وزارة التربية والتعليم لم تسلم من حالات الفساد والترنح التى أصابت الكثير من مؤسسات الدولة، وزاد هذا الفساد بعد ثورة يناير وتفحل فى عهد الرئيس المعزول محمد مرسى وتجلى هذا الفساد من خلال المدارس الثانوية، حيث نجد مدارس ثانوية تشبه ثكنات الأشباح لا طلاب ولا مدرسين ولا إداريين، ومدارس بها كثافة طلابية كبيرة ومدارس أخرى تفوق فيها أعداد المدرسين أعداد الطلاب، ومدرسون لعدة مواد ومواد لا يوجد لها مدرسون وفى ظل هذا الوهن والتشتت الذى تعيشه المدارس الثانوية. هناك اتجاهات من أصحاب النفوس الضعيفة إلى تسييس المدارس وبث أفكارهم العقيمة إلى الطلاب داخل الفصول ويضاف إلى كل هذا العبث الدروس الخصوصية التى إن لم يتم إيجاد حل سريع وفعال لها ستندثر المدارس وستصبح من الماضى وستتم خصخصة التعليم وسيصبح بيزنس يتحكم به مدرسو الدروس الخصوصية، وكأن الثورات لم ولن تطال وزارة التربية والتعليم فنحن اعتدنا مشاكل فى التعليم، لكن ليس بهذه الدرجة من الانحطاط، فالوزير مثل حكومته مرتعش ومترنح وليست لديه أى خطط أو قرارات ويعلق فشله على شماعة وقتية منصبه، وما كان لنا إلا أن نقوم بجولات ميدانية داخل المدارس الثانوية لننقل الصور ونعرضها أمام المسئولين، علنا نلقى أى حراك أو أصداء منهم لانتزاع فتيل الأزمة من جذورها قبل أن تنفجر فى وجه الجميع.
حيث أكد لنا مجموعة من الطلاب المنتمين لمدرسة «يوسف السباعى» الثانوية بنين بالعجوزة وهم: محمد عشرى ومحمد شريف ومحمد رمضان وأحمد عباس، ومجموعة أخرى رفضت الإفصاح عن أسمائهم أن كثيرا من المدرسين داخل المدرسة لا يحضرون الحصص بانتظام وإن حضروا يكون أداؤهم ضعيفا جدا، حيث يقومون بشرح أجزاء بسيطة من المنهج حتى يتسنى لهم توفير الوقت والجهد لأداء الدروس الخصوصية بتركيز، وبعض المدرسين للمواد غير الرئيسية كالتربية الرياضية والمجالات والموجودة فى جدول الحصص يناشدون الطلاب بعدم حضور الحصص، ولن يتم تسجيلهم فى دفاتر الغياب وإذا حضر بعضهم ينصرف المدرسون ويتركون الطلاب وحدهم داخل الفصول بدون معلم.
وأضافوا أن المدرسين من خلال تواجدهم فى المدرسة لا يكترثون بأداء واجبهم المهنى بقدر ما يطمحون لجذب أكبر نسبة من الطلاب للدروس الخصوصية، التى تعد هى الشغل الشاغل لهم والمتنفس الاقتصادى لهم خارج أسوار المدرسة، وأن معاملة المدرس للطلاب تختلف من طالب لآخر على حسب إن كان هذا الطالب مشتركا عند المدرس فى الدروس الخصوصية أم لا، فمن كان مشتركا عند المدرس يلقى معاملة حسنة من المدرس، ومن كان غير مشترك يلقى معاملة سيئة واستهجانا إضافة إلى حرمان من بعض درجات أعمال السنة!
وأكدوا أن حضورهم إلى المدرسة ليس بصفة منتظمة لأنهم لا يشعرون بالاستفادة والاستيعاب الكامل من المدرسين أثناء تواجدهم بالمدرسة، ومن الأفضل لهم توفير الوقت والجهد للدروس الخصوصية التى - على حد تعبيرهم - يعلقون عليها كل الآمال من أجل أن يحصلوا على أعلى الدرجات ليحققوا طموحاتهم وطموحات أسرهم بالالتحاق بإحدى كليات القمة.
وعن نسبة الغياب التى يتحدد عليها مصير الطالب فى دخول الامتحان وتشمل 15 يوما متصلة و30 يوما منفصلة، أكدوا أنهم إذا تجاوزوا النسبة المحددة يتقدمون بشهادة مرضية إلى إدارة المدرسة من أجل أن يتم شطب أيام الغياب المسجلة فى الدفاتر وأشاروا ضاحكين إلى أن مدير المدرسة الأستاذ حمدى عفيفى «راجل زى الفل ولا يقوم بأى جولات على الفصول واحنا كده مرتاحين أوى»!
