هل يستطيع فيلم «حلاوة روح» أن يسبب وقيعة بين مصر ولبنان؟ هل تصل أهمية هذا الفيلم إلى كل هذه الضجة؟ أم أن قرار السيد رئيس الوزراء كان كافياً لاستفزاز مشاعر اللبنانيين إلى هذا الحد.. وبالضرورة إلى تحفز المصريين للرد؟.. كالعادة أى أزمة تافهة بين أى دولتين عربيتين قادرة على تفجير صراع يكمن دائماً فى القلوب والنفوس وما أن تبدأ الأزمة حتى يشهر الجميع أسلحتهم فى وجوه بعضهم البعض. فى الأيام الماضية وبعد قرار منع الفيلم اشتعلت التعليقات لعل أبرزها الهجوم المتبادل بين آثار الحكيم وهيفاء وهبى حيث علقت الأولى على الثانية بأنها تسعى لتدمير الشباب المصرى وأن أعمالها تعبر عن بلدها بينما ردت هيفاء بسخرية بأن «آثار» من «الآثار» القديمة. الهجوم المتبادل فجأة تحول إلى الفضاء الإلكترونى إذا ما نشر أى شىء يخص فيلم «حلاوة روح».. التعليقات عبارة عن سباب وألفاظ بين المصريين واللبنانيين.. من «من أنت كى تتحدث عن مصر يا ابن الكذا» وحتى «كل مجتمعك هو هؤلاء المتحرشون يا أخو الكذا» وهكذا، وفى النهاية تستمر الأزمة فى الاشتعال.
الأمر لم يقتصر فقط على زائرى الإنترنت ولكن بدأت بعض المواقع والصحف اللبنانية تنشر مقالات تحاول من خلالها الرد على ما تتعرض له نجمة لها جمهور كبير وثقل فى بلدها - لبنان، على الرغم من أن «هيفاء وهبى» كانت تتعرض فى لبنان نفسها لحملات هجومية مستمرة فى العديد من الصحف والقنوات اللبنانية نفسها.
الموضوعات التى نشرت فى لبنان لمحاولة ردع الهجوم عن «هيفاء» كان من ضمنها على سبيل المثال مقال للإعلامى «إندريه داغر» تحت عنوان «الجنس فى الأفلام المصرية» قال فيه أن المشاهد الجنسية ليست وليدة فيلم «حلاوة روح» ولا اخترعتها «هيفاء وهبى» فالمشاهد الجنسية والإباحية ومشاهد العرى عمرها فى السينما المصرية من عمر الأفلام الأبيض والأسود وأخذ يضرب أمثلة لأفلام مثل «ثرثرة فوق النيل»، «سيدة الأقمار السوداء»، «ذئاب لا تأكل اللحم» أو نجمات قدمن مشاهد عرى وإغراء تفوق بمئات المرات تلك التى قدمتها «هيفاء» فى «حلاوة روح» مثل «ناهد يسرى»، «شمس البارودى»، «مديحة كامل»، «نادية الجندى»، وصولاً إلى «غادة عبدالرازق» و«سمية الخشاب». ومن هنا يؤكد كاتب المقال أن الهجوم على «هيفاء» وراءه سر كبير، الغريب أن كاتب المقال لم ينتبه إلى أن معظم الأفلام التى استشهد بها وعرض صورا لها كانت من إنتاج لبنان وصورت هناك بالفعل وهى مشهورة فى السينما بأنها الأفلام الجريئة التى صورت فى لبنان فى فترة السبعينيات، وإن كان هذا لا ينفى عن السينما المصرية تقديمها لمشاهد الجنس والإغراء فى أفلام أنتجت ونفذت فى مصر. وفى مقال نقدى عن الفيلم نشر على موقع جريدة «النهار» اللبنانية كتبت «جوزفين حبشى» تحت عنوان «حلاوة روح.. هيفا الحلاوة الوحيدة» حيث تؤكد الناقدة: إن «الحلاوة الوحيدة هى هيفاء وهبى فى فيلم «يطلّع الروح» من شدة سلبيته تجاه قضية المرأة الذى يدعى مناصرتها، فيلم «يطلّع الروح» أيضاً من تقليدية حبكته، ودورانه المسطح فى حلقة أحداث تتكرر على مدار ساعة ونصف الساعة» وتضيف أن الفيلم قدم صورة بشعة عن المجتمع المصرى و تحوّله أدغالاً تسوده شريعة الغاب الحى، شاء صانعو الفيلم أم أبوا، جاء بنظرنا صورة مصغرة عن البلد بكامله، فصوّر المجتمع كله فاسداً، نساءه عاهرات ورجاله قوادين وأنذالاً، ولا قانون أو ممثلون له يحمون المرأة التى قد تتعرض للتهديد والاغتصاب على مرأى من الجميع، فلا يهب أحد لمساعدتها سوى من لا حول له ولا قوة، صورة سلبية جداً، وشريط - أى فيلم - لا مغزى له، وخصوصاً مع النهاية القاتمة التى تكرّس وضع المرأة المداسة ولا تبشر بأى تغيير».
