لمواجهة حالة «الفوضى الباردة» التى تريدها أمريكا وحلفاؤها لمصر، أعلنت «سيدة الشرق الأوسط» «الحرب الباردة» على واشنطن ومعسكرها فى مقدمتها إسرائيل، فالدولة المصرية قررت بشكل عملى أن ترد على المؤامرات الأمريكية والإسرائيلية فى «سد النهضة» وإشعال الحرب الأهلية بالتحالف مع «روسيا»، فى عودة جديدة لعلاقات تاريخية كانت تقلق واشنطن وتل أبيب لسنوات، ليؤكد «السيسى» أنه نسخة معدلة من «ناصر»! وما لا يعرفه البعض أن زيارة «السيسي» لموسكو ليست مجرد رسالة مباشرة من مصر للغرب بأن لديها حليفا شرقيا بديلا، لكن ردا على تطاولات إسرائيلية متكررة لا يركز الكثيرون معها فى ظل «الغرقة» فى بركة التصعيدات الداخلية، وصلت فى الأيام الأخيرة إلى المجاهرة بإعلان الحرب على سوريا ثم مصر بحجة محاربة ميليشيات القاعدة المتعاظمة فى سوريا! وكان قد قال الجنرال «بينى جنتس» رئيس الأركان الإسرائيلى فى اجتماع عسكرى بهرتزليا خلال نقاش الأخطار العسكرية المعقدة التى تحاصر إسرائيل: إن الجيوش التى كانت تصارع الدولة العبرية قاربت على الفناء، لكن التحديات معقدة حتى الآن، وكأنه يناقض نفسه.. لكننى أرى أنه يقصد أنه اقترب من التخلص من كل الجيوش النظامية المقلقة له، وفى المقابل كيانه مهدد بالميليشيات القاعدية، وبالفعل هو يقول إن الخطوط متشابكة فى الساحة السورية بين قبائل ولاعبين داخليين وخارجيين يصلون من الدنمارك وباقى أوروبا والدول العربية والإسلامية، إلا أن الجيش السورى يستقوى بالسلاح الجوى والمدرعات والمشاة، ولذلك علينا أن نهتم بالمناورة البرية والحسم الذى يتحقق من خلالها»!
ورغم أن حديث «جنتس» عن التهديدات القادمة لهم من مصر كان مقتضباً وغير مباشر، إلا أنه كان يبرز تبرير التحرش المجهز لمصر مع اختيار الوقت المناسب لإسرائيل طبعا بادعائه أن عمليات حفر الأنفاق تتواصل على الحدود «المصرية - الإسرائيلية»، إلا أنها حدود منظمة من الناحية العملية، والغريب أن كلام «جنتس» هذا جاء بعد تهديد الجنرال «دانى دانون» نائب وزير الدفاع الإسرائيلى لمصر بالتعامل مع الإرهابيين في سيناء من الداخل المصرى مادامت مصر لا تستطيع ردعهم، وكان هذا التطاول الثانى لهذا المخرف، لكنه تكرر خلال السنوات الأخيرة، إلا أننا لم نلحظه بسبب همومنا الداخلية، ولم نرد عليهم بالطريقة المناسبة!
وفى الوقت الذى كنا نحتفل فيه بصفقة الأسلحة الروسية.. كان الإسرائيليون يراجعون ميزانيتهم العسكرية التى تم تخفيضها خلال السنوات الأخيرة لإعادتها مرة أخرى فى مواجهة هذه المخاطر، خاصة أن القاهرة أصبحت متعادلة مع تل أبيب تقريبا فى الغواصات النووية، وبعد صعود الجيش المصرى من المركز ال 13 عالميا إلى التاسع!
