اختار الرئيس الأمريكى باراك أوباما ذكرى أحداث الحادى عشر من سبتمبر ليعلن استراتيجية بلاده لمواجهة داعش وذلك بعد فترة قصيرة مما أعلنه سابقًا بعدم وجود استراتيجية محددة للتعامل مع هذه الجماعة الإرهابية! فى الوقت نفسه كان وزير خارجيته يقوم بنشاط محموم بالمنطقة بحثًا عن تشكيل تحالف يصفونه بتحالف الدول سنية المذهب كتوصيف دبلوماسى - يضمن مساهمة تركيا بشكل أو بآخر فى هذه الاستراتيجية.. رأينا الرئيس الأمريكى يهاتف العاهل السعودى قبل إلقائه لكلمته للتأكد من تشجيع العرب على تمويل خطة مهاجمة قوات مرتزقة داعش. هذه المقدمة ما هى إلا مرور سريع على المنهج الأمريكى الذى كان أول من دعم تشكيل قوات المرتزقة هذه فى إطار خطة التعامل مع سوريا والتى انقلب مسارها.. أسرد هنا بعض المعلومات التى يدركها سادة صنع السياسة الأمريكية فى الغرف المغلقة سواء بالكونجرس - والذى تزعم جمهوريوه التصعيد ضد سوريا لدرجة تسلل السيناتور الجمهورى جون ماكين لملاقاة مجموعات مضادة لنظام حكم الأسد وقيامه بلقاء أشخاص من مرتزقة داعش - سربت صورة فى اجتماع يحضره قاتل الصحفى الأمريكى - أو من واضعى السياسات فى إدارة أوباما! وهى حقائق لا يعرفها كثيرون فى أمريكا وخارجها وهى أن إدارة أوباما قامت منذ عامين بجلب متطوعين - وهذا لفظ معدل لوصف مرتزقة - ونقلتهم إلى الأردن لتتولى تدريبهم بواسطة قوات مارينز أمريكية وهذه المعلومة من مصدر أمريكى أضاف بأنه جرى تسليح مرتزقة داعش والذين انطلقوا بعدها إلى سوريا وفق الخطة الموضوعة ولكن مواجهتهم مع فصيل دينى آخر جرى دعمه من بعض الحلفاء «أنصار السنة» سهل لاحقًا وسارع بتطور لم تكن واشنطن متوقعة له بهذه السرعة. لقد غيرت داعش ولاءها!! وذلك بفعل تمددها فى العراق وبالتوازى مع عامل آخر أكثر خطورة حين انضم لهم بعض قيادات حزب البعث وجيش العراق الذى جرى تسريحه بأوامر أمريكية بعد الغزو وساهم أيضا الانهيار السريع للقوات العراقية الجديدة فى المناطق الشرقية من العراق واستيلاء المرتزقة على أسلحة هذه القوات فى إنعاش أكبر تحول فى عقيدة تنظيم القاعدة مدعومين بقوة تسليح! البداية كانت فى خلاف الظواهرى وأبوبكر البغدادى وأثناء محاولات التوصل إلى صلح بينهما ولأول مرة اقتنع الظواهرى بالمنهج الجديد الذى أتت به داعش عبر قياداتها الفكرية، والتى هى عبارة عن مجموعات من العلماء العراقيين الذين تمكنوا من النجاة من عمليات تصفيتهم بعد الغزو وضباط عراقيين ممن درسوا العلوم العسكرية فى الخارج.. والمفاجأة أن عددًا كبيرًا منهم قد تلقى تعليمه فى كلية أركان الحرب الأمريكية عندما أوفدهم الرئيس العراقى السابق صدام حسين فى السبعينيات للدراسة فى أمريكا! أما تحول العقيدة فهذا باختصار عندما انقلب هذا الفصيل وإن كان مرتزقا على فكرة التركيز فى عملياتهم وضرباتهم الإرهابية المعتادة فى مناطق