروح    «ابعتها لحبايبك».. أفضل رسائل التهنئة ب عيد شم النسيم 2024    فيديو.. محمد عبده يبكي خلال حديثه عن إصابته بالسرطان: هذا من محبة الله    الصحة: 2500 سيارة إسعاف منتشرة بالمتنزهات والطرق في شم النسيم    الوزير الفضلي يتفقّد مشاريع منظومة "البيئة" في الشرقية ويلتقي عددًا من المواطنين بالمنطقة    .تنسيق الأدوار القذرة .. قوات عباس تقتل المقاوم المطارد أحمد أبو الفول والصهاينة يقتحمون طولكرم وييغتالون 4 مقاومين    «جالانت» يحث «نتنياهو» بقبول صفقة التبادل ويصفها ب«الجيدة» (تفاصيل)    10 مايو.. انطلاق ملتقى الإسكندرية الأول للسرد العربي بمركز الإبداع    من شريهان إلى محمد عبده.. رحلة 8 فنانين حاربوا السرطان (تقرير)    نجل الطبلاوي: والدي كان مدرسة فريدة في تلاوة القرآن الكريم    وزير السياحة يستعرض مبادرات دعم القطاع    "الصحة" تشارك بالتأمين الطبى لعيد القيامة المجيد بكنائس الطور وشرم الشيخ    ظهر على سطح المياه.. انتشال جثمان غريق قرية جاردن بسيدي كرير بعد يومين من البحث    هل يجوز تعدد النية فى الصلاة؟ دار الإفتاء تجيب    والده مات بسببها منذ 10 سنوات.. خلافات على أرض زراعية تنهي حياة شاب في المنوفية    الإسكان: إصدار 4 آلاف قرار وزاري لتخصيص قطع أراضي في المدن الجديدة    روسيا تسيطر على قرية جديدة في شرق أوكرانيا    السلطات الإسرائيلية تداهم مقرا لقناة الجزيرة فى القدس المحتلة بعد قرار وقف عملها    الاتحاد الأوروبي يعتزم فرض عقوبات على موقع صوت أوروبا لبثه دعاية مؤيدة لروسيا    "العطاء بلا مقابل".. أمينة الفتوى تحدد صفات الحب الصادق بين الزوجين    أمينة الفتوى: لا مانع شرعيا فى الاعتراف بالحب بين الولد والبنت    الهلال يطلب التتويج بالدوري السعودي في ملعب المملكة أرينا    لجميع المواد.. أسئلة امتحانات الثانوية العامة 2024    طريقة عمل الميني بيتزا في المنزل بعجينة هشة وطرية    نقل مصابين اثنين من ضحايا حريق سوهاج إلى المستشفى الجامعي ببني سويف    تامر حبيب يعلن عن تعاون جديد مع منة شلبي    التحية لأهالى سيناء    «العمل»: جولات تفقدية لمواقع العمل ولجنة للحماية المدنية لتطبيق اشتراطات السلامة والصحة بالإسماعيلية    انطلاق مباراة ليفربول وتوتنهام.. محمد صلاح يقود الريدز    «أنا أهم من طه حسين».. يوسف زيدان يوضح تفاصيل حديثه عن عميد الأدب العربي    "صحة المنوفية" تتابع انتظام العمل وانتشار الفرق الطبية لتأمين الكنائس    فى لفتة إنسانية.. الداخلية تستجيب لالتماس سيدة مسنة باستخراج بطاقة الرقم القومى الخاصة بها وتسليمها لها بمنزلها    وزير الرياضة يتفقد مبنى مجلس مدينة شرم الشيخ الجديد    تقرير: ميناء أكتوبر يسهل حركة الواردات والصادرات بين الموانئ البرية والبحرية في مصر    التخطيط: 