اندلعت النيران فجأة فى شقة الجيران.. تسرب دخان كثيف أولا ليعطينا نحن الجيران إنذارا حقيقيا.. قبل أن تندلع النيران واضحة رأيناها من شباك مطبخهم المفتوح على المنور. وعندما حاولنا كسر باب الشقة المغلق لإنقاذ جارتنا المريضة طريحة الفراش.. حذرنا واحد من الجيران.. قال إن كسر باب الشقة جريمة يعاقب عليها القانون.. وهناك إجراءات إدارية وقانونية لابد أن تتخذ قبل اقتحام الشقة وإلا تعرضنا جميعا للحساب والمساءلة.. ولا تنسوا أبدا أننا دولة ديمقراطية لها دستور وقانون يحمى حقوق الأفراد والجماعات.. ولا يجيز أبدا اقتحام شقق الجيران لأى سبب من الأسباب!
جار آخر انبرى للأول.. قال له إن كسر باب الشقة هو الحل الوحيد.. ولاحظ أن النيران مازالت محدودة ويمكن السيطرة عليها.. ثم إن جارتنا مريضة ضعيفة لا يمكنها التعامل وحدها مع المشكلة.. ولابد من اقتحام الشقة لإطفاء الحريق الآن.. ولا يمكن لنا الانتظار حتى حضور عربة المطافئ.. وأنت تعرف أنها يمكن أن تتأخر ولا تنس حالة الارتباك المرورى.. رغم أن الحريق أمامنا لايزال محدودا ويمكن السيطرة عليه بسهولة.. والانتظار يعنى إعطاءه الفرصة وترك الشقة ليسرح فيها كلها.. ثم يمتد لباقى العمارة.. وفى مثل هذه الحالات، فإن المواجهة السريعة هى الحل الأمثل لدرء الخطر عن المجتمع المحيط.. ولكن الجار الأول حذرنا بوضوح.. قال إن القانون واضح قاطع.. وللشقق حرماتها.. ولا يمكن لأى جهة أو شخص اقتحام حرم الشقة بحجة أن هناك خطرا يتهددها.. وحتى ضابط الأمن لا يمكن له اقتحام حرم شقة مواطن آمن دون الحصول على إذن صريح من النيابة.. إذن قانونى ممهور بخاتم النسر وتوقيع رئيس النيابة شخصيا..!
استمر الجدل والنقاش والنيران تشتد وتحتدم.. والدخان الأسود يزداد كثافة.. وجارتنا مريضة فى حجرتها لا تكاد تنتبه للخطر المحيق.. والحريق يهدد بالانتشار والامتداد لباقى شقق العمارة.. بما يعنى امتداد الخسائر لتشمل المجتمع المحيط والآمن الذى لم يستعد لمواجهة الحريق الذى يهدد بالانتشار والتوسع.
تطوع أحد الجيران الذى لم يتكلم أبدا.. ظل مستمعا لحواراتنا الديمقراطية لبرهة.. ثم اندفع بقوة ليكسر باب الشقة.. ويندفع إلى المطبخ ونحن بالخارج واقفون نتفرج.. ذهب لأنبوبة البوتاجاز أقفلها ثم استعان بماء الصنبور ليبطل مفعول الحريق ويخمده تماما.. ولم ينس الدخول إلى جارتنا المريضة يطمئنها ويهدئ من روعها ويخبرها بما حدث.. ثم خرج إلينا يخبرنا بما حدث.
جارنا الأول الرافض لاقتحام شقق الغير والاعتداء على الحرمات الآمنة أبدى انزعاجه لما حدث.. معلنا تبرؤه تماما من جريمة الاعتداء على حرمة شقة الجيران.
جارنا البطل الذى لم يشارك فى النقاش.. وأبطل مفعول الحريق قال لنا: إن ما يحدث فى الجامعات الآن يشبه تماما ما حدث فى شقة الجيران.. ونحن لا يمكن أن نتفرج على الحرائق يشعلها طلاب وبلطجية الإخوان فى الحرم الجامعى المزعوم.. ثم نمتنع عن التعامل معهم على اعتبار أننا لسنا جهة ضبط وإحضار.. فى الوقت نفسه الذى نرفض فيه تدخل الأمن لوقف الاعتداءات بحجة أنه لا يجوز للأمن دخول الحرم الجامعى!
الحرم الجامعى لم يعد حرما بوصول قنابل المولوتوف إليه وانتشار عصابات الإخوان وإشعالهم للحرائق واعتدائهم على زملائهم والأساتذة.. بما يحوله إلى ساحة للقتال.. وفى ساحات القتال لابد من تدخل جهات الأمن للحد من انتشار الحرائق.
لا يمكن أن تشعل حريقا وتمنعنى من إطفائه بحجة أننى لا أحمل إذنا من النيابة!
لا يمكن أن أشاهد الحرامى يسرق شنطة سيدة فى عرض الطريق، ثم أمتنع عن ضبطه وإيقافه بحجة أننى لست جهة ضبط وإحضار.