لم يكن فشل حزب العدالة والتنمية فى تركيا فى الاستحواذ على أغلبية برلمانية، تسمح بتمرير مشروع الرئيس رجب طيب أردوغان تحويل نظام الحكم إلى رئاسى، بما يمنحه صلاحيات «سلطانية» تجعله «يبرطع» فى أمر البلاد والعباد كيفما يشاء، لكن ذلك الفشل كان زلزالاً تحت أقدام الإخوان الهاربين. خسارة الحزب ذى الانتماء الواضح إلى الإخوان، وحصوله على نحو 40٪ من المقاعد ستعنى بالضرورة عدم تمكنه من تشكيل الحكومة، الأمر الذى سيدفع أردوغان إلى ما يمكن اعتباره «شراباً مراً»، حيث لن يجد بداً من التفاوض مع خصومه السياسيين لتشكيل حكومة ائتلافية. الحكومات الائتلافية ليست «سبة»، وهكذا هى النظم الديمقراطية، فإما أن يشكل حزب الأغلبية الحكومة، أو أن يتآلف مع خصومه السياسيين لهذا الغرض، لكن بالنسبة لأردوغان يبدو الأمر صعباً، بل محرجاً، فقد مارس الرجل قبل انتخابات السابع من يونيو، كل الفواحش من القول والفعل ضد الأحزاب المعارضة، لكنه ما أن خذلته الصناديق حتى فتح أبواب قصره لاستقبال زعماء الأحزاب فى محاولة لاستجداء ائتلاف.. أى ائتلاف وارحموا عزيز قوم ذل. المعارضة من جانبها أرادت أن تمرغ أنف الرئيس، ووضعت قائمة شروط من أبرزها الحصول على رئاسة البرلمان وهكذا سيخسر حزب أردوغان هذا المنصب ذا الأهمية الكبرى فى نظام برلمانى. على أن الضربة التى تلقاها أردوغان، والتى يمكن اختزالها فى المثل الشعبى «الطمع قل ما جمع» لم تنته عن حدود تركيا، فقد كان الأحد الماضى حزيناً على الإخوان الهاربين إلى تركيا، والذين بدأوا الصراخ والعويل فور ظهور المؤشرات على الهزيمة لحزب العدالة والتنمية، وجاءت التعليقات الأولى للإخوان على صفحاتهم «يلا لموا شنطكم» لإدراكهم أن الدرع التى كانت تحميهم سقطت وفقدت قوتها. وعلى الرغم من أن أحدا فى تركيا لا من الحكومة ولا الأحزاب أو خبراء السياسة والمحللين تحدث عن مؤامرة أو تدخلات خارجية لإسقاط العدالة والتنمية فى الانتخابات وإجماع الكل على أن الشعب أراد أن يعاقب أردوغان على غطرسته وديكتاتوريته ومحاولته لأن يحول تركيا إلى دولة الفرد الواحد، تحدث الإخوان وحدهم عن المؤامرة، كعادتهم، وقالوا إن مخابرات ألمانيا وأمريكا إلى جانب أموال الكنيسة والخليج كانت وراء إسقاط الحزب لتحجيم أردوغان والقضاء على بذرة الخلافة الإسلامية والتجربة التركية الفريدة من وجهة نظرهم. وذهب الشطط ببعض قيادات الإخوان فى إسطنبول إلى القول إن «الانقلاب» فى مصر وراء ما حدث للعدالة والتنمية من أجل إغلاق قنواتهم فى إسطنبول وتشريدهم، والواقع أن مخاوف الإخوان المسلمين من التضييق عليهم فى المرحلة المقبلة هى مخاوف حقيقية ومعقولة من وجهة نظر بعض المحللين الذين رأوا أن أردوغان ارتكب خطأً كبيراً بمعاداة مصر وفتح أبواب تركيا للهاربين، وأن أحزاب المعارضة كلها ركزت على هذا الأمر فى الحملات الانتخابية ورفضت صراحة تدخلات أردوغان فى الشأن المصرى الداخلى، فضلاً