6.5 مليار جنيه استثمارات عامة بمحافظة الإسماعيلية خلال العام المالي الجاري    رئيس مدينة مرسى مطروح يعلن جاهزية المركز التكنولوجي لخدمة المواطنين لاستقبال طلبات التصالح    وزارة العمل تنظم ندوة لنشر تقافة الصحة المهنية بين العاملين ب"إسكان المنيا الجديدة"    الحكومة الإسرائيلية تقرر وقف عمل شبكة قنوات الجزيرة    5 مستشفيات حكومية للشراكة مع القطاع الخاص.. لماذا الجدل؟    طوارئ بمستشفيات بنها الجامعية في عيد القيامة وشم النسيم    موعد استطلاع هلال ذي القعدة و إجازة عيد الأضحى 2024    لاعب فاركو يجري جراحة الرباط الصليبي    الصحة الفلسطينية: الاحتلال ارتكب 3 مج.ازر في غزة راح ضحيتها 29 شهيدا    الإفتاء: كثرة الحلف في البيع والشراء منهي عنها شرعًا    كنائس الإسكندرية تستقبل المهنئين بعيد القيامة المجيد    «شباب المصريين بالخارج» مهنئًا الأقباط: سنظل نسيجًا واحدًا صامدًا في وجه أعداء الوطن    "خطة النواب": مصر استعادت ثقة مؤسسات التقييم الأجنبية بعد التحركات الأخيرة لدعم الاقتصاد    استشهاد ثلاثة مدنيين وإصابة آخرين في غارة إسرائيلية على بلدة ميس الجبل جنوب لبنان    ميسي وسواريز يكتبان التاريخ مع إنتر ميامي بفوز كاسح    مختار مختار يطالب بإراحة نجوم الأهلي قبل مواجهة الترجي    اليوم.. انطلاق مؤتمر الواعظات بأكاديمية الأوقاف    مختار مختار: عودة متولي تمثل إضافة قوية للأهلي    محافظ القليوبية يشهد قداس عيد القيامة المجيد بكنيسة السيدة العذراء ببنها    شم النسيم 2024 يوم الإثنين.. الإفتاء توضح هل الصيام فيه حرام؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الملك فاروق حرم الريحانى من البكوية بسبب النحاس


الصدمة.. سر النجاح!!
لم تكن أم كلثوم وحدها هى سبب المتعة التى حدثت لى وأنا فى هذا العمر ولكن إلى جانبها احتل الريحانى مساحة كبيرة داخلى وقد سحبنى والدى إلى مسرح «ريتس» فى عماد الدين فكان هو دليلى أيضاً إلى مسرح الريحانى وكان المسرح أنيقاً للغاية وكذلك رواده، فالرجال يرتدون ملابس السهرة ورابطة العنق والسيدات فى قمة البهاء والشياكة، فكنت قبل الدخول إلى صالة المسرح تلتقى مع أحدث صيحة فى عالم الملابس ولم يكن الإعلان عن المسرحية يناسب حجم الريحانى وفرقته، فقد كان الإعلان يحتل مساحة صغيرة فى الجرائد اليومية وبالتحديد صفحة المجتمع يفيد بأن فرقة نجيب الريحانى تقدم مسرحية «لعبة كل يوم» من تأليف الأستاذين نجيب الريحانى وأبوالسعود الإبيارى!! والشىء العجيب أن الإعلان لا يشير إلى أى ممثل فى فرقة الريحانى مع أنها تضم فطاحل هذا العصر.. بشارة واكيم ومحمد كمال المصرى «شرفنطح» واستيفان روستى ومحمد الديب ومن السيدات كانت هناك مارى منيب والأختان زوزو وميمى شكيب وزينات صدقى ونجوى سالم وفيكتوريا حبيقة..