هذا تحليل دقيق وبمنتهى الواقعية، حتى لا يحسبه البعض «مزايدة» ..عودة للترتيبات الإسرائيلية لإعلان الحرب على مصر من سوريا فى مواجهة «السيسى» أو «بوتين المصرى»، كشف موقع «ديبكا» المقرب من الدوائر المخابراتية الإسرائيلية عن أن الجيش الإسرائيلى تراجع عن حالة الحياد التى يدعون أنه كان ينتهجها فى سوريا لمحاربة جيش القاعدة البالغ قوامه 30 ألف إرهابى تقريبا، والذى يسيطر على أغلب المنطقة الحدودية السورية مع الجولان وفق الموقع الإسرائيلى، ورغم ذلك لا تصل للجولان المحتلة أى رصاصة من هؤلاء المجاهدين القاعديين ولو بالخطأ، بل إن إسرائيل تتباهى بعلاج المئات منهم فى مستشفياتهم بدوافع إنسانية ظهرت فجأة عند الجيش الإسرائيلى!
ومن «قاعدة سوريا» إلى «قاعدة سيناء» ذهب التقرير الإسرائيلى إلى أنها هى الأخرى تعرض أمن إسرائيل للخطر خاصة جماعة «أنصار بيت المقدس» التى أطلقت صواريخ ضد أهداف فى إسرائيل لأول مرة مؤخرا، وتربط القراءات الإسرائيلية المسربة بين هذه الجاهزية القاعدية والحرب فى العراقوسوريا، ووصلت إلى أن هذه الميليشيات بعد إسقاط «بشار» ستتجه لمحاربة إسرائيل، وأكملت الدولة العبرية الحبكة بالحديث عن الكشف عن خلية قاعدية فى القدسالمحتلة، عناصرها من قاعدة غزة وقاعدة سيناء، حيث كانوا قد ادعوا سابقا أن عناصر من القاعدة هربت من الملاحقة الأمنية والعسكرية المصرية لإسرائيل عبر الأنفاق الحدودية، وتم قتلهم هناك، ووصل بعضهم حتى الخليل!
الإسرائيليون لم يكشفوا حتى الآن عن طريقة التعامل الدقيق مع إرهابيى القاعدة فى سورياوالعراقوسيناءوغزة، لكن لايزال هناك نقاش وفق ادعائهم فى بالونة اختبارهم المفضوحة، حول إن كانوا سيكتفون بإقامة مناطق حواجز أمنية داخل العمق السورى بالقرب من الحدود الإسرائيلية، وخطوة كهذه ستضطر الجيش الإسرائيلى لدعم ميليشيات محلية سورية فى حربهم ضد القاعدة، أو أن يهاجم السلاح الجوى الإسرائيلى مناطق تجمع عناصر القاعدة بالقرب من الحدود، أو اغتيالات تستهدف قيادات هذه الجماعات، أو منع وصول ميليشيات القاعدة لمناطق استراتيجية سورية تمكنهم من مهاجمة إسرائيل منها مثل «جبل الدروز»!
المحللون الإسرائيليون يشبهون هذه الحرب التى ستعلنها على سوريا بحجة محاربة القاعدة هناك لحماية مناطقها، بالحرب الأمريكية فى أفغانستان ضد بن لادن وإرهابييه، لكنهم يعترفون أن الجيش الإسرائيلى غير مدرب على هذه النوعية من الحروب، ويجب أن يتدرب على ذلك، لتأهيل قوات الكوماندوز بأعداد كبيرة، خاصة أننا نتحدث عن حرب طويلة تمتد لسنوات!
والخطر فى أن الإرهاب القاعدى فى سيناء يعطى الإسرائيليين الحجة للتدخل فى سيناء بقوات الكوماندوز أو بالطيران، مما يجرنا لحرب، لكن هذه المرة ستكون 73 أخرى، لا 67 ثانية، وبالذات لأن المصريين تعلموا الدرس جيدا.. وإن كان يتشكك الإسرائيليون فى إصدار واستعداد المصريين ..فليجربوا!
الإسرائيليون لا يستبعدون أن يدخل «السيسى» فى مواجهة عسكرية ضد إثيوبيا لحسم أزمة المياه، ولذلك تكاثرت التهديدات الإسرائيلية المباشرة وغير المباشرة من خلال «الأتراك» لمصر بالدعم العسكرى لإثيوبيا فى حربها غير المستبعدة ضد مصر، خاصة أنهم يدركون مدى قوة الجيش المصرى بقولهم إن هذا الجيش يتمتع بقوة كبيرة، منذ أن وقف مع شعبه فى يناير 2011 ويونيو ,2014 ويرون أن أهم تحديات «السيسى» فى ولايته الرئاسية الأولى الإنهاء على الإخوان وإقرار الأمن فى الشارع المصرى وتحرير سيناء من الإرهاب وإسقاط حماس فى غزة!.. ووسط كل هذا لا يتوقفون عن جره لحرب ضد إثيوبيا!
