مفاجآت الكتل التصويتية، وما دار فى كواليس عمليات انتخاب الرئيس لترسم ملامح خريطة جديدة للشارع السياسى، بانكشاف حقيقة تيارات سياسية ترتدى ثوب الشعبية فى الشارع، وتيارات أخرى لم يعلن لها كيان، ولكنها كانت فعالة وقوية، ويرجح أن يكونا من فئات الشباب بالدرجة الأولى وبينهم أجيال أخرى، رفضوا استمرار استراتيجية الحزب الوطنى والإخوان فى المشهد السياسى، فوجدوا منصة المراقبة أكثر فعالية لتحديد البوصلة فى الفترة القادمة. الشارع السياسى فى الفترة القادمة، مرتبط بصراعات موجودة داخل حملة ترشيح الرئيس، التى يتم العمل حاليا على تفكيكها لانتهاء دورها بعد فوز «السيسى»، فكل عضو فى هذه الحملة، سواء كان قيادة أو عضوا نشطاً، يطمح إلى مكان فى المعادلة السياسية الجديدة بالفترة القادمة، سواء من خلال مناصب تنفيذية أو مواقع سياسية بالبرلمان أو التيارات السياسية المؤهلة للتحكم فى الأكثرية، من خلال الهيكل التنظيمى والإدارى المعاون للرئيس الشرعى، وهذا الهيكل ينقسم إلى شقين أساسيين، الأول الفريق الرئاسى المعاون، فيما يتعلق بملفات الأمن والاقتصاد والعدالة الانتقالية والعلاقات الخارجية، وهى ملفات أساسية، بجانب ملفات اجتماعية ماسة كالصحة والتعليم، سيكون لها مستشاريون فى هذا الفريق.
قيادة الأكثرية أو رئاسة البرلمان مواقع مهمة، وسيكون لها تأثيرها المباشر على خريطة التكتلات، فمثلا عمرو موسى، الذى كان واحدا من قادة المعسكرات داخل حملة المشير، يطمح فى الوقت الحالى، بأن يكون على رأس السلطة التشريعية، عبر خوضه الانتخابات عبر القوائم، ومن ثم يكون رئيسا للبرلمان بحسب التربيطات المتبعة أو على الأقل منصب بجوار الرئيس فى ملف العلاقات الخارجية رغم محاولات إبعاده الأخيرة، ولكن المعسكرات الأخرى ترغب فى إبعاد «موسى» عن المعترك الداخلى، بدعم فكرة تقديمه كمبعوث دولى فى الشرق الأوسط، بعد انتهاء ولاية الأخضر الإبراهيمى، بحجة ما يتمتع به الأمين العام للجامعة العربية السابق، بحنكة وخبرة دبلوماسية.
بينما هناك المنصب الأهم، وهو المنصب الثانى فى الدولة، والمتعلق بنائب رئيس الجمهورية وهو المنصب الذى لم يهتم به من قبل الرؤساء فى مصر بصورة جادة، إلا فى حالة تهديد حياتهم للخطر، وهذا ما حدث مع الرئيسين جمال عبدالناصر وأنور السادات، وفى ظل استهداف «السيسى» ومخطات التخلص منه، عبر أطراف داخلية خارجية، فأصبح هذا المنصب مطلوبا بالدرجة الأولى، لحماية الدولة فى حالة تعرضه لأى أذى، ليحل محله النائب، هناك عدة أشخاص مطروحين أمام الرئيس، ولكن الأسهم بحسب مراقبين من داخل الحملة، تشير إلى رئيس المخابرات الأسبق، اللواء مراد موافى، الذى يتمتع بصفات عدة، منها أنه رجل ذو شخصية قوية، ويتمتع بخبرات دولية وخارجية بحكم منصبه الأخير، بالإضافه إلى كونه ابنا للمؤسسة العسكرية، ومازال ينطوى تحت فكرة المصلحة العليا التى يضعها القادة العسكريون بالاتفاق، وهو ما دفعه إلى القطع جزما بعدم الترشح فى حالة خوض «السيسى» الانتخابات الرئاسية.