ولم يكن الموسم المسرحى للريحانى يستمر لأكثر من أربعة أشهر فى العاصمة يقوم بعدها فى فصل الصيف بالعرض لمدة أسبوع واحد فقط على مسرح «محمد على» فى الإسكندرية والذى تحول بعد ذلك إلى «سيد درويش»، بعد هذا الأسبوع يقوم الريحانى بمنح إجازة للفرقة ويتوجه ليقضى بعض أشهر الصيف فى أوروبا.. وفى البداية كان نجيب الريحانى يقوم بشراء الروايات الفرنسية الشهيرة ويقوم بترجمتها وتمصيرها وساعده فى هذا الأمر الأستاذ أمين صدقى، وكان هذا الرجل من كبار المسرحيين ومعه عمل الريحانى لفترة من الزمن حتى التقى بتوأم نجاحه الأستاذ بديع خيرى، وتبقى الرواية الوحيدة التى بذل فيها الريحانى مجهوداً كبيراً وضخمًا هى رواية «لعبة كل يوم» والتى كانت صورة كاريكاتورية لحياته مع زوجته الست بديعة مصابنى، وهو الأمر الذى علمته بعد ذلك بسنوات طويلة من الرجل الذى صادقته وهو الأستاذ بديع خيرى.. وكان الريحانى وبديع يعتمدان على سوء التفاهم والحبكة المسرحية وسخونة الموقف.. أما النص المسرحى فعندما ينتهى من كتابته مع صديقه بديع فإنه غير مسموح لأى إنسان أن يتدخل فيه بالإضافة أو الحذف، وأى ممثل مهما ارتفع شأنه غير مسموح له أيضاً بالخروج عن النص، لهذا فإنك عندما تشاهد مسرحية للريحانى وتعود لمشاهدتها هى بنفسها بعد شهر أو سنة فإنك تشعر أنك أمام فيلم سينمائى وليس عملاً مسرحيًا حيًا يحتمل الإضافة أو التعديل، وذات مرة حدث أن الفنان الجميل محمد الديب كما روى لى بعد ذلك بسنوات أنه وأثناء العرض خطر بباله «إفيه».. فألقاه وبلغة أهل المسرح «أخد» فى الصالة.. أى أن الجمهور استجاب للإفيه وانتزع الضحكات من الناس.. وكان الريحانى يقف أمام محمد الديب على خشبة المسرح.. انتظر حتى هدأت حدة الضحك ثم نظر طويلاً إلى محمد الديب الذى شعر أنه أخطأ وأن الخطأ لن يمر بهذه السهولة واقترب الريحانى بصوت خفيف وقال للديب: أقولك إيه بقى دلوقتى.. ثم عاد وأكمل الحوار كما هو متبع وفى الكواليس انتظر الريحانى لحظة خروج الديب من المسرح وقال له: إيه اللى عملته ده يا أستاذ فأجاب الديب: ده إفيه.. وعجب الناس جداً يا أستاذ فأعاد الريحانى السؤال: ده فى النص؟ فأجاب الديب: مش فى النص بس الناس انبسطت فعاد الريحانى يقول: الإفيه ده فى النص؟! فقال الديب وهو مكسور الخاطر: لأ يا أستاذ هنا قال الريحانى: يبقى مخصوم منك 50 قرشاً يا أستاذ!!
ولم يكتف الريحانى بالتأليف والتمثيل ولكنه أخرج أيضاً كل أعماله، ولم يلجأ إلى الإبهار أو استخدام المؤثرات الصوتية والضوئية التى كانت متوافرة فى الخارج.. وكانت المرة الأولى التى يستخدم فيها الريحانى الموسيقى التصويرية فى مسرحية «الدنيا على كف عفريت»، والمرة الثانية والأخيرة فى مسرحية «حكم قراقوش»، وهى الرواية التى سوف تتسبب فى مشاكل للريحانى بعد ذلك، ومع الأسف الشديد لم أعاصر مسرحية «كشكش بيه» ولكنى علمت أن أحب روايات الريحانى إلى قلبه والمسرحية التى يتفاءل بها كانت هى «الدنيا على كف عفريت»، ولذلك فقد كان الريحانى فى حالة عدم وجود رواية جديدة يفتتح موسمه المسرحى بعرض «الدنيا على كف عفريت» بل إن نجيب الريحانى ختم حياته وهو يقدم هذه الرواية، وبالنسبة للديكور فى مسرح نجيب الريحانى فقد اعتمد على «الصالونات» «فيرنيه» أى المناظر الداخلية المغلقة، وفى بعض الأحيان كان الريحانى يستخدم نفس الديكور فى أكثر من رواية مسرحية، ولم يستطع الريحانى أن يواكب عصره فعندما قدم رواية «سلاح اليوم»، لم تنجح لأنها الرواية