ولذلك كانت زيارة «السيسى» المفاجئة لموسكو «صدمة» كبيرة للإسرائيليين خاصة أن أجواء التعتيم أحيطت بها بحنكة شديدة تنبئ بسياسة نظام مصر فى العهد الجديد، ما يزيد الغضب الإسرائيلى والأمريكى، الذى وصل خلال الساعات الأخيرة إلى مراجعة تقييم الأوضاع، وشمل انتقادات كبيرة لإدارة أوباما التى تصعد ضد مصر وتغازل إيران، ما دفع القاهرة إلى الأحضان الروسية، واضطرت واشنطن إلى مغازلة محسوبة للقاهرة بالحديث عن أن العديد من الدول تسعى لعلاقات مع مصر، فى إشارة إلى أن الجعبة المصرية لا تحتوى روسيا فقط، فهناك أيضا الصين وكوريا الشمالية، ومن الممكن أن يكون إيران بعد وقت ما، بالتنسيق مع الخليج، وتعديل الموقف المصرى من الأزمة السورية بالتوسط بين دمشق والخليج، حتى لا يكرر النموذج اليمنى من جديد!
وكان اللجوء المحسوب من مصر لروسيا ناجحا جدا، حتى إن «بوتين» لم يستطع أن يخفى دعمه للرئيس المرتقب «السيسى»، وبثت وكالة الأنباء الرسمية الروسية تصريحاته حول وقوف كل شعب روسيا مع «السيسى» والشعب المصرى الذى يقف وراءه، وطبعا نقلت هذه الكلمات كل الفضائيات والمواقع والصحف الإسرائيلية التي ترى أن روسيا تستغل التوتر بين القاهرةوواشنطن لصالحها فى وقت أوقفت أمريكا معونتها المعروفة لمصر! ويحاول الإسرائيليون دق إسفين بين القيادة المصرية والثوار، بزعم أن روسيا ترحب بالتقارب مع مصر لخسارتها العديد من الزعماء وحلفائها فى ثورات الربيع العربى الأخيرة!
لكن يجب أن نعى أن الولاياتالمتحدة وحلفاءها لن يسكتوا على «مناورة السيسى» وعلينا أن نستعد لأي تحرك أمريكى، أو المبادرة مرة أخرى بالغوص فى المعسكر الشرقى بزيارة الصين، ويرى المحللون أن «بوتين» يستغل ضعف أوباما السياسى بحكمة ليعزل الولاياتالمتحدة، متسائلين: إلى أين سيوصلنا هذا؟! ولا يعرف أحد حتى الآن الإجابة الدقيقة، موضحين أننا رأينا التحركات الروسية الناجحة فى الساحة السورية والآن المصرية، فهو يضطر أوباما إلى أن يهدد ويهدد ثم لا يفعل شيئا!
«الجنرال الجنتلمان» كما وصفته بعض الصحف الإسرائيلية نكاية فى إدارة أوباما التى تتناحر مع إدارة نتانياهو حول الشكل النهائى والمقابل الاقتصادى للسلام مع الفلسطينيين، يربك إسرائيل بالفعل حتى إن النقاش على الفيس بوك والتويتر الإسرائيلى يسيطر عليه الحفاوة الروسية بالحليف الجديد القديم، لكن علينا أن نقيم رسائل هذه الزيارة بواقعية دون تطبيل ومزايدات، حتى نجنى منها كل الإيجابيات الممكنة دون سلبيات، وندرك أن روسيا ستطلب منا أشياء، وعلينا أن نكون مستعدين لها من الآن، فهى لا تعشق نور عيوننا، وكل دولة تبحث عن مصالحها!