عن العلاقات القوية التى تربط بين حزبى الشعب الجمهورى والحركة القومية ومصر، وأحد هذين الحزبين مرشح لأن يكون شريكاً فى الحكومة التركية الجديدة مع العدالة والتنمية. والمعروف أن قياديين من الإخوان فى تركيا شاركوا فى الحملة الانتخابية لحزب العدالة والتنمية وانتشروا تحديداً فى المناطق الشرقية والجنوبية والجنوبية الشرقية من تركيا التى توجد بها كتل تصويتية كبيرة للأكراد والعلويين فى محاولة للحفاظ على شعبية ولى نعمتهم، وتجميع أصوات المحافظين والإسلاميين فى هذه المناطق لاسيما من الأكراد الذين كانوا يصوتون من قبل للعدالة والتنمية، وأظهرت الانتخابات الأخيرة تحولهم إلى حزب الشعب الديمقراطى الكردى. واستغل قيادات الإخوان ومنهم يحيى حامد وزير الاستثمار فى عهد مرسى وعدد من أعضاء برلمان الإخوان الموازى فى إسطنبول الأحداث فى مصر وحكم الإعدام الصادر على مرسى فى محاولة لاستدرار التأييد لأردوغان وحزبه لكن فشلت محاولاتهم لاسيما أن حزب السعادة نفسه هو الحزب المعبر صراحة عن الإخوان فى تركيا انتقد استغلال قضية مرسى من جانب أردوغان فى الانتخابات. وينتظر الإخوان فى تركيا بقلق بالغ تشكيل الحكومة التركية الجديدة، ومبعث قلقهم يعود إلى أن أحزاب المعارضة التى ستشارك فى الحكومة الجديدة ستستجيب على الفور لمطالب مصر بإغلاق قنوات الإخوان فى تركيا وطرد أو تسليم قياداتهم المطلوبين للعدالة، فضلاً عن انقطاع الدعم المادى والمعنوى خاصة أن رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو لايتبنى موقفاً متشدداً تجاه مصر مثل أردوغان. وتحسباً للسيناريوهات القادمة ولإطاحة الحكومة التركية الجديدة بالتنظيمات التى كونها الإخوان على أرض تركيا ومنها المجلس الثورى والبرلمان الموازى ومكتب الإخوان بالخارج إلى جانب قنواتهم بدأ بعض القياديين الانتقال من إسطنبول إلى مناطق أخرى فى شرق وجنوب تركيا ومنهم من يشارك حالياً فى أعمال متعلقة بالوضع فى سوريا ويشارك فى تجنيد عناصر للقتال فى سوريا وإقامة صلات مع المجموعات المقاتلة ضد الجيش السورى الرسمى من أجل توفير ملاذات لهم داخل الأراضى السورية التى تسيطر عليها هذه المجموعات المتشددة فى سوريا. وبدأت القيادات فى استقطاب بعض شباب الإخوان المقيمين فى تركيا للمشاركة فى القتال فى سوريا وتدريب بعضهم للدفع به إلى مصر للمشاركة فى العمليات الإرهابية داخل البلاد. وشاركت القيادات نفسها فى حشد وتعبئة العناصر التى سافرت إلى ألمانيا خلال زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى مؤخراً لمحاولة إفشال الزيارة. وأكدت هذه القيادات أن الموقف الأمريكى الأخير بعدم استقبال قيادات من الجماعة فى زيارة سريعة قريباً إلى واشنطن ليس بمعزل عما حدث فى تركيا والضربة التى تلقاها حزب العدالة والتنمية الحاكم فى الانتخابات وأن هناك تمويلاً ضخماً تم ضخه لإسقاط المشروع الإسلامى فى تركيا والمنطقة على حد زعمهم.∎