الأولى التى كانت تتكون من 8 مشاهد مختلفة وهو الأمر الذى يتطلب تغيير الديكور 8 مرات، وكان كلما تغير المسرح أظلمت الأنوار وطال الزمن بالعمل لتغيير الديكور وهكذا فى كل مشهد حتى أصيب الجمهور بالملل وأصبح من الصعب عليه التواصل مع الحدث على المسرح، بل إن الممثلين أنفسهم فقدوا حرارة الأداء والتركيز.. وعلى جانب آخر ينبغى أن نذكر المسارح التى أنارت الحياة الفنية فى مصر ومنها دار الأوبرا المصرية والتى فتحت الطريق أمام الفرق الأوروبية بإمكانياتها لكى تعرض فى مصر ومنها فرق من بريطانيا وإيطاليا وحتى فرقة الكوميدى فرنسيه الشهيرة جاءت وقدمت عروضها العالمية على دار الأوبرا فى دار الأوبرا شاهدنا «كارمن» «فيردى» وكانت الفرجة ممتعة فالجمهور كان يرتدى الاسموكنج والسواريه ومدير الأوبرا أيامها كان هو الفنان الكبير سليمان بك نجيب الذى نجده دائماً فى استقبال ضيوف الأوبرا من أعضاء الأسرة الحاكمة من الأمراء والأميرات.. وفى الأيام التى لا يكون هناك فرقة أوروبية تعرض على الأوبرا كانت أبوابها مفتوحة للعروض المسرحية المصرية، حتى الريحانى نفسه كان يعرض رواياته أحيانا فى دار الأوبرا.. فعلى دار الأوبرا شاهدت هناك مسرحيتى «حسن ومرقص وكوهين» و «إلا خمسة».
وكان مسرح الأزبكية من المسارح الشهيرة فى هذا الوقت وأيضاً مسرح صغير اسمه «أوبرا ملك» وفى روض الفرج كان هناك مسرح «ليلاس» وهو المسرح الذى اختاره الفنان على الكسار ليقدم رواياته عليه ومع الأسف لم يكن حظى مع الكسار طيباً، فقد حضرت له مسرحية واحدة فقط لا غير وهى «سرقوا الصندوق» والتى أخذها عن رائعة موليير «البخيل» ولكن العودة إلى النص قد انتقلت إلى المسرح الشعبى، وكان هذا أواخر أيام الفنان الكبير.
وكانت الفرقة المصرية للتمثيل وهى الفرقة الحكومية التى تضم عمالقة الممثلين من أمثال أحمد علام ونجمة إبراهيم وفاخر فاخر وزوزو حمدى الحكيم وأمينة رزق وجورج أبيض وفردوس محمد، وهؤلاء شاهدتهم على مسرح الأزبكية، وكانت أول رواية أشاهدها لهذه الفرقة هى «مجنون ليلى» وبالطبع كان يوسف وهبى متواجدًا وبقوة فى هذه الفترة ولكن دون أن يكون له مسرح ثابت، فهو يستأجر سينما «إيزيس» فى حى السيدة زينب ليقدم عليها روايته، وفى أحيان أخرى كان ينضم إلى الفرقة المصرية السابقة الإشارة إليها والتى كانت النواة التى خرجت منها بعد ذلك «الفرقة القومية للفنون المسرحية» والتى انتهت إلى «المسرح القومى» وكان يوسف وهبى هو مديرها.. ووسط الجو الذى أحاط بالقاهرة فى هذه الأيام كانت الملاهى الليلية تلعب دورا مهما إلى جانب المسرح، فقد انتشرت بشكل غير مسبوق وأغلبها كان موجودا بجوار ميدان الأوبرا وحوله، كان هناك ملهى «كومانا» والذى أصبح بعد ذلك مسرح «محمد صبحى»، وفى ميدان مصطفى كامل كان هناك ملهى خاص بالفنانة صفية حلمى، وكانت فتحية محمود تدير مكانا له وضع خاص اسمه «أوبرج التيرف» وكان يقع فى شارع الألفى خلف «استديو مصر» وفوق هذا المحل كان هناك ملهى شهير اسمه «الإسكاربيه» وفيه كان يقضى الملك سهراته أحيانا، وذات يوم كان عبدالمطلب فى «أوبرج التيرف» يغنى وهو يتمايل طربا، فإذا بمياه تسقط عليه من أعلى «الإسكاربيه» وعندما قرب عبدالمطلب أنفه للمياه التى وقعت على بدلته اتضح له أنها رائحة «بول» فتوقف عن الغناء وتوعد الذى فعل هذه الفعلة المهببة بالويل.. وقال إنه لن يغنى ولن يسمح لأحد أن يغنى إلا بعد أن يعلم صاحب «العملة» المهببة دى ليؤدبه على هذه الفعلة الفحشاء.