شخصيات أساسية أخرى فى الحملة، مرتبط مستقبلها بفكرة الفريق المعاون للرئيس «السيسى»، على رأسها السفير كارم محمود، الرئيس التنفيذى للحملة، الذى يمتلك سمعة دبلوماسية رفيعة، وخبرة فى هذا المجال لأكثر من 28 عاما، وتدور التكهنات داخل الحملة، بأن الرجل مرشح لمنصبين، الأول أن يكون وزيرا للخارجية فى حكومة ما بعد البرلمان، أو تولى منصب مستشار الرئيس للعلاقات الخارجية، وأيضا من الشخصيات المهمة فى هذا الإطار، اللواء أحمد جمال الدين، وزير الداخلية السابق، الذى أطاح به المعزول، على خلفية انحيازه للشعب ضد جماعة «الإخوان» الإرهابية فى أحداث الاتحادية، ويعتبر «جمال الدين» من العناصر الأساسية فى حملة «السيسى» ويطلق عليه «الرجل المقرب» للمشير، منذ أن كانوا زملاء فى حكومة «هشام قنديل»، والمؤشرات تقول إن «جمال الدين» ينتظر أحد المنصبين، إما وزيرا للداخلية ليعود إلى منصبه، أو مستشارا للأمن العام، أما ملف الاستشارية الشبابية، فهو منصب أساسى فى فريق عمل المشير، وسيكون معنيا به، كل من مدير قطاع الشباب فى الحملة، حازم عبدالعظيم مؤسس حركة «تمرد»، محمود بدر رغم غضب الكثيرين من مجىء ذكر أسماء من نوعية «بدر».
الانتخابات الرئاسية قامت بتعرية كتل وتيارات، وأعلنت عن اتجاهات وكتل أخرى، لها قوة على الأرض ولكنها تفتقد الاستغلال الإيجابى والقيادة، وذلك على أساس العناصر المشاركة فى العملية الانتخابية، حتى لو كان بعضها ليس طرفا مباشرا، ولكنها تحركت على الأرض، أول هذه التيارات، جماعة «الإخوان الإرهابية»، التى لم تستطع التحرك بكوادرها، بقدر تحركها باستغلال حالة التخبط الشبابى، الذى تسببت فيه الدولة بشكل كبير، مما أضر بوجودهم فى الشارع السياسى، وتأهيلهم للانجذاب من جانب قوى أخرى ترفض الاستحقاق الرئاسى.
كل ما يهم الجماعة «الإرهابية» فى الفترة الحالية، هو التواجد فى المشهد السياسى القادم، ولا تعكف الجماعة التى تشكك فى العملية برمتها من الخارج كضغوط، حتى يكون لها مكان عبر آليات تضعها القوى السياسية، بالاتفاق مع النظام الجديد وهذه الآليات معلنة للجماعة بحكم مصادر خاصة أكدت أن العودة ممكنة ولكن بشرطين أساسيين، الأول هو حسم المعضلة التاريخية بشكل مباشر وعلنى، باختيار مسلك من اثنين، إما العمل الدعوى فقط، أو العمل السياسى دون الاقتراب من الحديث بالدين، الأمر الثانى: هو عدم قبول قيادات السجون والمتورطين فى عمليات الدم، بالتفاوض قبل المشاركة فى العملية السياسية القادمة، والتى لن تخرج عن البرلمان، ولن يقبل بها بالمحليات فى الوقت الحالى، لحين الاطمئنان إلى نوايا من يريدون العودة، وهم أيضا من يجرون المفاوضات حول ذلك، بالتنسيق مع التنظيم الدولى.
دخول الإخوان ليس بشكل فردى ومشاركتهم سيكون عبر أحزاب قائمة ،أقربهم هى حزب «النور» السلفى، الذى أقام بالفعل بحسب مصادر، جلسات فى الداخل، وقت الانتخابات الرئاسية فى أكثر من محافظة، جمعت بين قيادات وكوادر من «الإخوان المسلمين»، وقوى مدنية مقربة لحملة «السيسى».
الكتلة الثانية، والقائمة بالفعل هى «النور»، الذى أصبح منعوتا فى الفترة الأخيرة ب «الظاهرة الصوتية»، وذلك من خلال مشاركته الباهتة فى الانتخابات الرئاسية، على الرغم من قيامه ببعض المؤتمرات، إلا أنه افتقد الحشد وقت التصويت ليثبت من خلال ذلك، أن الحزب موجود بقياداته فقط، وإن قواعده خرجت عنه.
الكتلة الثالثة المواجهة لذلك، هى بقايا الحزب الوطنى، الذين تواجدوا فى الفترة الماضية بشكل قوى، ولكن اهتمامهم الأعلى هو التجهيز للعودة بقوة إلى مجلس النواب عبر انتخابات البرلمان، وتحاول هذه العناصر الالتفاف حول الائتلاف الذى سيكون مساندا للمشير السيسى فى الشارع، والذى يأخذ ثوب التيار المدنى الليبرالى.
الاحزاب اليسارية والحركات الاشتراكية، تقف حاليا فى موقف متخبط من المشهد القادم، بعد أن ترفعت عن المشاركة فى دعم المرشح الأقرب لها، وهو «حمدين صباحى»، مما جعلها تصطدم أمام المسئولية فى الفترة القادمة، وسط توقعات باستمرار التخلى عن المشهد، والوقوف فى ساحة التنظير، وهو ما يفكر «صباحى» فى تحويله فى الفترة القادمة، بعد أن يخرج من ملف الانتخابات الرئاسية ليعيد ترتيب أوراقه فى أمرين، منهم هذا الأمر، الذى يجد فيه صداما حقيقيا، لعدم قدرته على جذب هذه التيارات بشكل رسمى وفعلى.
