«غزة الكبرى» كان عربون صلح تاريخى بين الإسلام السياسى والكيان الصهيونى برعاية أمريكية، هذه العبارة الساخنة بدأ معنا وزير العمل الفلسطينى د.أحمد مجدلانى حواره المطول، مؤكدًا أن حظر «حماس» الإرهابية فى مصر ضاعف ورطتها فى غزة، خاصة أن هذه الحركة الإخوانية تصادر على مقاومة الاحتلال بالهدنة التى عقدتها معه، وكشف عن أن عودة المسلحين الهاربين للمخيمات الفلسطينية كانت سبب الأزمة الحقيقية فى مخيم اليرموك، وقال لنا إنهم يتعاملون مع «الربيع العربى» على أنه حالة شعبية للحرية لا مؤامرة أجنبية، وشدد على أن الحديث عن التنازل عن حق العودة «حول سياسى» ولا يستبعد اللجوء للانتفاضة لو فشلت المفاوضات مع الإسرائيليين!! ∎ ما هى السيناريوهات المطروحة فى المحادثات «الفلسطينية- الإسرائيلية» فى ظل تعنت الحكومة الإسرائيلية وتمسكها بالاعتراف بيهودية الدولة؟
- المفاوضات لم تحرز أى تقدم بل على العكس من ذلك وجدنا الحكومة الإسرائيلية تصعد من عملية الاستيطان، ومصادرة الأراضى الفلسطينية والمضى قدما فى عملية تهويد القدس، ونحن نريد أن يكون التفاوض على المرحلة النهائية محكومًا بسقف زمنى محدود، والاعتراف بيهودية الدولة، يعنى عمليا وسياسيا أننا ننكر حق العودة للفلسطينيين الذين هجروا من أراضيهم بالقوة عام 1948 علاوة على ذلك أنه سيحول المواطنين الفلسطينيين الموجودين داخل دولة إسرائيل إلى مواطنين من الدرجة الثانية أو أنه سيسهل ترحيلهم بعد ذلك إلى خارج إسرائيل وبالتالى فأننا لا نقبل مجرد فكرة الاعتراف بيهودية الدولة.
∎ ما هى الخيارات المطروحة أمامكم إذا ما استمرت إسرائيل فى تعنتها، وهل من الممكن الرجوع مرة أخرى إلى الانتفاضة؟
- الإدارة الفلسطينية لديها العديد من البدائل الأخرى لمواجهة هذا التعنت، فنحن ملتزمون حاليا بالسقف الزمنى الموضوع سابقا، والذى سينتهى فى 29 أبريل القادم فبعد هذا الموعد إن لم يكن هناك أى تقدم فى العملية التفاوضية، بدون تلك الشروط المجحفة، فنحن فى حل من أى التزام، وبالتالى سيكون أمامنا العديد من الخيارات الأخرى، وعلى سبيل المثال اللجوء إلى قواعد القانون الدولى، وبالتالى فإن انضمام فلسطين إلى المنظمات والوكالات الدولية سيصبح أمرا ضروريا من أجل ترسيخ الاعتراف الدولى.
وهناك خيار آخر يتمثل فى المقاومة الشعبية للاحتلال،وبالتالى نحن سنقوم بتطوير آليات المواجهة مع الاحتلال مما يؤدى إلى رفع وتيرة الانتفاضة.
- الحقيقة أن الوضع فى غزة مؤسف للغاية، فهناك مصادرة للمقاومة ضد الاحتلال تحت مسمى الهدنة.
∎ فى ظل التطاول الحمساوى المستمر ضد مصر فى أعقاب قرار الحظر القضائى المصرى لها كيف فى تصوركم مواجهة تلك الحركة؟
- أولاً نحن لم نتفاجأ برد فعل حركة حماس تجاه مصر، فنحن جميعا نعلم أنها جزء من التنظيم الدولى لجماعة الإخوان، أما أن تتمادى حماس فى العبث بالأوضاع الداخلية، وأمن مصر الداخلى فهذا أمر لا يمكن أبدًا قبوله بأى حال من الأحوال، ونحن نرى أن الحركة بتلك الأفعال لا تسىء إلى نفسها فقط ولكنها تسىء إلى القضية وإلى الشعب الفلسطينى بأكلمه.
وأنا هنا أريد أن أناشد الشعب المصرى الشقيق إلى عدم الخلط بين الشعب الفلسطينى وحماس، فالقطاع الآن مختطف ويقع تحت سلطة انقلابية قمعية اسمها حماس والشعب الفلسطينى فى غزة ليس كله حمساوية ولا يقبل أبدا ما تمارسه تلك الحركة فى حق مصر وشعبها.
∎ أليس هناك حل لتلك الحركة؟
- فى الحقيقة الوضع فى مصر يختلف عن الوضع فى فلسطين، ففى مصر تم استخدام الحلين الشعبى والأمنى معا، واللذين استطاعا أن ينهيا وجود الإخوان بمساعدة القوات المسلحة ووقوفها فى صف الشعب المصرى.
