لايزال الانفلات الأمنى يترك آثاره السلبية فى بعض المناطق المهمة فى القاهرة خاصة بيع المخدرات ونهب الآثار، حيث يتم الحفر علنًا أمام أعين الأمن، وبدأت عمليات الحفر بمنطقة عرب الحصن بحى المطرية خلسة عندما عثر بعض الأهالى على آثار تحت منازلهم أثناء إحلالها وتجديدها، خلال الفوضى إثر انسحاب الشرطة فى غضون ثورة 25 يناير، مما أدى إلى وجود اعتقاد سائد لديهم بأن بيوت المنطقة كلها تحتها آثار. فى الوقت الذى يرفع فيه المسئولون فى وزارة الآثار أيديهم عن السيطرة على الأمر والوقوف فى وجه المخالفين، ويقومون فقط بتحرير المحاضر بالمخالفات والتعديات، ومع الكثافة السكانية التى تحيط بالمكان من كل الاتجاهات، ومصانع تكرير البترول التى توجد فى البر الغربى من المنطقة التى كان مردود وجودها بالسلب على الآثار الموجودة. تتمتع منطقة المطرية بوجود قطاع كبير من الآثار جعلها مطمعًا فى أعين الجميع مع إهمال كبير من المسئولين، حوت منطقة المطرية بأحيائها مسلة سنوسرت الأول التى يبلغ طولها 20 مترا وترجع إلى الأسرة الثانية عشرة، وشجرة مريم التى يقال عنها أن السيدة العذراء استظلت بها مع طفلها المسيح وتقبع بدخلها بئر ترجع إلى العصر الرومانى، وعمود مرنبتاح ويرجع إلى الملك منبتاح. أشهر مناطق حى المطرية منطقة عرب الحصن «تل الحصن الأثرى» وتحوى بعض الرموز الأثرية المهمة مثل منطقة المعابد، وأبو الهول، وعمود مرنبتاح بمنطقة المسلة الجديدة، والتى تعرضت للعديد من محاولات سطو على تلك الآثار، إلى جانب تحويلها إلى منطقة يقبع بها محترفو الإجرام بدلاً من كونها وجهة سياحية، حيث كثرت التعديات السكنية على الحرم الأثرى للتنقيب، إلى جانب تربية الحيوانات داخل الحرم الأثرى. «روزاليوسف» رصدت مظاهر الإهمال والسطو والمخلفات والحفر التى لازالت آثاره أمام من يسجلها بالصورة «تل الحصن الأثرى»، وكانت أولى المخلفات التى فرضت نفسها على المكان وجود الغبار على مسلة سنوسرت الأول وتحيط بها القمامة من جميع الجوانب، وعلى بعد أمتار من المسلة توجد عشش الصفيح التى يسكنها معدومو الدخل ليتحول المحيط لمنظر أبشع من قرية مهدمة فى بقاع الصعيد. ومن صور الإهمال الأخرى شجرة العذراء مريم، حيث توجد المياه الراكدة بالبئر الرومانية، كذلك استراحة السائحين المليئة بالقطط، فوجئنا بالصمت التام عن تلك الانتهاكات فكانت هناك روايات متعددة من أهالى المنطقة حيث قال أحدهم: بالفعل هناك سيطرة لبعض العائلات على المنطقة مستغلة نفوذها للتنقيب عن الآثار، والحصول على العديد منها دون أن يستطيع أحد إثبات ذلك عليهم: إلا أنه لاحظ ظهور بعض الأحجار الأثرية التى تخلفت بعد الحفر لتلقى على مرأى الجميع، وعدم الخوف من المساءلة القانونية. وأكد «محمد مجدى» أحد سكان منطقة العرب أنه بعد اندلاع ثورة 25 يناير، ونتيجة الانفلات الأمنى الذى أعقب الثورة زاد إقبال الخارجين عن القانون من العائلات الحاكمة بالمنطقة فى السيطرة على المناطق المملوءة بالآثار وجميعهم من أهالى المنطقة ليقوموا بالحفر وبعد استخراج الآثار التى تكفيهم يقومون بترك المخلفات كما هى، ويتم الحفر بطرق عدة. الطريقة الأولى: هناك من يقوم بالحفر بقوة نفوذ عائلته وأشهرهم وأقواهم عائلة الحاج «عبده» التى اشتهرت بالحفر والتنقيب عن الآثار واستخراجها وأصبحوا ذوى نفوذ وثروة من وراء تلك الآثار. ثم انتقلنا إلى فيلا الحاج عبده، وكانت محاطة بسور عال من الخارج لا يمكن لأحد أن يرى ما بداخلها، ومثل وجود هذه المبانى الفخمة تناقضًا شديدًا بمنطقة أغلب من بها مسجلون خطر، وأكد بعض الأهالى أن الأرض الخاصة بالفيلا من الداخل تم الحفر بها واستخراج