أن تحمل امرأة لقب مطلقة، فهذا فى بلادنا الشرقية، بمثابة الحكم عليها بالنبذ والإقصاء، وليس لها إلا أن تتجرع مرارة واقعها، كأنها مجرمة بلا جريمة.. هكذا تقضى عادات وتقاليد ضد الإنسانية، تمارس التمييز بمنتهى الوحشية.لا يكفى أنها خرجت من عش الزوجية بما فى قلبها من جراح، لا يكفى أن أحلامها انهارت بعبارة «أنت طالق»، لا يكفى ما ستتعرض له على الأرجح من دوامات ولف ودوران على المحاكم للحصول على حقوقها الشرعية، فالمجتمع أيضًا يقرر جلدها وصلبها وذبحها.. إنها مطلقة وتلك هى التهمة، والعار الذى لا يمكن محوه عنها. تقول «زينب. ح» وهى امرأة من كفر الشيخ وتبلغ من العمر 20 عامًا، أنها اختبرت تجربة الطلاق المريرة مرتين، الأمر الذى فاقم من أزمتها، وجعل نظرة الناس لها متشككة وقاسية. وتروى أنها تزوجت فى المرة الأولى من شاب بقريتها، كان على خلق ويحبها، وكان عمرها آنذاك 15 عامًا، لكنها اصطدمت بحماتها كثيرًا التى أرادت تحويلها خادمة، وتقول: رغم كل ما كنت أتعرض إليه من إهانات كنت أحتسب وأصبر وأتحمل خوفًا من أن أحمل لقب مطلقة، حتى وقعت الواقعة التى لم يكن ممكنًا أن يستمر الزواج معها، حيث طردتنى أمه من البيت بعد منتصف الليل، والكارثة أن هذه الواقعة حدثت أمامه، من دون أن يحرك ساكنًا، عندئذٍ قررت التمسك بالطلاق وليذهب المجتمع إلى الجحيم. وتضيف: «بعد الطلاق فوجئت بأن ابنه ينمو فى أحشائى، كان شعورى غاية فى البؤس والاضطراب، كنت سعيدة بأنى سأصبح أمًا، لكن فى المقابل لم أكن قادرة على تحمل فكرة أن ابنى سيكبر بعيدًا عن أبيه، لذلك حاولت التواصل مع طليقى لأقول له إن وجود طفل قد يستدعى بعض التنازلات لكنه رفض ردى بمنتهى القسوة، بعد الولادة بأشهر، طرق باب بيت أبى أحد أبناء قريتنا ليطلب يدى، فرفضت لكن أسرتى أقنعونى بأن أعيد التجربة بذريعة أنى مازلت صغيرة ولا بأس من أن أحاول أخذ حقى من الدنيا، أو هكذا كانوا يقولون، حتى وافقت، وتركت طفلى فى رعاية أبى وسافرت مع الزوج الثانى إلى القاهرة حيث يعمل لأعيش أيامًا سوداء. كان مدمن مخدرات، ليس هذا فحسب بل كان يصطحب رفاق السوء إلى البيت، وكانوا يحاولون التحرش بى، الأمر الذى دفعنى إلى الهرب إلى بيت أهلى، وأحمد الله أننى لم أخرج من التجربة الثانية بطفل. وتؤكد أنها لم تعد تفكر فى الزواج، لكن ما يؤلمها أن الجميع ينظر إليها باعتبارها مجرمة، إلى حد أن أفراد أسرتها كثيرًا ما يلمحون لها بأنها المسئولة عن المأساة التى فُرضت عليها، وتقول: كثيرًا ما أرفع يدى إلى السماء، لأسأل الله أن يتغمدنى برحمته، الموت أرحم من لقب مطلقة. «كريمة. م» مطلقة ثانية تقيم فى بيت المطلقات التابع لوزارة التأمينات والشئون الاجتماعية تقول: «أحببت شابًا ميسور الحال، ومنحته قلبى كاملاً، وعندما تقدم للزواج منى رفض أهلى، بعدما سألوا عن سلوكه، لكن لأن مرآة الحب عمياء، خالفت أهلى وتزوجته رغم إرادتهم، الأمر الذى دفعهم إلى مقاطعتى. وتضيف: «بعد الزواج ذاب الحب، وبدأت أراه على حقيقته، كان وحشًا قاسيًا، يعذبنى بالحزام، يسدد اللكمات إلى وجهى، كان ساديًا يتلذذ بتعذيبى حتى فى فراش الزوجية، وبالطبع لم يكن ثمة مفر من الطلاق». وتتابع: «عندما أصبحت أحمل لقب مطلقة، طرقت باب أهلى، تمنيت أن أجد حضنًا يحتوى مأساتى، لكن الباب بقى مغلقًا، فما كان إلا أن لجأت إلى الدار.. ليس لى أى مأوى آخر، فإما البقاء فى الدار أو احتراف الدعارة مثلاً لتوفير لقمة العيش، أنا لست على قدر من التعليم، وليس لى الآن إلا الدار، أقضى بها الأيام، وأسأل الله ألا يطول بقائى فى هذه الدنيا القاسية. وتختتم: «يحدث أحيانًا ألا أتكلم كلمة واحدة بالأسابيع، الأطباء شخصوا حالتى بأنى مصابة باكتئاب حاد، ويحدث أحيانًا أن أستيقظ من نومى فأصرخ كالمجانين، أنظر إلى حال البؤس الذى أكابده وأسأل نفسى عما إذا كنت أستحق هذه الخاتمة، صحيح أنى اقترفت خطأ بأنى خالفت أهلى، لكن فى النهاية تزوجت على سنة الله ورسوله.. لم أقترف إثمًا حتى يتدمر عمرى كله كما هو الآن». أما «عطيات. ى» التى تبلغ من العمر 25 عامًا فمأساتها أكبر، ذلك أنها لم تتطلق بلا فضائح، فقد أخذ طليقها يقدح فى سمعتها فى كل مكان، حتى أصبحت موصومة بالعار. وتقول: بعد الطلاق الذى وقع لأسباب متشابكة، أمعن طليقى فى تشويه سمعتى، ولأنى من قرية صغيرة تابعة لمحافظة الدقهلية فقد انتشر الخبر كالنار فى الهشيم، الأمر الذى تلقفه المجتمع بأسرع ما يكون، وأصبحت مجرمة فى نظر المجتمع رغم أنى بريئة براءة الذئب من دم ابن يعقوب. وتتابع «لم أعد أخرج من بيتى، فالعيون تجلدنى وتنهش جسمى، وحسبى الله ونعم الوكيل.. لقد أساء إلى ووجد مجتمعًا مستعدًا فى كل الحالات لوصم المطلقات بالتهم الجزافية، وفى النهاية ها أنا لا أخرج من البيت، أعيش داخل سجن إجبارى هربًا من قسوة الناس. وتؤكد محاسن صابر مؤسسة إذاعة المطلقات أن القوانين المصرية لا تنصف المرأة المطلقة، بل إن إجراءات التقاضى تظلمها بدم بارد، حيث إن الهجر 6 أشهر يستوجب الطلاق، لكن هناك حالات يترددن على المحاكم سنوات. وتضيف «إن الإذاعة خصصت عددًا من البرامج لإتاحة الفرصة للمطلقات، لأن يعبرن عن مآسيهن، والواقع غاية فى السوء، ويستدعى إطلاق حملات توعية بأن المطلقة ضحية وليست جانية».∎