وصعدت صاحبة المحل فتحية محمود بنفسها وتعود بعد قليل لتهمس فى أذن «طلب» فإذا به يقرب كم البدلة إلى أنفه وهو يقول يا محلاها.. من «شخة» ملكية!!
فقد أفادت الست فتحية أن صاحب «العملة» المهببة هو نفسه الملك فاروق!
ويبقى أشهر ملهى على الإطلاق هو ما أطلق عليه كازينو بديعة مصابنى وكان لها مقران واحد شتوى فى وسط البلد والآخر صيفى فى المكان المقابل للشيراتون مباشرة على النيل، وبلغ هذا المكان شهرة عظيمة، فقد كان يجلس فيه كل فنانى وكتاب وأدباء ومشاهير وأعيان مصر.. أما الملهى أو الكازينو نفسه فقد كان يقدم ألمع نجوم مصر فى الرقص، كانت هناك سامية جمال وتحية كاريوكا، وفى الطرب كان يغنى فريد الأطرش ومحمد فوزى وعبدالمطلب وعبدالغنى السيد، وفى نفس الوقت كانت تقدم فاصلا تمثيليا وهكذا انضم إليها بشارة واكيم وفهمى أمان، وكان المؤلف هو الأستاذ أبوالسعود الإبيارى وكان الكوبرى الملاصق للكازينو قد سمى باسم بديعة «كوبرى الجلاء»، وقد خصصت بديعة حفلا أسبوعيا «ماتينيه» للأسرة تقدم خلاله فقرات غنائية وتمثيلية.. ومع وجود كل هذه المسارح والأسماء الكبيرة فإن نجيب الريحانى وحده الذى استطاع أن يصل إلى القصر ويعرض رواياته أمام الملك والأمراء والحاشية والأعيان، وهكذا أصبح الريحانى هو الفنان الذى اجتمع عليه الناس البسيطة والطبقات الراقية وحتى الطبقة الحاكمة والأسرة الملكية، وهكذا نال نجيب الريحانى رضاء الجميع، ولكن حدث بعد ذلك ما عكر صفو هذه العلاقة وأفسدها، فقد تعرض النحاس باشا لأزمة صحية وكان هذا الرجل معشوقا من الناس فى مصر، وفى أزمته الصحية قام نجيب الريحانى بزيارته وجلس معه فترة طويلة وقد حرص الريحانى خلال هذه الزيارة على تصحيح موقف قديم على واقعة المرض، ففى آخر عرض حضره النحاس لاحظ الريحانى وهو على المسرح - وكان شديد الملاحظة، لما يجرى فى الصالة - أن النحاس باشا يتناول الطعام أثناء العرض فى البنوار المخصص لدولة الباشا.. فتوقف الريحانى ونظر إلى النحاس باشا ثم مال ناحية اليمين واليسار على طريقته المعهودة وهو يتكلم مع عامل الستار، وقال: «ح ناخد استراحة حتى ينتهى دولة الباشا من وجبة العشاء».
