فى مارس 2012 وقعت مصر وتركيا اتفاقية «الرورو»، لتسهيل نقل صادرات البلدين لمدة 3 سنوات «قابلة للتجديد» من أجل السماح بنقل صادرات تركيا عن طريق استغلال الموانئ المصرية إلى دول الخليج العربى بعد اندلاع الحرب فى سوريا وغلق السلطات السورية المعابر أمام حركة التجارة التركية المتجهة إلى الخليج، وقبل عدة أشهر من تاريخ انتهاء الاتفاقية فى 9 أبريل 2015 كان القرار الصائب للحكومة المصرية بعدم تجديدها وإلغائها، حفاظاً على الأمن القومى ولعدم تحقيق الاتفاقية أى جدوى اقتصادية للجانب المصرى بل واستغلال الجانب التركى لهذه الاتفاقية التى كانت تعطى مزايا لتركيا على حساب مصر من خلال تهريب البضائع التركية عبر باب خلفى للالتفاف على دفع رسوم قناة السويس. وعلى الرغم من أن هذه الاتفاقية أضرت بمصر سياسياً واقتصاديًا، فقد أجحفت بحق الجانب المصرى من خلال تحصيله رسوم قيمتها 5 ملايين دولار سنويًا وهى رسوم زهيدة مقارنة بما عاد على تركيا من مكاسب اقتصادية، حيث كانت تنقل البضائع إلى ميناءى دمياط وبورسعيد بحرًا، ثم برًا إلى ميناءى العين السخنة أو السويس على أن تنقل بحرًا مرة أخرى لموانئ دول الخليج، وبلغت رسوم الشحنة الواحدة فى هذه الاتفاقية مبلغ 5100 دولار، يحصل الجانب المصرى منها على 400 دولار فقط نظير رسوم الطرق والتأمين، فيما يتم سداد 700 دولار تكلفة الشحن إلى دمياط ثم إلى السويس مقابل 1500 دولار يحصل عليها السائق التركى و1800 دولار يحصل عليها الوكيل الملاحى للشركة الناقلة وتدعى «سيسالاينز»، التى كان يتردد أن أصحابها يمتون بصلة قرابة لقيادات حاكمة فى تركيا. هذا إلى جانب وصول البضائع التركية لدول الخليج بأسعار تنافسية لأن قيمة الرسوم التى تدفع لمصر لا تؤثر على أسعار هذه البضائع، بسبب لجوء الجانب التركى لحيلة تمرير هذه البضائع فى البحر الأحمر دون أن تمر على قناة السويس وتهرب تركيا من سداد ما يقرب من مليار دولار سنويا رسوم عبور سفنها للمجرى الملاحى لقناة السويس. وفى تجاهل واضح للخسائر التى تكبدتها مصر من وراء توقيع هذه الاتفاقية إلى جانب مواقف تركيا السياسية وتجاوزات الرئيس التركى والمسئولين الأتراك تجاه مصر بعد عزل مرسى عقب ثورة 30 يونيه وقف عدد من رجال الأعمال والمنتفعين من هذه الاتفاقية حجر عثرة أمام الدعاوى المطالبة بإلغائها على رأس هؤلاء كان أحمد الوكيل رئيس غرفة تجارة الإسكندرية ورئيس اتحاد غرف مصر. ∎ محطات الصعود أحمد الوكيل هو عضو لجنة السياسات بالحزب الوطنى المنحل ورجل الأعمال السكندرى المعروف والحاصل على بكالوريوس تجارة، وصاحب أكبر شركة مستوردة للسكر الخام فى البلاد - ويكالست - ويمتلك شركتين أخريين إحداهما للأرز وأخرى للمواد الجافة، صعد كرئيس لغرفة تجارة الإسكندرية فى عام 2006 فى انتخابات كان منافسه فيها كرم كردى المعروف بالرجل الحديدى بالإسكندرية، وترك الرجل الحديدى الساحة للوكيل الذى فاز بالأغلبية لتكون المفاجأة بعد فوزه تعيين كردى عضو مجلس إدارة معينا بها بعد صفقة خفية تمت بينهما بأن ينسحب كردى من الانتخابات على أن يأتى بعدها بالتعيين كعضو مجلس إدارة لأنه لو كان خاض الانتخابات ورسب لا يحق أن يوضع اسمه فى ترشيحات المعينين. بعد ذلك دخل الوكيل انتخابات اتحاد غرف مصر وفاز بها أمام محمد المصرى رئيس غرفة تجارة بورسعيد، بمساعدة ودعم كلا الوزيرين السابقين عبدالسلام المحجوب ورشيد محمد رشيد ليأتى للمرة الثانية بكرم كردى عضوا فى مجلس إدارة الاتحاد العام للغرف التجارية. وعلاقة الوكيل برشيد وتركيا وثيقة، فبجانب كون الوكيل تاجرا ومصدرا ومستوردا بالمقام الأول، فهو أيضاً أكبر مستورد للسكر والفول المدمس بمصر، وكذلك مصدر لعدد من الفواكه والأرز، كما كانت تربطه أيضاً علاقات وثيقة بخالد أبو إسماعيل رئيس اتحاد الغرف التجارية