تحدث الدكتور جابر عصفور فى الجزء الأول من حواره إلى «روزاليوسف» عن المعارضة التى يواجهها من قبل المثقفين المعترضين على قراراته فيما يتعلق بسياسات النشر الجديدة.. وعن دور الثقافة الجماهيرية.. وتبنى الوزارة لشعارات 25 يناير و30 يونيو.. وفى الجزء الثانى نستكمل معه الحوار فالدكتور جابر عصفور مثقف عربى مستنير له مكانته العلمية عربيا ودوليا كناقد أدبى وأستاذ للأدب العربى.. لديه رؤية فى قضايا وطنه العربى الكبير.. يدعو للتنوير منذ أربعة عقود خاض معارك ضارية ضد الأفكار الظلامية.. وواجه بأفكاره وأدبياته كل جحافل التخلف. تولى وزارة الثقافة لساعات فى حكومة أحمد شفيق.. وسجل موقفه رافضا بقوة أن يعمل تحت مظلة الحزب الوطنى فى مثل هذه الظروف الاستثنائية وقال بعد ثورة 52 يناير لابد أن يتغير كل شىء.. وجاء مرة أخرى وزيرا للثقافة.. بعد أن كتب سلسلة من المقالات حول رؤيته للعمل الثقافى على أثرها تجدد ترشيحه بقوة لتولى قيادة العمل الثقافى.. وعندما بدأ فى اتخاذ إجراءات ثورية حاسمة بدأت حملة غاضبة فى مهاجمته.. على خلفية إقالة عدد من رؤساء تحرير إصدارات وزارة الثقافة.. وسياسة النشر الجديدة فى وزارة الثقافة. ∎ نبدأ بميزانية وزارة الثقافة المتواضعة.. فوطن بحجم مصر لا يليق أن تكون ميزانية ثقافته .35٪ من إجمالى الموازنة العامة.. تلتهم 90 ٪ منها الأجور والرواتب.. ليصبح نصيب الفرد من الثقافة 26 قرشا فقط.. فكيف ستحقق أهداف الدولة المدنية ومواجهة الإرهاب الأسود وتستعيد العقول التى غيبت ب 26 قرشا فى العام.. أليس هناك أمل لرصد ميزانية ضخمة للعمل الثقافى الذى لم يصبح ترفا بل هو السبيل الوحيد لاستعادة المصريين لوعيهم ضد الإرهاب الأسود؟ فيما يتصل بالميزانية، فهناك اتفاق مع رئيس الوزراء، على ألا يكون هناك عائق مادى أمام حرية الحركة فى وزارة الثقافة وحتى الآن لا أستطيع أن أشكو من مشكلات مالية صعبة تواجهها وزارة الثقافة، ورغم كل المشاكل الاقتصادية والمالية التى تواجهها الدولة فلم أشعر حتى الآن بأى رفض لمواجهة العجز المالى، وكان الدليل الأول الإيجابى على ذلك.. عندما فوجئ الدكتور أحمد مجاهد بأن ما كان مخصصا لمكتبة الأسرة هو 2 مليون جنيه، وبعد الاتصال بوزير التخطيط، رفعت الوزارة المخصص من 2 مليون إلى 8 ملايين جنيه، وتمت الاستعانة بشركائنا فى المنظومة الثقافية من وزراء التربية والتعليم والسياحة والشباب والرياضة، واستطعنا أن نصل إلى ما يزيد على 20 مليون جنيه وكل وزارة من هذه الوزارات دفعت دعما لمكتبة الأسرة بلغ 5 ملايين جنيه. ∎ هل فكرت فى وضع استراتيجية للعمل الثقافى تمثل أسسا راسخة لسياسات ثقافية يسير على هديها كل من يأتى بعدك ليستكمل مسيرة الاستنارة .. ويسد الفجوة الحضارية التى تفصل المواطن البسيط عن ثقافة الدولة الديمقراطية المدنية الحديثة؟ هناك استراتيجية ومبادئ عامة.. أما عن السياسات الثقافية فقد كتب السيد ياسين ورقة عمل (تعنى مسودة)، وقمنا بطباعة هذه الورقة الأولية ووزعناها على أعضاء المجلس الأعلى للثقافة، وكل أعضاء اتحاد الكتاب، وعلى المجموعات الثقافية المختلفة، والنوادى الثقافية الملحقة بقصور الثقافة، وذلك لتكون ورقة العمل أساسا لحوار مجتمعى واسع، على أمل أن تكون نتائج هذا الحوار هى الصياغة النهائية للسياسات الثقافية للدولة.. ولذلك أنا أرجو من الذين ينتقدون ورقة السيد ياسين على أساس سنه أن يكونوا أكثر موضوعية، وأن يقرأوا الورقة ويضيفوا إليها كل ما يعن لهم من أفكار، ويسهموا فى إكمالها، وفى صياغتها، فهذا هو الأصل فى أى ورقة عمل تقدم للحوار المجتمعى، وهذا هو المعنى الملازم للديمقراطية فى حالات المشاركة المجتمعية، أما المنظومة الثقافية، فقد قمت أنا شخصيا بصياغة المبادئ الخاصة بها على مستوى وزارة الثقافة من ناحية وعلى مستوى الوزارات الأخرى من ناحية ثانية، وحدثت مناقشات بين وزير الثقافة وسبع وزارات ممثلة لوزارات داخلة فى المنظومة الثقافية، وتم عرض الصورة الأولى لهذه المنظومة على أعضاء المجلس الأعلى للثقافة، وعلى عدد من لجان المجلس الأعلى، وعندما ينتهى الأمر خلال شهر أكتوبر، ستكون هناك منظومة ثقافية متكاملة يمكن طرحها لكى تكون دليلا للعمل الثقافى، سواء فى وزارة الثقافة أو غيرها من الوزارات المعنية بالشأن الثقافى. ∎ ولكنك ذكرت من قبل أن الأستاذ السيد ياسين كان مكلفا منذ عام 2000 أى منذ أربعة عشر عاما بوضع استراتيجية للثقافة.. فقلت سيادتكم يأتى بها بعد تطويرها مع لجنة صغيرة لتكون ورقة عمل نتحدث حولها.. ولكن معظم المثقفين اعتبروا أنها استراتيجية وزارة الدكتور جابر مما أثار لغطا كثيرا.. ألا ترى سيادتكم أن الإيقاع المتلاحق للأحداث.. والمتغيرات الجذرية التى يزدحم بها المشهد الثقافى والسياسى تحتاج منا إلى العمل بأدوات جديدة.. فهل تصلح الآن استراتيجية وضعت منذ 14 سنة لأن تأخذ بيدنا ثقافيا.. حتى لو تم تطويرها؟ أولا ما طرحه السيد ياسين وأعضاء اللجنة التى اشتركت معه فى صياغة الورقة، كان مشروعا أوليا، ويجرى حتى الآن، وقد لحق بورقة السيد ياسين ورقة أخرى للسيد غطاس عن المعرفة الشبابية فى ظل ثورة التكنولوجيا، وأثرها على الحركات الشبابية، ومنها ما حدث فى 25 يناير و30 يونيو، وهناك مجموعة من الأحداث الأخرى التى تجرى حاليا والتى ستكون هى المكملة لها، والتى وضع مقدمتها السيد ياسين، وهذه الأوراق يعدها مجموعة من المختصين من أجيال مختلفة متوافر فيهم الكفاءة والخبرة، وظنى أن المسألة لا ينبغى أن نبسطها هذا التبسيط المخل، فنجعلها محصورة فى سن أو عمر، فمن الممكن أن يكون لمن فى سن السبعين عقلية شاب فى سن الثلاثين، والعكس صحيح بالقدر نفسه، فما أكثر الأفكار لكتاب فى الثلاثين وأشعر بأنهم جاوزوا المائة عام. المهم أن نبحث عن الكفاءة، أو عن الرأى الذى يصلح للبناء بغض النظر عن عمر قائله، أما التحيز للشباب مطلقا، أو للكبار مطلقا فهذا «تفكير قاصر»، ولا يمكن أن يبنى مستقبل أمة، وما يؤكد ذلك أننى عندما طرحت الورقة المعدة من السيد ياسين على المجلس الأعلى للثقافة وجدت إضافات بالغة الثراء، من شخصية مثل سيد حجاب وهو ليس شابا صغيرا فى السن، ووجدت أفكارا