صنع رأفت الميهى سينما بنكهته الخاصة برؤيته الفلسفية التى ترصد تحولات المجتمع المصرى وتكشف عيوبه فى إطار مبهر وتأثير هذه التحولات على الفرد ومحاولة تغيير الأفكار الراسخة فى المجتمع المصرى وانتقادها بقوة. تعلم الميهى كتابة السيناريو على يد صلاح أبوسيف وقدم أول أفلامه «جفت الأمطار» وهو الفيلم الذى تم تصويره فى استديو خاص فى قرية بشلا بالدقهلية على الأسلوب السينمائى السوفييتى الذى تأثر به مخرجه «سيد عيسى» بحكم الدراسة هناك. انطلق «رأفت» فى إبداعه بأفلامه السياسية المتفردة بداية من «غروب وشروق»، والذى يدورحول فساد الأمن فى الستينيات ويسقطه فى زمن الأربعينيات فى تطابق فنى مثير للدهشة والإعجاب، مرورًا بفيلم «على من نطلق الرصاص»، والذى أجمع النقاد أنه أكثر الأفلام السياسية نضجًا وكمالاً فى تاريخ السينما المصرية يحلل فيه مظاهر الفساد فى السبعينيات أو ما يقال عنه عصر الانفتاح الذى طفا على سطح المجتمع إلى جانب تجربته المهمة فى فيلمين آخرين هما «الهارب» و«شىء فى صدرى» إضافة إلى السيناريوهات النفسية ورواية إحسان عبدالقدوس «أين عقلى» أرجع فيه العلل النفسية إلى الصراع مع التقاليد والأعراف البالية التى تتحكم فى مصائر الشخصيات خاصة قضية الشرف والحس الذكورى مهما نالوا أرقى أنواع التعليم، الصراع الفكرى ناقشه الراحل أيضًا فى فيلم «غرباء» من خلال نماذج شخصيات تقع فى حيرة الاختيار بين الدين والعلم والحب وهى نفس الحيرة التى نتخبط فيها حتى الآن وقام بإنتاج فيلم «المتوحشة» وهو فيلم يبدو مختلفًا لبطلته المفضلة سعاد حسنى. فى الثمانينيات بدأ الدخول فى مرحلة الفانتازيا بشخصيته الفذة «حسن سبانخ» رغم واقعية «سبانخ» أو عادل إمام لكنه كان نتاجًا طبيعيًا لعصرين من أقسى وأفسد العصور السياسية التى مرت على مصر، رجل أمن من الستينيات ورجل أعمال من عصر الانفتاح، فمن الطبيعى أن يكون نتاج جيل الثمانينيات فهلويا مستغلاً للفرص كى يعيش. قدم الميهى أول أفلامه كمخرج عام 1981 وهو فيلم «عيون لا تنام» واعتبره النقاد إرهاصة لقتل الرئيس السادات ودخول البلاد فى دائرة من العنف الدموى. ثم أرسى سينما جديدة فى أوائل التسعينيات هى سينما المؤلف وقدم أفلامًا مهمة مرتبطة بعوالم الفانتازيا والإبحار بأفكاره الفلسفية فى عوالم الكوميديا اللاذعة سيداتى آنساتى، سمك لبن تمر هندى، السادة الرجال وفكرة المجتمع الذكورى على المرأة وما تعانيه فى حياتها تفاحة وست الستات. فى الألفية الجديدة لم يقدم الميهى سوى فيلمًا واحدًا «عشان ربنا يحبك»، لكن فانتازيا «الميهى» التى صمدت أمام سينما المقاولات تراجعت مع ارتفاع تكلفة الإنتاج وسيطرة الأفلام الكوميدية الخفيفة وتراجع شركات الإنتاج عن مساندته مما جعله خلال ال15 عامًا الأخيرة لم يخرج إلا فيلمًا واحدًا ومسلسلاً هو «وكالة عطية» للمبدع خيرى شلبى لم تختلف بنيته الدرامية عن أفكاره. رأفت الميهى هو نصف قرن من العطاء السينمائى الفذ لم تخل حياته من لمحات منها قصة زواجه الأخيرة وتبرؤ أسرته منه فى الجرائد ومرضه الأخير لكن يكفى ما تركه لنا من كنوز سينمائية عامرة.. المبدعون لا يموتون.∎