حتى اللحظات الأخيرة قبل التصويت كان الكل يهدد بالانسحاب من لجنة الخمسين كى تتحقق مطالب من ممثلى الكنائس الثلاث الذين هددوا بالانسحاب ما لم ينص الدستور على مدنية الدولة، وحزب النور السلفى هدد بالانسحاب ما لم تتحقق مطالبه فى تفسير مبادئ الشريعة الإسلامية، والعمال والفلاحون هددوا أيضًا بالانسحاب ما لم تتحقق مطالبهم بعودة نسبة ال50٪ أو وجود كوتة لهم على الأقل فى دورة برلمانية قادمة، والمرأة هددت بالانسحاب لأنها تريد أن يكون لها كوتة فى البرلمان على الأقل القادم، والقوات المسلحة تصر على تحقيق مطالبها من محاكمة المدنيين عسكريًا فى حالة الاعتداء على المنشآت العسكرية. والأدهى من ذلك أن هناك أصواتًا بدأت تطالب بعودة الشورى مرة أخرى لكن ما لم يكن يتصوره عقل أن لجنة الصياغة قامت بحذف العديد من المواد التى ناقشتها لجنة الخمسين فى اجتماعاتها طوال الأيام الماضية.
رغم ضيق الوقت كانت هناك أزمات لم يتم حسمها، بعضها تم تجاوزها بصعوبة بالغة من خلال محاولات إحداث توافق بين التيارات السياسية المتصارعة داخل اللجنة، خاصة بعد عودة المجمدين عضويتهم فى اللجنة، فخرجت من حفرة حتى وقعت فى أكبر منها، فبعد الانتهاء من مواد إلغاء مجلس الشورى والكوتة وغيرهما، وقعت فى أزمات مازالت قائمة حتى مثول المجلة للطبع وتحتاج إلى حسم بدرجة كبيرة ومهارة عالية فى الحسم منها أزمة النظام الانتخابى والذى تتجه اللجنة لحسمه بالنص على الأخذ بالنظام المختلف وترك تحديد نسب القوائم والفردى للقانون رغم مطالبة البعض بالثلثين للفردى والثلث للقائمة، وسوف تشهد الأيام القادمة أزمة شديدة بعد التفرغ الذى تقدم به «السيد البدوى» رئيس حزب الوفد وعضو لجنة الخمسين والذى يطالب فيه بالإبقاء على مجلس الشورى من خلال النص فى الديباجة يعطى لمجلس الشعب المقبل إنشاء غرفة برلمانية ثانية بعد خمس سنوات، ومن المقرر أن يتم حسم هذا المطلب فى أقرب وقت.
أما الأزمة الكبرى فهى أزمة الديباجة ووضع تفسير لمبادئ الشريعة الإسلامية بها وهو الاقتراع الذى يصر عليه حزب النور السلفى وتعتبره الكنائس الثلاث النقطة الأساسية فى استمرارها بلجنة الخمسين أو انسحابها.. الأمر الذى جعل حزب النور يصر عليه ويطالب بوضع تفسير لكلمة مبادئ فى الديباجة وحذف كلمة مدنية الدولة وهو الموقف الذى يؤيده أيضًا الأزهر الشريف والذى زاد الأمر سخونة بعد تدخله بجانب حزب النور السلفى وزاد الأمر اشتعالا وصول وضع لجنة الخمسين من تشكيل لجنة مصغرة لإعادة صياغة الديباجة التى قدمها الشاعر سيد حجاب واعترضت عليه الكنيسة وشاركها الاعتراض عدد كبير من الأعضاء الاحتياطيين عندما وضعوا الديباجة بأنها تؤسس فى بعض فقراتها لعلمانية الدولة واستمر عمل هذه اللجنة لمدة خمس ساعات طوال جلسة الأحد الماضى ولم تصل إلى حل نهائى، الأمر الذى دعا لتأجيل التصويت على الديباجة إلى وقت لاحق.