لا تقل عنها ثراء من شباب رائع فى لجنة الشباب، بالمجلس الأعلى للثقافة، وهذا ما يجعلنى بعيدا عن هذه النظرة الضيقة للأجيال، أنا أبحث عن الكفاءة والخبرة معا، ملازمين للروح الشابة المتمردة على الأوضاع الساكنة والجامدة، فمن يمتلك هذه الروح صغيرا أو كبيرا، رجلا أو امرأة، فأهلا به ومرحبا، ومن لا يمتلك هذه الروح كبيرا كان أو صغيرا فله الشكر والتقدير على أى حال. ∎ هل يكفى إصدار كتب الشيخ عبد المتعال الصعيدى والدكتور محمود شلتوت.. وإلحاق شيخ مستنير من الأزهر بعضوية لجنة مشروع مكتبة الأسرة.. لتجديد الخطاب الدينى ومواجهة الفكر الظلامى الإرهابى.. وعدم وصول الدعم الثقافى لمستحقيه.. هل هذا يكفى وحده لاستعادة الوعى الغائب؟ تجديد الخطاب الدينى ليس مهمة دينية يختص بها رجال الأزهر وحدهم، وإنما هى مهمة وطنية يشترك فيها المثقفون الحريصون على ثقافة وطنهم خصوصا فى مكنونها الذى يهم كل مواطن، ولذلك فنحن ننتوى أن نقوم بإعداد مؤتمر كبير من خلال المجلس الأعلى عن تجديد الخطاب الدينى، بالاشتراك مع وزارة الأوقاف، الأمر الثانى أن محاولات تجديد الخطاب الدينى قام بها مثقفون مدنيون ستدخل بالتأكيد فى مكتبة الأسرة، فمفكرون من أمثال أحمد كمال أبوالمجد، وطارق البشرى، وسعيد العشماوى وفرج فودة ونصر حامد أبوزيد.. وغيرهم قدموا محاولات لتجديد الخطاب الدينى ينبغى أن تجد لها مكانا فى مكتبة الأسرة إلى جانب كتب الدكتور زقزوق والشيخ محمد عبده والدكتور عبدالمعطى بيومى.. وغيرهم من شيوخ الاستنارة الأزهريين. ∎ هل ستكون هناك آلية جديدة لدعوة النخب الثقافية الحقيقية فى المرات القادمة ليكونوا فى صدارة المشهد الثقافى فى المؤتمرات والحوارات المجتمعية بما فى ذلك لقاءات رئيس الجمهورية.. خاصة أن المشهد العام اختلط فيه الحابل بالنابل.. بعد ثورتين كبيرتين غيرتا كثيرا من المفاهيم وتحول فيها الكثيرون من اليسار إلى اليمين ومن أسفل إلى أعلى.. ومن الاعتدال إلى التطرف؟ سأترك هذه المهمة إلى أعضاء المجلس الأعلى للثقافة، وهم قادرون على ذلك لأنهم يمثلون تقريبا كل التيارات الفكرية الموجودة فى مصر وكل التخصصات العلمية المختلفة، ابتداء من القانون الدستورى، وانتهاء بعلوم الآثار.. ومن يقترح من المثقفين عددا من الأسماء فمرحبا به، وبعرض الأمر فى النهاية على المجلس الأعلى للثقافة. ∎ تعانى الأنشطة الثقافية المقامة فى الأماكن الأثرية من مشكلة تهدد استمرارها، من حيث تبعيتها لوزارة الآثار، ووزارة الآثار أبدت الرغبة فى استردادها أو تقاضى إيجارات سنوية مقابل استغلالها من قبل وزارة الثقافة، فهل توصلتم لحل لهذه المشكلة؟ بالفعل توصلنا لحل مناسب للجميع، فقد تقرر أن تدفع وزارة الثقافة مصاريف استهلاك المياه والكهرباء، وذلك دعما منا لوزارة الآثار، وأنا وعدت وزير الآثار بأن الوزارة لن تطالبهم بنسبة ال (10 ٪) المخصصة لصندوق التنمية الثقافية إلا عندما تنصلح الأحوال المادية للوزارة لأننى أعلم الأزمة المالية الشديدة التى تعانيها وزارة الآثار فى هذه الظروف الصعبة التى نعيش فيها جميعا.∎