اعتدنا على أن نسمع عن القبض على أكبر شبكات للتجسس، وأخطر جاسوس فى العالم، والجاسوس المصرى الذى يتجسس لصالح دولة إسرائيل فأصبح فى ذهننا أن الجاسوس هو الشخص الذى ينقل المعلومات الخاصة ببلده لبلد آخر عدو، ولكن بمرور الأيام والتغيرات التى تمر بها المجتمعات فوجئنا بأن الجاسوس تغير من حال إلى حال فأصبح الجاسوس ثلاجة منزلية وتليفزيونا وماوس الكمبيوتر وقلما ومنبها وساعة وميدالية وعلبة كانز وتوكة شعر وخاتما وأشياء أخرى كثيرة من هذا القبيل. وبدلاً من أن كانت المعلومات تنقل لدول أخرى أصبح الزوج يتجسس على زوجته أو العكس، وبالتأكيد الجانب الأهم فى التجسس الآن هو الجانب السياسى، وقد سمعنا فى الفترة الأخيرة عن تسجيلات المكالمات الهاتفية الخاصة بالنشطاء السياسيين، وتسريبات العديد من الشخصيات العامة. ومؤخراً فى روسيا كشف متخصصون فى مجال الإنترنت عن أن هناك أجهزة منزلية (ثلاجات - تليفزيونات) بداخلها أجهزة تتصل بشبكة الإنترنت تستطيع عن طريقها الشركة المصنعة التجسس على من يملك هذه الأجهزة، ولكن الأخطر والأكثر انتشاراً هو على صعيد أجهزة المحمول الذكية وتطبيقاتها فالخوض فى عالمها يجعلك تسير فى آفاق مختلفة وتدخلك فى عالم الجاسوسية، وعن ذلك كشفت صحيفة «نيويورك تايمز» أن المخابرات الأمريكية والبريطانية تستغل عدداً كبيراً من تطبيقات المحمول من أجل جمع البيانات الشخصية حول مستخدميها، وأنها تستطيع من خلال تطبيقاتها نقل المعلومات الشخصية المتوفرة على جهاز المحمول الشخصى مثل الأسماء المحفوظة فى قائمة الهاتف والأماكن التى يتردد عليها صاحب الهاتف من خلال تطبيق «خرائط جوجل» google map.
وجاء فى وثيقة بريطانية سرية صادرة عام 2012 أنه بإمكان الجواسيس الحصول على بيانات مختلفة تخص «الآراء السياسية» و«الانتماء الجنسى» للشخص المستهدف باستخدام التطبيقات الموجودة على هاتفه المحمول.
ومن ثم أصبح الحصول على معلومات لأجهزة المخابرات من الأمر اليسير بعد أن كان من أصعب المهام التى يكلف بها رجال المهام الصعبة فأصبح الشخص بكامل قواه ورضاه الشخصى يكتب كل ما يخصه ويخص عائلته، ويضع صوره ويقول كل شىء مقابل سؤال بسيط فى مواقع التواصل الاجتماعى، وكتابة كل شىء عن حياتهم الشخصية وماذا يأكلون؟ وبماذا يشعر الآن وما يدور فى باله؟.. وفى المقابل تحتفظ هذه المواقع بسجلات المستخدمين على كمبيوترات عملاقة، وبعضها يعلن صراحة أنه يبيع تلك السجلات لمن يرغب، بما فيها وكالات الاستخبارات طبعاً.
وهناك مواقع أخرى تقدم لك خدمات جاذبة مثل الاتصالات المجانية، لكنها فى الآن ذاته تراقب كل الاتصالات والتفاعلات التى تتم عبرها، وتقوم بتسجيلها فيما يسمى بالشبكات العميقة لأغراض حكومية وأمنية وبحثية وتجسسية، وذلك مثل برنامج «الفايبر» الذى تخطى عدد مشتركيه نحو 500 مليون نسمة ويستخدم هذا البرنامج فى التجسس على شخصيات معينة فى الجهات السرية وبعض المسئولين فى الدولة، ومع الأسف أكد خبراء الاتصالات أنه من الصعب فى مصر السيطرة على مثل هذه البرامج والحل الوحيد هو منع خدمة الإنترنت، وبالتأكيد هذا من المستحيل لأن تحجيم هذه البرامج يحتاج إلى تكلفة عالية للغاية. وقد كشفت دراسات أن بعض أجهزة الموبايل تقوم يومياً بتصوير صاحبها دون أن يدرى.
وقد وصف «جوليان أسانج» صاحب موقع ويكيليكس مواقع التواصل الاجتماعى بأنها أكبر شبكة تجسس عرفها التاريخ لصالح وكالات الاستخبارات العالمية، فهى تعتبر أكثر وسيلة يمكنها توفير معلومات وبيانات عن الأشخاص. واعتبر أسانج أن كل مستخدمى مواقع التواصل يقدمون بيانات مجانية لوكالة الاستخبارات، وأن تلك المواقع ما هى إلا واجهات لهذه الوكالة الاستخباراتية أو تلك.
وكشف أحد التقارير عن أن «مكتب التحقيقات الفيدرالية الأمريكى» يقوم بالاطلاع على كل ما يرد دورياً من أخبار وآراء وتوجهات على شبكات التواصل الاجتماعى، بحيث يتم جمع البيانات والمعلومات المجانية التى يقدمها الناس عن حالهم طوعياً وتحليلها.
وفى النهاية أصل إلى نص القانون الذى يعاقب كل من قام بالتجسس سواء على الصعيد السياسى أو غيره (المادة 309 من قانون العقوبات لعام 1972 ) تنص على أنه يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على عام كل من يقوم بتسجيل أو نقل أسرار وخصوصيات الأفراد واقتحام حياتهم الشخصية خلسة، وعلى الرغم من وجود مادة قانونية تنظم هذا الجرم إلا أنها غير كافية ولابد من تغليظ العقوبة وتطبيقها بشكل حاسم.