وشهدت اللجنة المصغرة شدًا وجذبًا بين أعضائها وحاول عمرو موسى السيطرة على الموقف فكلف ضياء رشوان نقيب الصحفيين بالتدخل وتهدئة الأمور إلا أن «رشوان» وجد صعوبة كبيرة فى التوسط لدى الأطراف المتنازعة، خاصة بعد اعتراض الأنبا انطونيوس ممثل الكنيسة الكاثوليكية وبشدة وكان ذلك واضحًا أمام الجميع عندما خرج من القاعة ولحق به ضياء رشوان محاولا تهدئته وإعادته إلى القاعة مرة أخرى، ولم تصل هذه اللجنة لحل، أما الأزمة الأكثر شدة داخل اللجنة كانت من الاحتياطيين بسبب أسلوب تعامل اللجنة معهم خاصة أنهم قدموا 60 ملحوظة على مواد الدستور ولم يؤخذ بها وكذلك لم يؤخد على ملاحظاتهم على الديباجة.
وشهدت اللجنة جدلا عنيفا مما يخص المادة الخاصة بالضرائب التصاعدية وتأجلت مناقشتها أكثر من مرة ثم تم حسها بوضع نص توافقى اشترك فيه د. محمد غنيم والدكتور حسام المساح ونقيب الصحفيين وأحمد الوكيل يتم النص على الضرائب التصاعدية دون أن تكون بالنظام الضرائبى الرئيسى ويتم تحديد الجهات التى يطبق عليها وتركها للقانون.
وكأن الدستور أصبح كرة يلعب بها الجميع كل واحد منهم يريد أن يحصل على حقه منه فالضرائب التصاعدية كانت مطلبًا للجميع بعد ثورة 25 يناير وثورة 30 يونيه لأنها سوف تحقق العدالة الاجتماعية لكن يبدو أن القائمين على الدستور جاءوا من كوكب آخر ولم يشعروا بمطالب هاتين الثورتين حتى يرفض البعض منهم الضرائب التصاعدية التى تطبق فى كل دول العالم المتقدم لتحقيق العدالة الاجتماعية وحتى يركن البعض إلى مطالب الآخرين بالموافقة على عدم تطبيق هذه الضريبة وجعل المادة الخاصة بها تخرج بهذا الشكل المؤسف ويبدو أن الدستور تحول إلى ما يشبه الغنائم كل واحد يريد أن يحصل منه على ما يهمه أما الوطن فله رب يحميه.
الغريب فى أمر لجنة الخمسين التى ما زالت تعمل منذ أكثر من شهرين ونصف الشهر رغم أن فترة عملها 60 يومًا فقط، أما لجنة الخبراء المختصة بالصياغة النهائية حذفت عدة أموال من المسودة التى صوت عليها أعضاء اللجنة قبل ذلك منها المادة 189 مكرر والتى تنص عليها يشكل الدستور بديباجته وجميع نصوصه نسيج مترابط وتتكامل اهتمامه فى وحدة عضوية متماسكة وهى المادة التى تم وضعها بناء على طلب ممثل حزب النور باللجنة بهدف أن يجعل التفسير الذى تم وضعه فى الديباجة حول مبادئ الشريعة جزء لا يتجزأ من مواد الدستور ورأت لجنة الخبراء أن محتوى المادة قاعدة تفسير ليس حملها الدستور.
هذه المواد التى تم حذفها أو تعديلها فى لجنة الصياغة أغلبها لم يكن موجودًا فى مواد الدستور الذى وضعته لجنة العشرة، إذًا لماذا كل هذا التطويل ولماذا كل هذا الجدل والشد والجذب من الجميع، ولجأ كل واحد من أعضاء لجنة الخمسين يحاول أن يحصل على جزء من كعكة الدستور، ولم يأخذوا العظة والعبرة من لجنة دستور الإخوان.