بعينها بأفغانستان واليمن على سبيل المثال.. لأن هؤلاء وجدوا أن هذا الأسلوب يمنح الخصوم الفرصة لهزيمة التنظيم وبالتالى فقدان العمل فى تحقيق حلم إقامة الخلافة ورأوا أن الأفضل هو التوسع فيما يصفونه بالجهاد بشكل أفقى يمتد شرق العالم وغربه وشماله وجنوبه وما تطوله أيديهم! وهكذا صدرت الأوامر لتحريك مرتزقة داعش لاسيما من المجندين عقائديا من المصريين وليبيين ومغاربة وجزائريين تسللوا على مدى العام الماضى نحو الشمال الأفريقى ليتمددوا مرتكزين فى ليبيا.. وبالتالى فإن خصومهم ساعتها لن يقدروا عليهم لذا بدأوا فى تنفيذ ما يطلق عليه «نظرية الدومينو» والقائمة على التغلغل ولو بمجموعات صغيرة فى جميع الدول العربية والاستعداد تنظيميا ولا بأس من عملية هنا وأخرى هناك.. ولا بأس من الاعتماد على تنظيمات دينية أخرى فى أنحاء عالمنا حتى لو كانوا مختلفين معهم بالتوازى مع مجهود ضخم لخلق فصائل عنقودية تحت الأرض انتظارا لتحريك أول صفوف الدومينو لتنهار بعدها باقى المنظومة.. الغريب أن الولاياتالمتحدة تتبع جيدا وتدرس هذه التحركات، هل لاحظتم كيف تحدث الرئيس الأمريكى قبل يومين عن تحجيم داعش وليس القضاء عليها؟!! المدهش أن ما قاله لى أحدهم «انتظرى قريبا تنازل الظواهرى عن موقعه فى تحرك تكتيكى يسلم فيه قيادة القاعدة للملا عمر ليصبح الأخير هو أمير القاعدة فى أفغانستان توطئة لتنصيب أبو بكر البغدادى هو أمير الدولة الإسلامية الكبرى»!! هذه الصورة المختصرة التفاصيل تضع شكلاً أوضح للخطر الذى يمثله هذا الكيان السرطانى الجديد والمتحور من مرتزقة معظمهم تم تجميعهم وتجنيدهم من أوساط المسلمين فى أوروبا بالأساس قبل العصيان.. والبداية الانضمام لتنظيم القاعدة الذى كان أيضا صنيعة أمريكية بامتياز فهل تعلمون أن داعش هذه أرسلت لواشنطن تعهدًا بعدم الاقتراب من إسرائيل مقابل سكوت الغرب على فتوحاتهم! وهل تعلمون أن عنف ودموية داعش تمت الاستفادة منهما فى اقتناص فرصة لاستخدام تهديدهم مبررا لتسليح الأكراد وأن هناك إشارات من تركيا بعدم ممانعتها ليس فقط فى تسليحهم بل مساندة إقامة دولة لهم بشروط تركية!! إن الحادث يا سادة باختصار هو خطر داهم على وطننا العربى ربما على العالم، لذا ينبغى أن نتوقف مجددًا عند قول هنرى كيسنجر «بأن من لا يسمع نفير الحرب العالمية الثالثة لهو أصم» وهو نفسه كيسنجر الذى صدر هذا الأسبوع كتاب جديد له شرح فيه ملامح النظام العالمى الجديد وكأنه يعلن نهاية النظام الذى استمر على مدى القرن الماضى.. كيسنجر تحدث عن ملامح نظام عالمى جديد تنتهى فيه سيادة الدول ويضم أقاليم لا دول.. نظام جديد تتحكم فيه أمريكا وقوة المال.. واعتراف يتفق عليه ب«الكرامة الإنسانية»! على أية حال فمضمون هذا الكتاب فى رأيى هو بمثابة إطار للصورة المتوقعة لعالمنا وهو ما يستحق منا فى عدد قادم شرح مضمونه الخطير!