المبدعون الحقيقيون على موعد لافتتاح المسرح القومى العريق خلال الشهور الثلاثة المقبلة، لعل إعادته للحياة مرة أخرى طوق نجاة لإنقاذ أبو الفنون من الغيبوبة الطويلة التى أصابته منذ 6 سنوات وتحديدا بعد تعرضه للحريق المشئوم عام 2008 وتوقف نبضه الإبداعى ومعه تعثرت الحياة المسرحية فى مصر. تعثر الحياة المسرحية دفع كبار النجوم إلى طلب حق اللجوء إلى السينما كمتنفس وحيد وأيضا التليفزيون، ولكنهم جميعا أصيبوا بالصدمة والهلع لما يحدث فى الشارع السينمائى والدرامى بين عبادة الأجساد تارة والرهان على الابتذال تارة أخرى حتى وصلنا إلى ما نحن عليه الآن من تدهور وانسحاق وصل إلى أعلى درجاته، والمؤسف أنه ترك آثارًا كارثية على الثقافة المصرية العريقة وضياع القضايا الكبرى. عودة أضواء المسرح القومى هذا الصرح العملاق الذى شُيد عام 9681 فى عهد الخديوى إسماعيل على أحدث طراز معمارى وفنى والذى كان يضاهى أعرق مسارح العالم، هو إعادة كتابة للتاريخ الذى توقف وعودة الرمز والقدوة والهيبة للإبداع المصرى ليواصل التحليق والإبداع على مسرح الحياة. هذه العودة فى هذا التوقيت تعكس وعى الدولة ورغبتها الحقيقية فى رد اعتبار الفن المصرى باعتباره رافدا ثقافيا وحضاريا فى منتهى الأهمية والخطورة للأجيال الجديدة، ولهذا لا يجب أن نغفل الدور الكبير للقيادة السياسية وعلى رأسها الرئيس عبدالفتاح السيسى بالإسراع فى افتتاح المسرح العريق بعد تجديده وتطويره، ومن المتوقع أن يشهد رئيس مصر الافتتاح الكبير وإلقاء خطبة عن دور المسرح فى حياة الشعوب وتأثيره على المجتمع المصرى، ومن حسن الطالع أيضا أن على رأس الإدارة الثقافية والمسرحية مخرج بحجم تامر عبدالمنعم رئيس قطاع الإنتاج الثقافى وهو من أكثر أبناء جيله هما بالمسرح وآلامه وأوجاعه ليكون شاهدا على عودة هذا الكيان العملاق وهو مازال فى جعبته الكثير لأبو الفنون باعتباره من أحد أبنائه المخلصين. عودة المسرح القومى وعودة طبوله الأثيرة للعزف لعله جرس إنذار أخير للمتطرفين الذين أفسدوا الحياة فى مصر بفتاواهم المريضة وأحكامهم العبثية وبالتالى غلق صفحة طيور الظلام ولعل هجمتهم على مسرحية «دنيا حبيبتى» لجلال الشرقاوى التى اتهموها بازدراء الأديان هى الختام الأسود لآرائهم المسمومة ومعهم المسئولون عن جهاز الرقابة وملاحظاتهم المشبوهة، كان تدخلهم المريب لتقليب الهاربين والمنافقين على العمل المبدع الذى قدمه المؤلف أيمن الحكيم وأخرجه الشرقاوى لحفظ ماء وجه المسرح المصرى الغائب عن المشهد منذ فترة طويلة. «دنيا حبيبتى» وثيقة الحكيم والشرقاوى المسرحية مازالت هى الشهادة الحقيقية التى كشفت المزورين والمتاجرين بالدين بعد أن فضح المصريون مخططاتهم السوداء لإعادة «أم الدنيا» للقرون الوسطى وعصور الظلام. انتصار الإبداع فى مسرح الفن وعودة المسرح القومى بارقة أمل لاستعادة عصر الإبداع الجميل على خشبة المسرح.. وعلى نجوم وعمالقة المسرح سميحة أيوب وسهير المرشدى ومحمود ياسين وحسين فهمى وغيرهم، بدون استثناء، استغلال افتتاحه وتحويله إلى عيد للمسرح القومى بعد إعادة أضوائه لتنير سماء القاهرة قلب العالم ولمواصلة رحلة التنوير ومن قلب مصر.؟