أما فى غزة فالوضع مختلف لأن حماس تمتلك القوة وأدوات القمع والتى يستخدمونها فى قمع أى تحرك ضدها، وبالتالى فإننا نرى أن حماس الآن فى تحدٍ صعب بعد قرار القضاء المصرى المشهود له بالنزاهة والحيادية، بتصنيف حماس كجماعة إرهابية وما تلا ذلك من قرارات الدول العربية بتصنيف تلك الحركة بأنها حركة إرهابية أيضا سيؤثر على حماس ويضعها فى مواجهة المجتمع الفلسطينى.
∎ ما هو تصوركم لمحاولة الوقيعة الفلسطينية من خلال إعادة محمد دحلان إلى المشهد مرة أخرى؟
- محمد دحلان كان عضوا سابقا فى اللجنة المركزية لحركة فتح، والتى اتخذت إجراء تنظيميًا بحقه ومشكلة دحلان وفتح نراها مشكلة داخلية فى الأساس ويجب معالجتها داخل حركة فتح ووفقا للأسس التنظيمية للحركة.
∎ بصفتك المسئول عن ملف أزمة مخيم اليرموك هل ستؤثر تلك الأزمة على العلاقات الفلسطينية- السورية؟
- على العكس تماما، فأنا أرى أن النظام السورى يتجاوب تماما ويتعاون معنا بشكل جيد وبما يساعدنا على معالجة الوضع الفلسطينى فى المخيمات، وبالتالى فإننا نطبق مبدأ «سياسة الحياد الإيجابى» من الأزمة السورية، وإخلاء المخيمات الفلسطينية من السلاح والمسلحين والنأى بالنفس عن الدخول فى الصراع الدائر هناك لأنه لا مصلحة لنا فيه، وبالتالى فإن السلطات السورية تعى ذلك جيدا وتتعاون معنا باجتهاد لتطبيق هذه السياسة.
فنحن لا نريد تكرار تجربة ما ولا تجربة «مخيم النهر البارد» فى لبنان قبل 6 سنوات، وبالتالى فنحن لدينا مبدأ نسير عليه وهو عدم التدخل فى الشأن الداخلى لأى دولة عربية فنحن لم نتدخل فى الشأن الداخلى المصرى مثلا ولا فى ليبيا ولا حتى تونس نحن نرى أن الفلسطينيين لديهم قضية واحدة فقط وهى خروج المحتل وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، وهنا أود أن أشيد بالدور السورى لأنه لولا التعاون التام بيننا ما كنا استطعنا أن ندخل تلك المساعدات إلى المخيم كما أود أيضا أن أشيد بدور «الأونوروا» وكالة غوث الاجئين الدولية.
ولكن منذ أسبوعين تقريبا حدثت انتكاسة أخرى بعد عودة هؤلاء المسلحين مرة أخرى تحت ذرائع مختلفة وبشروط أيضا جديدة، والمستغرب أن تلك الجماعات التى دخلت المخيم تحت مسمى حمايته هم تنظيم القاعدة بمسمياته المختلفة هناك مثل «جبهة النصرة وداعش وكتيبة ابن تيمية»، وغيرها من الأسماء والتى لا تعترف أساسا بالقضية الفلسطينية ولا بالدول ولا بالحدود.
وبالتالى فإن وجودهم ليس له علاقة بحماية الفلسطينيين وإنما تواجدهم نحن نراه بأنه مرتبط بالترتيبات الدولية وفشل مفاوضات «جينيف 2»، ومن الممكن أيضا أن يكون بغرض فتح جبهة جنوبسوريا.
∎ البعض يتحدث عن احتمالية التنازل عن حق العودة لللاجئين فهل من الممكن أن يحدث ذلك؟
- أرى أن من يتحدث عن هذا الموضوع قد أصابه «العور السياسى» أو «الحول السياسى» حق العودة هو حق عام وحق خاص والحق العام هو حق وطنى أصيل لا يمكن ولا تستطيع أى حكومة فلسطينية أن تتنازل عنه، والحق الخاص هو حق اللاجئ الفلسطينى نفسه فإذا كان مستقرا فى المكان الذى يقيم فيه ولا يريد العودة فهو حر، ولذلك فأنا أؤكد على أن مثل هذا الكلام مرفوض تماما ولا يمكن أبدا حتى التفكير فيه.
∎ هل أضعفت ثورات الربيع العربى موقف المفاوض الفلسطينى فى ظل انشغال دول الربيع العربى بأوضاعها الداخلية؟
- أولا أنا لا أريد أن أخوض فى هذا كثيرا لأن هناك الكثير ممن تناولوه بشكل غير موضوعى، فهناك البعض الذين يقولون بأن ثورات الربيع العربى قد أحدثت متغيرا هائلا والبعض الآخر يصفها بالخريف العربى، ولكننا نتعامل مع تلك القضية بموضوعية شديدة «الربيع العربى عربى» وليس مؤامرة أجنبية، فهو تعبير عن حاجة حقيقية لتلك الشعوب إلى الحرية والديمقراطية والكرامة والعدالة ولذلك قامت هذه الثورات.