الآثار، وعندما توجهنا خلف الفيلا وجدنا آثار الحفر، وبمجرد أن شاهدنا أحد أبنائه أتى على الفور لاستطلاع الأمر. وكان الأمر الأكثر جذبنا للانتباه وجود مثل هذا المبنى بين دواليب المخدرات بأنواعها التى تقودها النساء ويتلصص جذبًا الرجال «أبناء مرسال» الأشهر فى تجارة البرشام وتبعد عدة أمتار عن فيلا الحاج عبده، ثم يلازمها من الجانبين دواليب الحشيش والهيروين لأصحابها المعلم عيد الأشهر على الإطلاق فى تجارة الحشيش الذى لا يجرؤ أحد على منافسته. الطريقة الثانية: يتم التنقيب عن الآثار بطريقة أخرى على مدار فترات متباعدة تبدأ إحدى الشركات الحفر لبناء أساس مصنع، وبعد رفع الأسوار يبدأ الحفر ثم بعد فترة تتم إزالة كل هذه المظاهر وتختفى المعدات وكأن شيئًا لم يكن. ∎ قصص الغلابة وأخيرًا الحفر الذى يقوم به الأهالى الغلابة على أمل العثور على المراد والوصول للأرباح التى حققها آخرون، حيث يتم بناء العشش والسكن فيها فترة ثم القيام بالحفر، ومن يجد أثرًا يحتفظ به حتى يتمكن من التصرف فيه، ثم يختفى، ومن لم يجد يستمر فى البحث والحفر، دون فقدان الأمل. وبالذهاب إلى مكان آخر بالعرب حيث تعددت محاولات الحفر الخلسة للبحث عن الآثار بها البعض نجح بالفعل والآخر فشل، وهى مقابر عرب الحصن التى وجد بها آثار الأحياء أكثر من الأموات وبقايا مخدرات وقعدات أنس يجهزها أبناء المنطقة ليلاً وتظهر آثارها نهارًا. لم ينته الأمر عند هذا الحد، فتلال القمامة تحيط بمسلة سنوسرت الأول التى تعود للأسرة الثانية عشرة، تخفى ملامحها الأثرية والغبار يمحى النقوش الفرعونية التى تشرحها، وأحاطت بها عشش الصفيح فى عشوائية تخالف القواعد التى تجلب وفودًا من السائحين. ∎ قبضة البلطجية الدكتورة مونيكا حنا، أستاذة الآثار المصرية بالجامعة الأمريكية وعضو الحملة المجتمعية للحفاظ على التراث والآثار تؤكد أن منطقة «عرب الحصن» التى تعرف أيضًا بحى المطرية، تتعرض إلى سلسلة متعمدة من التعديات والإتلاف من قبل مافيا الأراضى والخارجين عن القانون، ولم نجد ترحيبًا من الوزارة بالحملة التى تم إطلاقها من قبل للمحافظة على آثار العرب وتنظيف المنطقة وتطويرها. مشيرة إلى التباطؤ التام من الوزارة فى اتخاذ إجراء اتجاه العديد من البلاغات التى تقدمت بها الحملة دون اهتمام، ولم يتخذ أى إجراء لوقف الانتهاكات المبلغ عنها، لذلك تحاول الحملة استغلال الضغط الإعلامى والشعبى عن طريق تثقيف المواطن وتوعيته، وأضافت: لا أجد تفسيرًا لهذا السكوت التام من الوزارة والمسئولين، تاركين الأهالى تفعل ما تشاء، وطالبت بتأمين الآثار بالمطرية وعرب الحصن، وعين شمس، والمسلة، خاصة أن عمليات الحفر الخلسة مازالت مستمرة حتى الآن بحثًا عن الآثار، باعتبار أن المنطقة بها ثراء تاريخى وأثرى كبير. الوزارة من جانبها تنفى جميع الانتهاكات بحجة أن الحفر قديم، إلا أن الحملة رصدت نحو 20 موقعًا أجنبيًا يبيع الآثار علنًا، كلها تم تهريبها من مصر خلال الحفر الخلسة فى المواقع الأثرية. وتشير الدكتورة مونيكا إلى أنه تم رصد تجارة السلاح داخل معابد الشمس أثناء التظاهرات، وأن الحملة أزالت 9 أطنان من القمامة فى يوم واحد فقط من العرب. وقالت إن ظاهرة بناء المقابر على المواقع الأثرية أكثر انتشارًا بدهشور والمطرية وتلك المواقع مسجلة فى وزارة الآثار وتستطيع الوزارة استردادها بالخرائط، ولكن ستجدها بلا آثار تمامًا لأنها بالفعل تم تنقيبها بالكامل وطمثت معالمها. وأكد أحد المصادر فى الآثار أن معبد الرعامسة نسبة إلى الملوك رمسيس الأول والثانى والثالث، ويعد من أهم المناطق الأثرية بالقاهرة، يوجد به العديد من الغرف تمارس فيها الدعارة.∎