وتجاوب الجمهور مع قرار الريحانى وعندما شعر النحاس بأن الريحانى سخر منه أمام الجمهور الذى استحسن موقف الريحانى المعتز بفنه، وهكذا وجد الأخير فى مناسبة مرض النحاس الفرصة لكى يزيل أى أثر لهذه الواقعة، وبالفعل نجحت الزيارة فى تلطيف الأجواء وعادت الأمور إلى طبيعتها، ولكن كان لها أثر عكسى على العلاقة بين الملك والريحانى.. فقد اعتبر الملك أن الريحانى بهذه الزيارة قرر أن يتخذ جانب رئيس الوزراء الذى كان فى صراع دائم مع الملك، ونشطت بعض الأجهزة فى كهربة الأجواء بين الملك والفنان الكبير ورفعوا تقريرًا يفيد بأن مسرحية «حكم قراقوش» فيها نقد جارح للنظام الملكى وأن بها إسقاطًا على الذات الملكية.. وجاء الرد الملكى عجيبا، فلم يعد الريحانى يعرض رواياته فى القصر الملكى وهذا الأمر لم يفرق على الإطلاق مع الريحانى ولكن الذى أغضبه بشدة أن الملك أخذ يوزع الألقاب فى الوسط الفنى، فمنح الرتب لأهل الفن وعندما انتهى يوسف وهبى من فيلم «غرام وانتقام» أرسل دعوة للملك لحضور وتشريف حفل الافتتاح وبالفعل حضر الملك الحفل وأبدى إعجابه بالاستعراض الغنائى الذى أفرد له يوسف وهبى مساحة متميزة فى الفيلم يشيد فيها بأمجاد الأسرة العلوية ودورها فى ازدهار الفنون، وبالطبع هذا الاستعراض اختفى تماما من نسخ الفيلم بعد قيام ثورة 23 يوليو.. ويومها أنعم الملك على يوسف وهبى برتبة «بك» ونفس الأمر حدث مع الفنان سليمان نجيب، فحمل نفس اللقب، وجاء الدور على جورج أبيض لينضم للبكاوات وإلى هنا كانت الأمور محتملة بل الاحتمال قائم بأن الدور سوف يصيب الريحانى فهو صاحب أكبر شعبية فى عصره، ولكن ما حدث أن مطربا كان يهوى التمثيل وظهر فى بعض المشاهد فى الأفلام وكانت أدواره ثانوية لم يلتفت إليها أحد وقام هذا المطرب وهو «محمد البكار» بإنتاج فيلم اسمه «قلبى وسيفى» وأرسل دعوة إلى الملك وقبل الملك الدعوة وحضر حفل الافتتاح ثم أعلن عن منح «محمد البكار» لقب «بك» بعد أن أبدى الملك سعادته بالأغنية التى حشرها البكار فى الفيلم والتى تضمنت إشادة بالعصر الملكى وأحفاد أسرة محمد على.