ولكن للأسف لم تكن القوى المدنية فى تلك الدول جاهزة لاستلام السلطة، وبالتالى سعت قوى الإسلام السياسى والمدعومة من الولاياتالمتحدةالأمريكية لاستلام السلطة فى تلك الدول لأن الولاياتالمتحدة قد تدخلت بشكل مباشر لقطع الطريق أمام التحول الديمقراطى.
فأمريكا كانت ترى فى تيار الإسلام السياسى وتحديدا جماعة الإخوان أنهم من الممكن أن يواجهوا الإسلام المتطرف وأنه من الممكن أن يضمنوا بذلك أمن واستقرار إسرائيل وذلك هو المهم بالنسبة لهم وأن تجرى بذلك ما سمى بالمصالحة التاريخية بين الإسلام السياسى والكيان الصهيونى والذى فى جوهره إنهاء القضية الفلسطينية بما سمى بمشروع «غزة الكبرى» الذى يعطى دولة فلسطينية فى غزة عن طريق ضم أراضٍ من سيناء للقطاع مقابل أراضٍ لمصر فى صحراء النقب وهذا أمر معروف للجميع ولم يعد سرا.
∎ هل تتوقع نشوب حرب جديدة بين مصر وإسرائيل فى ظل انهيار الجيوش العربية فى المنطقة خاصة أن إسرائيل تنشر الذرائع ما بين الحين والآخر؟
- فى رأيى أن الموضوع لن يصل إلى حرب أو صراع مسلح، فهناك الآن وسائل أخرى لذلك وحتى المناخ الدولى قد تغير فهناك عودة للحرب الباردة بين روسياوالولاياتالمتحدةالأمريكية وإحدى مناطق هذا الصراع هى منطقة الشرق الأوسط ولم تعد الولاياتالمتحدةالأمريكية هى الحاكم بأمره فى العالم.
∎ هل ترى أن موازين القوة العالمية قد تغيرت بعد ما حدث فى أوكرانيا؟
- بالتأكيد هذا حقيقى وحتى بعد موقف روسيا الداعم لسوريا فلم يعد الآن القرار قرارا أمريكيا فقط فالآن قد سقط عصر أحادية القطب ويتشكل الآن عصر جديد هو عصر متعدد الأقطاب، ولذلك أحب أن أثنى على زيارة المشير عبدالفتاح السيسى لروسيا لأنه أمر فى غاية الذكاء وأعطى رسالة للولايات المتحدة بأن مصر لديها خيارات متعددة على المستوى السياسى والاقتصادى وحتى على مستوى تسليح الجيش المصرى وأيضا هناك جزء مهم جدا فى إعادة صياغة المعادلات فى الشرق الأوسط.
فنحن كل ما يهمنا الآن هو أن تستعيد مصر دورها الريادى فى العالم العربى فاستعادة مصر لدورها الريادى هو استعادة لوحدة الصف العربى وإعادة بناء النظام العربى الذى تفتت خلال السنوات الماضية.
∎ هل تتابعون ملف العمالة المصرية فى إسرائيل وهل لديكم إحصاء تقريبى لهذه العمالة، وكيف فى رأيكم سنواجه تلك المشكلة؟
- الحقيقة أنه لا يوجد لدينا إحصاء للعمالة المصرية فى إسرائيل ولكن نحن نعلم أن عددهم قليل جدا، فهم بأى حال من الأحوال لا يتجاوز عددهم بضع مئات ولا يقاسون مثلا بالإريتريين أو الإثيوبيين فهى مشكلة ليست كبيرة ولكن لأن طبيعة الشعب المصرى ترفض أى شكل من أشكال التعامل مع الإسرائيليين فلذلك تجدونها مشكلة، وفيما يخص أنهم متزوجون من إسرائيليات وأنجبوا منهن أطفالاً فهى أيضا ليست بالمشكلة الضخمة لأنه كما قلت سابقا أعدادهم صغيرة جدا.
∎ ماذا عن العمالة الفلسطينية هنا فى مصر وهل من الممكن استغلالهم من قبل الجماعات المتطرفة؟
- العمالة الفلسطينية أيضا عددهم ليس كبيرًا بالنسبة لحجم العمالة الوافدة، ولكن عددهم قد زاد مؤخرا بسبب انتقال بعض العمالة والتى كانت موجودة فى سوريا إلى مصر، بسبب الصراع هناك.
وأعتقد أنه من الصعب استغلال هذه العمالة من قبل الجماعات المتطرفة بسبب حب الشعب الفلسطينى لمصر وشعبه.