وفى تصريح خاص ل «روزاليوسف» قال الناقد اللبنانى «نديم جرجورا»: «لا تختلف الضجّة اللبنانية، كثيراً، عن شبيهتها المصرية، بالنسبة إلى «حلاوة روح»، على مستوى انحدار النقاش إلى مستويات رديئة. الاختلاف كامنٌ فى مكان آخر: تجنّب «جهاز الرقابة على المصنّفات الفنية» فى بيروت إثارة جدل، فأجاز عرضه، ولم تتدخّل المؤسّسات الدينية، الرسمية وغير الرسمية، فى إجازة العرض، على نقيض ما حصل فى القاهرة.
مقالات متفرّقة كُتبت عن الفيلم، تناولت غالبيتها الساحقة مشاركة اللبنانية «هيفاء وهبى» فى تأدية دور البطولة النسائية الأولى النجمة، والسجادة الحمراء فى العرض الافتتاحى الأول، وفنانون وإعلاميون وسياسيون لا علاقة لهم بالسينما إطلاقاً أشادوا به وبها، متفوّهين بكلام يُساق فى مناسبات أخرى شبيهة، قليلة هى المقالات السجالية، التى ابتعدت هى أيضاً عن الفعل السينمائى المباشر، متّجهة إلى مناقشة الآراء الرجعية التى قيلت فى الفيلم، والمناخ الذى أثاره الفيلم، والمقاربات المتنوّعة التى أصابته، أى أن النقد، كفعل إبداعى فى قراءة النتاج، مازال شبه غائب، بعد مرور أسبوعين اثنين فقط على بدء عروضه التجارية فى صالات لبنانية متفرّقة. فى العاشر من إبريل، بدأت العروض، وحتى 23 إبريل بلغ عدد مشاهديه 32 ألفاً و993 مُشاهدا، فى بلد مثل لبنان، يُعتبر الرقم جيّداً، مع أن المنافسة كانت شديدة فى الأيام الأولى بين «حلاوة روح» و«نوح» للأمريكى دارن أرونوفسكى، الذى عرف، بدوره، حملة عنيفة ضد عرضه فى مصر، والذى انطلقت عروضه التجارية اللبنانية فى اليوم نفسه مع «حلاوة روح». غير أن «نوح» تفوّق على «حلاوة روح»: فى الفترة نفسها (أول 14 يوماً من العروض التجارية اللبنانية)، بلغ عدد مُشاهديه 44 ألفاً و694 مُشاهداً، كما أن «نوح» تفوّق على «حلاوة روح» على مستوى النقد: قراءات أعمق، وأكثر جدّية وسجالية لكن، هل أن هؤلاء جميعهم، الذين اشتروا بطاقات دخول، أحبّوا الفيلمين؟ هل جميعهم «صمدوا» إلى النهاية؟ أياً يكن، فإن «حلاوة روح» يبقى أحد تلك الأفلام المصرية المنضوية فى خانة «الاقتباسات» الفاشلة عن أفلام أجنبية. ويضيف «جرجورا»: «بعيداً عن كل ما قيل من كلام سيئ بحقّ الفيلم والعاملين فيه، متمثّل «الكلام السيئ» بما يُشبه الشتيمة والتحقير والتعابير المسطّحة، لا يُمكن اعتبار «حلاوة روح» فيلماً متماسكاً، جمالياً ودرامياً ومعالجة وتمثيلا، صحيح أنه مصنوع على قياس هيفاء وهبى، وعلى قياس جمالها ومحاولاتها الدائمة لاحتلال مرتبة الفنانة الإغرائية «وهى ليست محاولات ناجحة أصلاً، لا على مستوى الفن، ولا على مستوى فنانة إغراء بالمعنى المعروف سابقاً فى تاريخ السينما المصرية والعربية»، وصحيح أن كل ما يحيط بها من ممثلين ومناخات وحكايات وتفاصيل مرتبط بحضورها أولاً وأساساً، وهذا حقّ مشروع لصنّاع الفيلم «أفلام أجنبية كثيرة تُصنع على قياس ممثل أو ممثلة»، إلاّ أنه يستحيل اعتباره فيلماً سينمائياً مستوفياً شرطه الإبداعى: قصّة مصطنعة، ومعالجة درامية ركيكة، واعتماد مطلق على إغراءات شكلية، وكلاشيهات معروفة ومُكرّرة، وتمثيل عادى «باسم سمرة ومحمد لطفى وغيرهما»، سينمائياً، لا يُمكن التعاطى مع «حلاوة روح» إلاّ بكونه فيلماً تجارياً استهلاكياً عادياً، أو ربما أقل من عادى بقليل. لكن الرأى النقدى السلبى بالفيلم «وهو هنا مختصر» لا يعنى قبولاً لا بمنعه من العرض التجارى، ولا بالهجوم السيئ الذى شنّته عليه مؤسّسات دينية واجتماعية، والذى شنّه عاملون فى حقول المعرفة والثقافة والدين أيضا، لكل فيلم، مهما كان رديئاً على المستوى النقدى، الحقّ فى أن يُعرض، وفى أن يُشاهده الجمهور، وفى أن يقول الجمهور رأيه فيه، إلى جانب الرأى النقدى أيضاً».