تعد كتابة عمل درامى مبنى على أحداث تاريخية هى السهل الممتنع عند أى كاتب. فما عليه إلا أن يضع الأساس مبنيا على الأحداث التاريخية ثم يمزج هذه الأحداث مع النسيج الدرامى المطلوب. وحتى إذا أرادت كاتبة عربية لا تدرى شيئا عن التاريخ المصرى أن تؤلف عملا يدور حول فترة تاريخية معينة فى مصر. وحول واحد من أهم حكامها. ولكنها تريد هذا فقط كمقدمة لتبنى من خلالها قصصا عن العشق والغرام والعلاقات الجنسية من خلال نساء هذا الحاكم. فما كان عليها سوى أن تضع الخط الأول وهو تحديد نساء الحاكم وأبنائه الفترة والمكان الذين عاشوا فيه. والأحداث والوقائع التى دارت فى زمانهم. ومن هنا تبنى الكاتبة قصتها كما يحلو لها من تفاصيل تعبر فيها عن العلاقات والصراعات ذكورية كانت أو نسائية. العمل الذى ينتظره الجمهور العربى منذ شهور «سرايا عابدين» والذى كان مقررا عرضه قبل رمضان ولكن يبدو أن الشركة المنتجة قررت أن تضعه على الخريطة الرمضانية لتضمن له مشاهدة عالية، الإعلانات التى سبقت هذا المسلسل والأسماء الكبيرة التى امتلأ بها العمل من الشخصيات الرئيسية للشخصيات الثانوية وتوقيع المخرج المتمكن «عمرو عرفة» عليه، جعل الآمال الكبرى للمشاهدين تتعلق بهذا العمل الضخم الذى لا يرى الجمهور العربى فى العادة أعمالا مهمة وضخمة ماديا وفنيا مثله.
ولكن الكاتبة الكويتية «هبة مشارى حمادة» والتى يبدو أنها لم تكلف نفسها عناء البحث المبدئى حتى على موقع ويكيبديا على شبكة الإنترنت، أفسدت العمل قبل أن يصل إلى منتصفه، ليس فقط فى المغالطات التاريخية ولكن حتى بالأحداث التى لا يقبلها العقل والمنطق، بداية من الحلقة الأولى والتى نجد بها الخادمة «وداد - غادة عادل» تعرض نفسها على طبيب السرايا «صلاح عبد الله» الذى يكتشف أنها ليست عذراء وبالتفصيل يقول لها : «انتى اصلا لساتك بنت ولا مش؟ أصل أنتى لو مش، مش هتوصلى للخديوى ولا انتى مش عارفة.. فترد «وداد»: «يا خيبتك يا وداد الظاهر أن مش مكتوبلى أشوف الهنا والسعد».. فيقول الطبيب: «هتشوفيهم على ايدى أنا.. هتشوفيهم».. وعندما تعرف «وداد» أنها سوف تقدم كهدية للخديوى، تجرى إلى الطبيب وتقول له «أنا فى ورطة ساعدنى زى ما وعدتنى» فيدخلها الطبيب عيادته، وتتمكن فى الأحداث التالية من الوصول إلى الخديوى، هذه المشاهد تؤكد على أن الطبيب قد قام بإجراء عملية أقرب أو هى بالفعل عملية ترقيع غشاء البكارة وهى العملية التى لم تظهر إلا فى نهاية القرن العشرين وليس فى منتصف القرن التاسع عشر الذى تدور به أحداث المسلسل.
وفى الحلقة العاشرة نجد أن الأمير «فؤاد» ابن الخديوى إسماعيل والأميرة «فريال»، يموت بالسم الذى وضعته أمه لقتل الأمير «توفيق» - ابن ضرتها وولى العهد، نجد جنازة الأمير وصراخ والدته وحزن والده وشماتة زوجات أبيه، كل هذه الأحداث غير صحيحة ولا علاقة لها بالتاريخ، فالأمير «فؤاد» ابن الخديوى إسماعيل والأميرة «فريال» هو نفسه الملك «فؤاد الأول» الذى حكم مصر فى الفترة من 1917 وحتى وفاته فى عام 1936 وهو فى الثامنة والستين من عمره.
وما بين عملية ترقيع غشاء البكارة وقتل الأمير.. ينزلق المسلسل فى الأخطاء المتواصلة، من التواريخ المغلوطة فالخديوى من مواليد عام 1830 أى أنه لم يكن حاكما وهو فى الثلاثين من عمره كما جاء فى المسلسل، وإنما تولى الحكم وهو فى الثالثة والثلاثين ,1863 وأعلن عن مجلس شورى النواب وهو فى السادسة والثلاثين عام ,1866 كما أنه عاش فى قصر عابدين بعد توليه الحكم بتسع سنوات. أى فى عام ,1872 ولم تكن والدته «خوشيار هانم» تعيش معه ولكنها كانت تعيش فى قصر الدوبارة، ولكن الوقوع فى خطأ السنوات من الممكن أن يكون عاديا وكاتب العمل الدرامى ليس مؤرخا والعمل نفسه ليس وثائقيا كى يتبع القائمون عليه الدقة فى التواريخ، ولكن إذا كان العمل يعنى بالأساس بنساء الخديوى من زوجات وجوار فكيف يغفر للمسلسل المغالطة فى هذه المعلومات أيضا.
للخديوى إسماعيل ضمن أحدث المسلسل حتى الآن لديه أربعة زوجات هن: شفق، فريال، صافيناز وجشم بينما تزوج الخديوى بالترتيب كل من: شفق، نور فلك التى لم تظهر من الأساس فى المسلسل وهى بالمناسبة والدة السلطان «حسين كامل» الذى تولى حكم مصر بعد عزل ابن أخيه الخديوى «عباس حلمى الثانى»، و فريال، صافيناز، ملك، جانانيار، شهرت، بزم عالم وجشم.
أما الجوارى الحاصلات على لقب «قادين» فلم تكن اثنتين فقط كما ورد بالمسلسل ولم تكن أسمهما: قمر وشمس، وإنما اقتنى الخديوى ست جوارى لقبن بلقب «قادين» أى سيدة باللغة التركية وهى الجارية التى تخص الحاكم فقط وتنال حريتها بعد وفاته، وتأخذ امتيازات ووضع زوجات الخديوى وفقا للتقاليد العثمانية، وقد أنجب الخديوى إسماعيل بالفعل أبناء من القادينات وهم: الأميرات جميلة وأمينة والأمير على جمال والأمير رشيد الذى يظهر فى أحداث المسلسل على أنه ابن الزوجة الأولى «شفق» والتى تظهر أيضا الأميرتان «توحيدة» و«فاطمة» على أنهما بناتها فى حين أنهما بنات الزوجة السابعة «شهرت فزا هانم».
فى النهاية فإن خريطة زوجات وأبناء الخديوى إسماعيل متاحة ومن الممكن لأى شخص رؤيتها ومن المكن لأى كاتب أتيحت وتوافرت له الإمكانيات المادية الهائلة التى توافرت ل«سرايا عابدين»، أن يصنع من هذه الخريطة مسلسل من عشرات الحلقات.. وإن كان الكسل هو سيد الموقف عند الكاتب، فمن الممكن أن يستعين بطاقم قليل العدد من المراجعين الذين من الممكن أن يأتوا له بالمعلومات حتى باب بيته، حتى لا يقوم باللهو والعبث فى تاريخ دولة لها قامة مصر التاريخية وبصمتها الحضارية والتى أنشئت عليها الدول والحضارات.