بجسمه النحيل الضعيف يقف يحمل كرتونة معلقة بشريطين فى رقبته تحوى بعض العصائر والبسكويت، لا يبالى بالشمس الحارقة التى تغطى سماء القناة ولكنه كان يبتسم دائما كأنه فى نزهة مع أصدقائه، يقول- محمد عصام- ل«روزاليوسف» ابن الإسماعيلية أنه قرر المجىء مع أخيه وأبيه اللذين يشاركان فى حفر القناة بدلا من النوم فى المنزل، وأنه يعمل طوال 21 ساعة دون ملل ولا تعب، فهو يفرح عندما يقدم المساعدة للعمال ويروى عطشهم بالعصائر أثناء الحفر. أضاف أنه فى الصف الأول الثانوى وسوف يعود للمدرسة فى شهر سبتمبر وفى الإجازات سوف ينزل للمشاركة فى العمل بالموقع، حيث يحصل على يومية 15 جنيهًا، متمنياً أن يعمل مهندسًا بهيئة قناة السويس.
ويقول عصام فخرى- المنصورة- سائق لودر: المشروع فاتحة خير على مصر كلها، وجئت متبرعا بنصف راتبى فى شراء أسهم بالقناة عند طرحها للاكتتاب، أنا عشت فى تراب البلد دى وخلتنى بنى آدم وده اليوم اللى نرد لها الجميل عشان ولادنا وأحفادنا.
ويحكى رمضان مصطفى- سائق بلدوزر: حضرت من أسوان قاطعا كل هذا المشوار الطويل عشان أكتب اسمى مع قائمة الأبطال الذين يحفرون القناة الجديدة، أشعر بالفخر والاعتزاز والانتماء الذى كان يحكى عنه والدى عندما كان يشارك فى بناء السد العالى، أشعر اليوم أننى أساهم فى كتابة تاريخ جديد لمصر، وأما أموت عيالى هيكونوا فخورين أيضا بابوهم الذى حفر القناة مع أصدقائه.
أضاف مصطفى: «رغم الشمس والحر وغياب الخدمات إلا أن كل ذلك يهون من أجل مصر، الواحد كان بيبكى أما بيشوف المصانع والأقسام والوزارات بتتحرق فى التليفزيون، وكان حاسس بالعجز وأن البلد بتضيع لكن دلوقتى خلاص إحنا بنبنى البلد، وياريت نبص حولنا ونشوف حصل إيه لسوريا وتونس والعراق ونحمد ربنا على بقاء مصر وجيش مصر، وأن الدول العربية بتخرب وإحنا واقفين بنبنى ونأسس لمشروع قومى عظيم.
اختتم مصطفى حديثه باكيا: أنا وصيت عيالى لو مت فى أى وقت خلال سنة حفر القناة يتركونى أدفن فيها، فهذا شرف لى، أن تمر مياه السويس المقدسة على عظامى من أجل مصر.
ومن بكاء عم رمضان إلى بكاء فتحى مرزوق- سائق سيارة نقل ثقيل-: أنا نفسى ربنا يكمل فى عمرى لحد ما أشوف المياه بتجرى فى القناة، مصر تعبت كتير أوى ونفسنا نرد لها الجميل، مصر دى أم الدنيا ولازم أهلها يعيشوا كويس، أنا هتبرع بنص راتبى شهريا لصالح المشروع.. مفيش حاجة كتيرة على مصر، أنا الحمد لله ربيت عيالى وعلمتهم من خير البلد ومبقاش ورايا مسئولية، غير أنى ابنى البلد مع أهلها وأخدم باقى ولادها.
الشباب المصرى المكافح الذى جاء إلى أرض القناة باحثا عن فرصة عمل، لا يعبأ بأى ظروف قاسية، جاء مصمما على المشاركة والإنجاز وتسطير اسمه فى لوحة شرف المصريين الذين يدشنون المشروع القومى، يقول عبدالرحمن محمد ابن القاهرة الذى ترك الحياة السهلة فى التكييفات إلى الصحراء، فهو حاصل على بكالوريوس تجارة: «ليس لدى مانع من حمل تراب على كتفى، مفيش عيب فى الشغل، كلنا لازم نكون وراء المشروع الكبير، لكن للأسف من الصباح وأنا أبحث أنا وزميلى عن أى مسئول بالموقع ليخبرنا بإمكانية توفير فرصة عمل أم لا ولم نجد.
ويقاطعه محمد مجدى حاصل على ليسانس آداب: «أنا من السويس وجئت للعمل بعد التصريحات المتوالية بتوفير فرص كبيرة لأبناء القنال فى المشروع، جئت من المحافظة تاركًا جلسة المكاتب، كل ما أريده موافقة المسئولين عن المشروع السماح لى بإحضار بعض المأكولات والمعلبات وبيعها فى إحدى الخيام.
أضاف: «كل العاملين بالموقع جاءوا تبع شركات المقاولات فمنهم سواقين لوادر وبلدوزرات وتوجد فرص أخرى لغير العاملين بهذه الشركات، مناشدا المسئولين عن المشروع إتاحة فرص أخرى لشباب الخريجين لتعمير الموقع بالمطاعم والمقاهى وخدمات الاتصالات والترفيه أيضا، فالعمال يحتاجون لبعض الترفيه عن يومهم بساعة لمشاهدة تليفزيون أو لعب الكرة على الأقل.
مصطفى عبد النعيم - عامل - أحد المشاركين فى حفر قناة السويس يقول: الجو صعب وتأخر مياه الشرب التى تأتى لنا من حين لآخر طوال اليوم نضطر لشراء المياة المعدنية خصوصاً فى فترة النهار من شدة العطش التى نتعرض لها، وهو يكلفنا عبئًا ماديًا مضاعفًا، خاصة أن زجاجة المياه صغيرة وتنفذ بسرعة.
ويقول حسين عبد الله «سائق لودر» من محافظة الشرقية: نعانى من الإنارة الليلية ضعيفة ولا توجد وسائل لحمايتنا من الشمس نهاراً بالرغم من ذلك نقوم بعمليات الحفر على أكمل وجه حباً فى مصر ولأن شعب مصر لا يكسره شىء.
بينما يشكو الحاج رزق- مقاول قلابات من الشرقية أبو حماد- أنه جاء للمشروع عن طريق إحدى الشركات الخاصة، ويشارك بخمس قلابات فى العمل وكل قلاب يعمل عليه 4 أفراد، والعمل يتم من خلال ورديتين من 6 صباحا إلى 6 مساء، ومن 8 مساء إلى 3 الفجر وفيها ينام العمال فى الموقع لأن المعدية نمرة «6» تغلق 12 ليلا.
عبر الحاج رزق عن بعض الشكاوى قائلا: «العمال يعيشون فى ظروف عمل سيئة وضعيفة جدا، فلا يوجد مخيمات مجهزة للنوم فيها، ولا يوجد حمامات أو مطاعم للأكل أو الشرب، وهذا يقلل من كفاءة العامل خاصة فى ظروف عمل قاسية فى صحراء جرداء الحرارة تصل فيها إلى 45 درجة.
وقاطعه الحاج ياسر خيرى- مقاول لوادر- أن المشكلة لا تتوقف على الطعام بل على أهمية إنشاء القوات المسلحة لمحطة بنزين أخرى بدل الاعتماد على محطة واحدة، بالإضافة إلى أن أسعار السولار المرتفعة تؤثر بشكل كبير على ارتفاع التكلفة، ولا نعلم لماذا لا يكون هناك استثناء لسعر السولار فى مشروع قومى مثل حفر قناة موازية جديدة لقناة السويس.