د.محمد أبو الغار رئيس الحزب المصرى الديمقراطى وعضو لجنة الخمسين يقول إن ما يحدث فى اللجنة ليس صراعًا بل هو من قبيل المنافسة الشريفة من أجل أن يكون الدستور فى أبهى صورة، وأن الدستور سوف يحصل على نسبة موافقة وتأييد تزيد على نسبة ال75٪ وأن أغلب مواد الدستور بها توافق بين الجميع، وهناك عدد قليل من المواد التى لم يحدث حولها توافق، وأن فكرة مدنية الدولة فكرة واضحة جدًا وغير صحيح ما تردد عن إلغائها، بالإضافة إلى أن دستور لجنة الخمسين الوحيد الذى تحدث عن تخصيص نسب من الدخل القومى للصحة والتعليم والبحث العلمى، وتم وضع مادة لمكافحة الإرهاب أثارت جدلاً ما بين أهميتها وبين كونها أمرًا مسلمًا به لا يجوز النصوص عليه فى الدستور.
وأكد المتحدث الرسمى باسم اللجنة «محمد سلماوى» حول المادة التى أقرتها اللجنة بشأن محاكمة المدنيين عسكريًا بأنها وضعت بسبب الظروف التى تمر بها مصر فى الوقت الراهن وبسبب كثرة العمليات الإرهابية ضد الجيش لمحاولة هدم الدولة، وهذا الوضع الاستثنائى الذى نعانى منه الآن هو الذى فرض هذه المادة وتم تحديد الحالات بشكل قاطع التى تتعرض للمحاكمات العسكرية، وهى بسبب الاعتداء المباشر على المنشآت والمركبات العسكرية وعلى أى أفراد القوات المسلحة بسبب تأدية وظيفتها، والمادة أقرتها اللجنة بشأن حظر محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكرى فى حالات محددة تختلف تمامًا عن المادة التى كانت موجودة فى دستور 2012 المعطل التى نصت على المحاكمات العسكرية فى الجرائم المضرة بالقوات المسلحة بإطلاقها.
من ناحية أخرى يقول «صلاح عبدالمعبود» عضو الهيئة العليا لحزب النور السلفى والعضو الاحتياطى للجنة ال50 إصرار الحزب على أن تتضمن ديباجة الدستور تفسيرًا واضحًا لمعنى كلمة مبادئ الشريعة الإسلامية الواردة بالمادة الثانية من الدستور خاصة أن الحزب قدم اقتراحًا للجنة يتضمن تفسيرًا للكلمة وهذا لا يعكس موقفًا متشددًا من الحزب كما يصوره البعض، والحقيقة أننا أحرص الناس على تقديم دستور ليس فئويًا أو طبقيا وحتى يكون الأمر واضحًا أمام المشرع كما هو مقصود بكلمة مبادئ وهو يجمع بين مضمون المادة 219 وفحوى تفسير المحكمة الدستورية العليا لكلمة مبادئ، ونحن طالبنا لجنة الخمسين بأن تتضمن ديباجة الدستور مبادئ الشريعة والأحكام قطعية الثبوت وقطعية الدلالة والأحكام المجمع عليها من العلماء.
فى حين هاجم د.يونس مخيون رئيس حزب النور لجنة الخمسين واتهمها بأنها لا تعبر عن الشعب المصرى، وأنها مهددة بالفشل، وبالتالى إفشال خارطة الطريق ويجب عليها أن تعى أنها تكتب دستور الشعب المصرى كله، وأنها لجنة لم يشارك الشعب المصرى فى اختيارها، لذلك فهى فى حالة غياب كامل وانفصال تام عن الواقع وسوف تؤدى إلى عرقلة المرحلة الانتقالية برمتها، لأن الاستفتاء على هذا الدستور هو الخطوة الأولى على الطريق، وأخشى أن تفشل هذه الخطوة بسبب هذه اللجنة.