ومن جانبه أشار الأستاذ حمدى عفيفى مدير مدرسة يوسف السباعى مستنكرا طريقة دخولنا إلى المدرسة بدون إذن مسبق رغم أن الأبواب كانت مفتوحة على مصراعيها ولم يكن هناك وجود لأى شخص من الأمن حتى نستأذن منه، وأضاف بلهجة يغلب عليها الحدة بعد مواجهته بأقوال الطلاب: ليس من حقك أن تسأل طلابا من المدرسة بدون أى إخطار مسبق لمدير المدرسة، وسارت على نهج الأستاذ عفيفى الأستاذة مديرة مدرسة النجاح الثانوية بنين بالزقازيق التى اشتهرت بالمخالفات والتجاوزات ونسبة الحضور شبه المنعدمة من الطلاب والمدرسين وحتى بعض الإداريين بشهادات كثيرة من أولياء الأمور والكثير من الطلاب رافضة التحدث عن المخالفات الموجودة داخل المدرسة بعدما رحبت فى البداية بإجراء حوار معللة ذلك بأنهم ممنوعون من التحدث لوسائل الإعلام.
منال عبدالسلام أحد أولياء الأمور أكدت أنها لن تستطيع منع ابنها من الدروس الخصوصية والتى تأخذ أغلب وقته، ومن الممكن أن يأخذ أكثر من درس فى كل مادة فالأسرة تعمل ما فى وسعها حتى يحصل ابنها على أعلى الدرجات لضمان الالتحاق بكلية من كليات القمة وهو متفرغ تماما إلى الدروس الخصوصية ولا وقت لديه للذهاب إلى المدرسة، وأضافت أن حرب الدروس الخصوصية تبدأ مبكرا منذ بدا ية الصيف ويتسابق الطلاب على حجز دروسهم عند أفضل المدرسين وبأسعار باهظة، ونحن كأولياء أمور نحرص كل الحرص على أن يلتحق أبناؤنا بالمدرسين ذوى الخبرة وذوى السمعة الطيبة.
محمد يوسف مدير مدرسة عمر بن عبدالعزيز الثانوية بنين بطرة أكد أن الدروس الخصوصية هى عقد مبرم ومتفق عليه بين أولياء الأمور والمدرسين خارج إطار المدرسة، فالطالب والمدرس اتفقا أن يكونا ضد المدرسة، فبالنسبة للطالب أصبح مهيئا ومبرمجا على الدروس الخصوصية منذ سنوات، وبالتالى فالمدرسة بالنسبة له أصبحت شيئا ثانويا وهامشيا ومن يحضر من الطلاب لا يتقبل أن يجلس ويستمع إلى شرح مدرسى المدرسة حتى لو توافرت لديهم الكفاءة العالية والمهنية فى العمل!
وبالنسبة للمدرسين هناك قطاعان من المدرسين، هناك مدرس لديه القابلية والاستعداد للعمل فى المدرسة مثل الدروس، لكن الظروف المحيطة به والمناخ العام لا يؤهل لذلك وهناك قطاع آخر لا يضع المدرسة فى حسبانه والمدرسة بالنسبة له شىء هامشى وحضوره إلى المدرسة وتوقيع حضوره هو إجراء روتينى فقط، وهناك بعض المدرسين ذوو الشهرة الكبيرة فى الدروس الخصوصية يقوم بتوقيع حضوره للمدرسة عن طريق الهاتف حتى لا تفرض عليه خصومات أو يجازى بسبب عدم الحضور، ونظرا لضيق الوقت والجهد لديه والذى يكرثه للدروس الخصوصية، وأضاف يوسف أنه يقوم بتوجيه إنذارات لمن يتغيب باستمرار وفصل من يتعدى النسبة المسموح بها، ولكن تأتى قرارات سيادية بإعادة من تم فصله إلى المدرسة مرة أخرى، وبالتالى دفاتر الغياب والحضور هى إجراءات روتينية فقط، وأنهم كإدارة مدرسة يتخذون إجراءات شديدة لمن يتجاوز من المدرسين، لكن لا يتم تطبيقها أو اعتمادها من الإدارة التعليمية.