فى هذا اليوم شعر نجيب الريحانى بالمهانة وتأكد أن الملك يسخر منه بطريقة غير مباشرة، ومن شدة الغضب قرر الريحانى الاعتزال والابتعاد عن الأضواء تماما، وبالفعل توقف نشاط الفرقة وقام نجيب الريحانى بمنح المسرح للفنان «يوسف وهبى» الذى استأجره لكى يقدم عليه عروضه المسرحية، وسعى الريحانى إلى إيجاد مكان لكل أفراد فريقه فى مسارح الآخرين حتى لا يؤنبه ضميره، فهو الذى اتخذ قرار الاعتزال وأعضاء الفريق ليس لهم ذنب فيما جرى، وهكذا أصبح يوسف وهبى هو نجم مسرح «ريتس» ومعه فريق من الممثلين هم أمينة رزق وعلوية جميل وبشارة واكيم ومحمود المليجى وسراج منير ومختار عثمان ورفيعة الشال وفاخر فاخر وحسن البارودى، وعلى طريقة «الريبرتوار» قدم يوسف وهبى كل يوم عرضا مسرحيا مختلفا على مسرح «ريتس» ومن حسن حظى أننى شاهدت كل العروض ومنها «كرسى الاعتراف» و«راسبوتين» و«الطاغية» و«أولاد الفقراء»، وكل مرة كنت أذهب فيها إلى المسرح كنت أحمل معى الأوتوجراف لكى أنال الشرف بكلمة من هؤلاء الممثلين على صفحات الأوتوجراف، ولكنى ذات يوم وأنا جالس فى الاستراحة شاهدت الريحانى يعبر من أمامى إلى داخل الكواليس فانطلقت خلفه بأقصى سرعة ووصلت إليه وسلمت عليه ثم ناولته الأوتوجراف، فأخرج من جيبه قلمه وأمسك بالأوتوجراف ومر على صفحة أم كلثوم ورفع حاجبيه وقال «يا سلااام».. وفى الصفحة المقابلة كتب شيئا ثم أعاد الأوتوجراف وعلى وجهه ارتسمت نفس الابتسامة التى دخل من خلالها قلوب الناس، أسعدنى الريحانى بسلوكه الجميل وتواضعه وأمسكت الأوتوجراف وكلى خوف أن يكون قد كتب اسمه على طريقة أم كلثوم.. ولكنى عندما قرأت وجدته كتب هذه الجملة العجيبة:
«الصدق.. سر النجاح!!»
ثلاث كلمات فقط كان لها أثر عظيم على نفسى، أحسست أن الرجل منحنى «سر» المهنة.. وما أصدق الريحانى عندما تولى مهمة التأليف وما أعظمه عندما قدم أدوار الرجل المطحون المهمش المهشم وما أبسطه عندما تولى الإخراج.
وبالطبع لم يسكت أهل الفن على هذا الوضع المقلوب.. أهم فنان فى مصر والعالم العربى قرر الاعتزال وهو فى قمة حيويته.. كتب البعض يناشد الريحانى الرجوع وبدأت الأوساط كلها تتحدث عن اعتزال الريحانى ويبدو أن الأمور صعدت إلى أعلى مستوى، حتى طالعتنا صحف الصباح الثلاث الكبرى الأهرام والأخبار والمصرى بمناشدة لنجيب الريحانى.. وجاء فيها أن جلال باشا فهيم وزير الشئون الاجتماعية ناشد الفنان نجيب الريحانى ألا يحرم محبيه من فنه.
ويبدو أن الدولة انتبهت إلى أن المشكلة تتعقد وأنها أصبحت المادة الوحيدة التى تتداولها كل الأوساط وهكذا دفعوا بوزير الشئون الذى كان المسرح أيامها تابعا له لكى ينشر هذه المناشدة فى الصحف الكبرى وفوق ذلك أعلنت الإذاعة المصرية أنها سوف تذيع على الهواء مباشرة كل يوم خميس المسرحية التى يقدمها نجيب الريحانى وهذا الأمر حدث للمرة الأولى والأخيرة، ليس على مستوى مصر ولكن فى العالم كله.. وهكذا اعتبر الريحانى أن المناشدة والإذاعة الحية المباشرة لمسرحيته كل يوم خميس بمثابة اعتذار من الدولة التى رضخت أمام غضب الفنان، وبالفعل بدأ الريحانى يجمع فرقته كما كانت بالضبط قبل قرار الاعتزال وفى خلال فترة قصيرة استعادوا لياقتهم وأعادوا عروضهم للجمهور وعلى نفس المسرح «ريتس»، فى حين كانت الإذاعة قد نصبت أجهزتها استعدادا للبث كل خميس وهو الأمر الذى جعل الإذاعة المصرية تملك ثروة حقيقية من كل الأعمال التى قدمها الريحانى للمسرح.. والشىء المؤسف أنه بعد قيام ثورة 23 يوليو اكتشفنا أن أحدهم قام بعمل «جليل» للثورة عندما قام بمسح كل أعمال نجيب الريحانى باعتباره فنان العهد الملكى ولم يتبق من هذه الثروة سوى فصل واحد وهو الفصل الأول من مسرحية «30 يوم فى السجن».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.