أما الأمر الثانى الذى يشغل بال «صباحى» فى الفترة القادمة، فهو تكوين كتلة المعارضة، بعيدا عن التيارات التى أسقطته من حساباتها، ولكن الأهم حاليا أمام «حمدين» هو البحث فى أسباب ضياع 4 ملايين صوت، دعموه فى الانتخابات الرئاسية السابقة، وسط أحاديث عن تخبط خطابه السياسى ما قبل وأثناء الدعاية الانتخابية، وفى الوقت نفسه، يتجه «حمدين» نحو ضم الكتلة الشبابية التى سيعمل على مداعبتها حسب أفكارها المنضبطة، وفى نفس الوقت توصيل رسالة أنه سيكون لسان حالهم فى التعامل مع الدولة، أو بمعنى أدق الرئيس الجديد.
فى هذا السياق يقول عمرو عز، من المعسكر الينايرى، أن المرشح «حمدين صباحى»، عليه أن يعيد ترتيب أوراقه حتى يكون رقما مهما فى التيارات السياسية فى الفترة القادمة، وأن يكون جبهة حقيقية للمعارضة، لافتا إلى أنه لم يتعامل مع المزاج السياسى للناخبين، مما ساعد على خروجه بهذه النتيجة، وتابع: نسبة التصويت لحمدين أقل من الذى حصل عليه فى الانتخابات الماضية بنسبة 90 ٪ وهذا لا يمنع أنه كان فى مواجهة خصم قوى، اتجه إليه مزاج المصريين، مشددا على ضرورة النظر إلى نسبة إبطال الأصوات القياسية، والسبب فى عدم حصوله على هذه الكتلة، بالإضافة إلى المقاطعين، وهو ما يدل على فشل حملة «حمدين» فى عدم التأثير.
وأشار إلى أن الأحداث الجارية والمصاحبة للانتخابات، تمهد لحمدين الوجود فى تيار قوى، مواجهة للكتل القائمة، التى ليست بالطبيعة تعبر عن المعترضين سواء بالمقاطعة أو الإبطال التصويتى، خاصة أنه تحمل المسئولية السياسية والوطنية، على الرغم من الضغوط التى مورست من المقربين من أجل الانسحاب، وهنا يكون قادرا على جذب التيارات المتشرذمة التى كان لها وجود فعال بالمقاطعة أو الإبطال، بشرط أننا نتحدث عن رئيس منتخب، لا ينتمى لتيار سياسى بعينه.
فيما قال القيادى فى حزب المصريين الأحرار، عاطف مخاليف، إن فكرة تجمع المعارضة موحدة غير موجودة ولن تتحقق على المدى القريب لأننا ببساطة لم نصل إلى المؤشرات المتوسطة للديمقراطية، ولذلك فإن تيارات المعارضة أو التيارات السياسية بمعنى أعم متناثرة.
وأردف: جميع مواد قانون انتخابات البرلمان، لا تنتج إلا بقايا أعضاء أو أشلاء، والبرلمان هو المحك الرئيسى والأساسى للقوى السياسية، وهو ما يوضح أننا لن نكون أمام كتلة تعبر عن مجموعة بعينها، وهو نفس الحال فى الخارج بالشارع السياسى، ومن ضمن هذه الأسباب العدد الكبير الذى سيضمه البرلمان الجديد، وهو ما يعمل على تفكك التيارات.
ورفض «مخاليف» فكرة وجود حزب «النور» فى الشارع، لافتا إلى أن وجود التيار السلفى أضر بالصالح العام المصرى منذ 2011 حيث تعاملوا واتحدوا مع «الإخوان»، حتى يحققوا الأغلبية، ثم أعطوا للإخوان أدوات الطغيان، بالإضافة إلى أن وجودهم فى الانتخابات الرئاسية بدعم المشير السيسى كان بدون قاعدة فى الشارع، حيث لا نرى سوى رأس هذا التيار ممثلا فى قياداته، أما الجسد فيسير فى اتجاه آخر.
وأردف: جذب هذه الكتل ووضعها فى تيار أمر متاح، لاسيما أن الشارع مفتوح للجميع، والأمر متعلق بمجهودات الناس، وحمدين يمتلك هذه الفرصة بشرط أن يقدم ذلك من خلال حل المعادلة الصعبة، بإنشاء تحالف محترم يمتلك تمويلا قويا وشخصيات فعالة.