وأشار إلى أنه يوجد 2 مدرسى رياضيات فى مدرسته التى يوجد بها ستة عشر فصلا فكيف تكون لدى المدرسين الطاقة على تحمل هذا القدر من الفصول يوميا، وبالتالى فهو يسعى لانتداب مدرسين من مدارس أخرى بالحصة وبشروطهم التى غالبا ما تكون تعسفية وتفوق قدرة المدرسة، وشدد يوسف أن ما يحدث من التجاوزات داخل المدارس هو سوء إدارة من الحكومة ومن الوزير وإذا كان الوزير لا توجد لديه أى خطط أو لا يستطيع إدارة المنظومة فكيف لنا ذلك؟! وعن وجود بعض المدرسين ممن يسعون إلى عمل المدارس منابر سياسية ينشرون من خلالها أفكارا سياسية عقيمة ومتطرفة شدد يوسف أنه لا مجال للسياسة داخل المدارس وأنه دائما ما يقوم بتوجيه خطب للمدرسين والطلاب بضرورة نبذ التطرف السياسى من أى فصيل أيا كان وضرورة تكريس الجهود للعملية التعليمية ومن يخالف ذلك سواء من الطلاب أو المدرسين يحيله إلى الشئون القانونية.
يقول طلعت عبدالله نقيب المعلمين بالقليوبية: إن الثورة لم تصل التربية والتعليم على الرغم من قيام ثورتين فى مصر فى أقل من ثلاث سنوات، وأن التعليم لابد له من ثورة ونحتاج لقلب نظام التعليم بالكامل وإعادة هيكلته، حيث فقد الطالب الثقة بالمدرسة والمدرس اعتاد على دخل معين من الدروس الخصوصية لمواجهة الغلاء ولتعويض ضعف الراتب بالمدرسة، إضافة إلى أن نظام الامتحان خاطئ ونظام القبول فى الجامعات خاطئ ولابد أن يتم إيجاد نظام آخر للقبول بالجامعات، وشدد على أنه لابد أن يتم القبول داخل الجامعة بأن يهيئ الطالب من المرحلة الثانوية بمواد تخصصية معينة وأن يدخل ما يريد من الكليات على حسب المواد التى درسها دون النظر إلى مجموعة، وأرى أن وزارة التربية والتعليم تؤدى رسالتها بتربية وتعليم الطالب حتى الصف الثالث الثانوى وبالنسبة للقبول فى الجامعات أرى أن هذه من اختصاص الجامعات ولا يتم وضع المسئولية على عاتق المدارس الثانوية، فلابد من ابتكار نظام جديد بحيث يتم إلغاء النظام التنسيقى بين الطلاب ولا يتم تلخيص دخول الكلية من عدمه فى درجة أو نصف درجة، مما يجبر أولياء الأمور على اللجوء إلى مدرسين أو أكثر فى كل مادة من خلال الدروس الخصوصية حتى يتفوق نجله على شخص آخر ويحل محله فى كلية معينة، فبعض أولياء الأمور مقتدرون على ذلك، لكن هناك أولياء أمور كثيرون غير قادرين على تحمل عبء الدروس الخصوصية، فكيف يتسنى لهم أن تتحقق طموحاتهم وطموحات أبنائهم فى حجز مقعد فى كلية من كليات القمة؟! وأشار إلى أنه بهذا النظام التسابقى يعتاد الطالب أن يحفظ ما فى المنهج دون فهم ويلتحق بكلية من كليات القمة دون تأهيل حقيقى لها ونجد نسبة الرسوب فى كليات القمة كبيرة!
وأضاف أن هناك تقصيرا كبيرا من قبل الإدارات التعليمية فى توزيع المدرسين داخل المدارس وتجلى ذلك فى وجود مدارس بها كثافات عالية من المدرسين وأتذكر المدرسة الموجودة فى الشرقية التى تحدثت وسائل الإعلام عنها فى الفترة الأخيرة والتى يوجد بها 1300 مدرس و50 طالبا، وهناك مدارس أخرى لديها عجز واضح فى المدرسين ويتم انتداب مدرسين بالحصة من مدارس أخرى بصفة مستمرة أو أن يقوم مدرس بتدريس مادة أخرى غير مادته لسد هذا العجز الموجود. وشدد عبدالغفار على عدم اقتناعه بمجانية التعليم فتخصيص مبلغ معين كمائتى جنيه كرسوم لدخول المدرسة لن تمثل عبئا كبيرا أو معضلة على أولياء الأمور فى ظل النفقات الباهظة التى يتحملونها من أجل الدروس الخصوصية حتى لو يتم سدادها على دفعات وذلك من أجل بناء مدارس أخرى وتطويرها وتهيئتها للعمل وتقليل الكثافات الطلابية فوجود 120 طالبا فى الفصل الواحد لا يهيئ مناخا مناسبا للتعليم أو التعلم.