و رئيس غرفة الاسكندرية السابق وكذلك بالوزير والمحافظ السابق عبد السلام المحجوب الذى أصدر قرارًا لصالحه أثناء توليه منصبه كمحافظ بتخصيص قطعة أرض كبيرة لإنشاء سوق خضار وفاكهة للجملة بديلا عن سوق الخضار القديم والمهترئ ثم قرارًا آخر بتغيير الغرض من التخصيص- أثناء تولى المحجوب وزارة التنمية المحلية- لإنشاء مشروع عقارى يدر عليه وشركائه الملايين. أحمد الوكيل الذى أصبح المحتكر الوحيد لتصدير الأرز والمتحكم الوحيد فى أسعاره داخل مصر، تعاظم نفوذه بعد الثورة وتوطدت علاقاته بالأتراك فى فترة حكم مرسى وهو أيضا من صعد خالد فتح الله صاحب سلسلة فتح الله ماركت كرئيس شعبة الأغذية فى اتحاد غرف مصر خاصة أن 90٪ من المنتجات المعروضة فى سلسلة فتح الله تركى، حيث يستورد رئيس الشعبة كل منتجاته من تركيا ويحتكر غالبية المنتجات التى يدخل رئيس اتحاد الصناعات التركى فى شراكة فيها. ولذلك ليس بغريب أن يكون أول رد فعل للوكيل - الذى جاء بعبدالله جول إلى مصر - على قرار عدم التجديد لاتفاقية التجارة مع تركيا، بأن قام الاتحاد العام للغرف التجارية برفع مذكرات رسمية للجهات المعنية وعلى رأسها مجلس الوزراء ووزارة الصناعة والتجارة ووزارة النقل للمطالبة بالعدول عن القرار بل وتمادى بوصف عدم تجديد الاتفاقية بأنها «سقطة» للحكومة المصرية، معتبرا قرار الحكومة غير موفق بالمرة ونفى ارتباط هذه الاتفاقية بالإخوان، بخلاف الواقع الذى يؤكد أن عددًا كبيرًا من الخبراء المصريين نبهوا حكومة الإخوان حينها إلى المخاطر والتداعيات السلبية للاتفاقية، كان من ضمن التحذيرات أن مكاسب الجانب التركى كبيرة، مقابل محدوديتها بالنسبة لمصر، وأن تركيا تمتعت بإعفاءات ضريبية، وتمكنت من تصدير منتجاتها بتكلفة أقل لتتفادى دفع رسوم عبور قناة السويس. والتحذير من أن مرور الشاحنات الثقيلة لمسافات طويلة عبر الأراضى المصرية، يعرضها للتدمير، وهو ما تتحمل نفقات إصلاحه مصر بمفردها، وينعكس فى شكل تكاليف جديدة لإعادة رصف وإصلاح الطرق. إلا أن الوكيل تجاهل عن عمد تلك الحقيقة فى ظل معلومات تشير إلى تورطه مع رجال أعمال أتراك بنقل منتجات مهربة أبرزها السجاد داخل مصر من خلال الشاحنات التركية التى كانت تصل ميناءى دمياط وبورسعيد- ولهذا السبب كان من أشد المعارضين لقرار إلغاء الاتفاقية. وكما كانت علاقة أحمد الوكيل بوزير الصناعة الأسبق، رشيد محمد رشيد مرتبطة باتهامات وجهت له باحتكار السكر، حيث ارتفعت أسعار السكر بشكل جنونى وقدم على إثرها بلاغًا ضد شركة «ويكالست» المملوكة له وشركات أخرى بسبب الزيادات المطردة فى أسعار السكر ثم بلاغًا آخر ضده الوزير الهارب رشيد يتهمهما بالاستيلاء على المال العام بالغرفة التجارية بالإسكندرية، وحمل البلاغ رقم 142لسنة 2013. ارتبطت علاقته بالدكتور خالد حنفى، وزير التموين والتجارة الداخلية الحالى بقرار الأخير بتصدير الأرز، حيث صدر القرار بضغوط من أحمد الوكيل الذى يمت بصلة قرابة «نسب» بالوزير، وكان له الدور الأكبر فى توليه كرسى الوزارة. فالوكيل الذى يعد من أكبر تجار الأرز سعى بكل الطرق ليستصدر الوزير القرار على الرغم من التداعيات الخطيرة له لترتفع أسعار الأرز بمعدلات جنونية. دعم الوزير خالد حنفى للوكيل لم يقتصر على استحواذ الأخير على السوق فقط، ولكن أيضا استحواذه على أكبر عدد من أصوات الناخبين والظفر بمقعد داخل البرلمان القادم حيث كان إلغاء الحبس فى التوجيه الوزارى رقم 10 ضد أصحاب المخابز حال ارتكاب مخالفات، وتهريب الدقيق بجانب فتح حصص الدقيق لمخابز الإسكندرية دون تقييدها أسوة بباقى المحافظات بهدف خلق حالة من الرضا بالشارع السكندرى لحصول الوكيل على أصوات الناخبين بدعم غير مباشر للتموين، لكن جاءت الرياح بما لا يشتهى الوكيل بعد قرار تأجيل الانتخابات البرلمانية.∎