صدر العدد الأول من جريدة (الوقائع المصرية) فى 3 ديسمبر1828 باللغة العربية والتركية، والواقع أنها لم تكن الجريدة الأولى كما هو معروف تاريخيا، ولكن أصدرت الحملة الفرنسية قبلاً صحيفتين، الأولى «كورييه دى ليجيبت» ( بريد مصر) وصدرت فى 29 أغسطس ,1798 وكانت تهتم بالأخبار الخارجية وخاصة أخبار فرنسا. والثانية «لايكاد إيجيبسيان»، وكانت تهتم بالشئون العلمية والحياة المصرية وما يتعلق بها من شئون اجتماعية وأدبية وثقافية، وبالطبع كانت تلك الصحف تطبع وتنشر باللغة الفرنسية. وحاول مينو القائد الثالث للحملة الفرنسية فى مصر إصدار صحيفة باللغة العربية وسميت «التنبيه» وصدرت فى نوفمبر عام 1800 ولم تكن تلك الصحف مقروءة من المصريين ولم يعلموا عنها شيئاً.
وصدر فى أول ولاية محمد على تقرير على شكل صحيفة باسم «جرنال الخديو»، وكان يطبع بمطبعة القلعة وتعتبر تاريخيا أقدم الصحف المصرية وصدرت أيضا صحيفة (صدى الأهرام) برئاسة الصحفى الفرنسى بوسكيه ديشام والذى هاجم محمد على فيما بعد واتهمه بأنه يستغل مصر وشعبها وأن مصر بتاريخها العريق لا تستحق ذلك.
ولقد أرسل محمد على إلى إيطاليا عام 1815المعلم نيقولا المسابكى (سابك الحروف المونو والتى يتم جمعها حرف حرف لتكوين كلمة وهذه الطريقة تعرف بالطباعة البارزة وكانت هى الطريقة السائدة فى ذلك الوقت) وأربعة من مساعديه فى بعثة استمرت أربع سنوات، مما ساعد على إنشاء مطبعة بولاق عام 1820 والتى عنيت بطباعة الكتب وخاصة الكتب العسكرية والهندسية وإصدار الصحف (الوقائع المصرية والجريدة العسكرية ووقائع كريديه) وفى عهد ابنه إبراهيم باشا صدرت صحيفة (التجارة والزراعة ) وتعتبر (الوقائع المصرية) والتى تصدر إلى اليوم متضمنة القوانين الرسمية أشهر تلك الإصدارات وكانت توزع على الجنود ورجال الدولة والعلماء وطلاب العلم بالمجان، وأراد محمد على أن تنتشر تلك الصحيفة فأجبر الموظفين الذين يزيد راتبهم على ألف قرش على شرائها إجبارياً، وكان يتم خصم قيمتها من رواتبهم، ولكنها ظلت بعيدة عن معظم الشعب المصرى والذى كان ينقسم إلى طبقات متعددة (عمال اليومية والمهن الهامشية/ أهل الحرف وأصحاب المتاجر المتوسطة/ طبقة التجار الثرية «البرجوازية» / وطبقة الموظفين الذين التحقوا بالدواوين الحكومية وظلت الطبقة الأكثر انتشارا هى طبقة الفلاحين بالريف).
ولم تكن الصحيفة منتظمة الصدور، فالعدد الثانى صدر بعد العدد الأول ب 14 يوما، وأحياناً كانت تصدر ثلاثة أعداد فى أسبوع واحد، وكان يقرر لمحررى الصحيفة عن كل خبر أو مقال مكافأة من قرش صاغ واحد وحتى مائة قرش، بالإضافة إلى منحة من اللحم والأرز والسمن.وبالطبع لم تحتو صحيفة (الوقائع المصرية) على رسوم سوى رسم لزهرية على الصفحة الأولى يقال إن بها زهور شجرة القطن والذى أدخل إلى مصر فى تلك الفترة، وخاصة القطن طويل التيلة والذى اشتهرت به مصر.
وصدرت الجريدة فى أربع صفحات طول الصفحة 37سم وصفت المادة على عمودين وعين للقسم التركى مدير تركى «سامى أفندى» وتولى القسم العربى السيد «شهاب الدين محمد إسماعيل» براتب «750 قرشا» وفى العدد الثامن عشر أزيل كليشيه زهرية شجرة القطن ووضع بدلاً منه رسم للهرم ومن خلفه الشمس وكان تطورها الحقيقى عندما تولى إدارتها رفاعة رافع الطهطاوى عام ,1842 وتوقفت لمدة عام أثناء حكم عباس حلمى الأول.
وفى عهد إسماعيل باشا أصبحت الجريدة مستقلة، وكان اشتراكها السنوى 120 قرشا، وفى عام 1880 تولى الشيخ محمد عبده رئاسة الوقائع المصرية وأصبحت تصدر يوميا باستثناء يوم الجمعة ودخلها الإعلان بواقع 2 قرش للسطر وكان ثمن العدد قرشا واحدا. وتتلمذ على يد الشيخ محمد عبده فيها الزعيم سعد زغلول وإبراهيم الهلباوى أول نقيب للمحامين. وفى عام 1911 أصبح تحت كلمة (الوقائع المصرية) التاج وداخله علم مصر، وكتب تحتها (جريدة رسمية للحكومة المصرية).
وفى عام 1924 شهدت البلاد حياة دستورية جديدة بصدور دستور 1923فى عهد الملك فؤاد، وبدأت الجريدة تنشر مضابط مجلس النواب على شكل ملاحق مرفقة وأصبحت مقصورة على نشر القوانين والأوامر الحكومية دون أى إبداء رأى فى أى حدث.. حتى إنه لم يرد بالصحيفة أى ذكر لقيام ثورة 23 يوليو .1952
وفى 16 يناير 1954 ظهر على كلمة (الوقائع المصرية) شعار جمهورية مصر وفوقها: بسم الله الرحمن الرحيم، وأصبح سعر النسخة 30 مليما، وأصبح أجر سطر الإعلان 240 مليما. وفى عهد الثورة أصبحت تصدر يومياً باللغة العربية باستثناء يوم الخميس الذى تصدر فيه باللغة الفرنسية!
وصدر فى عام 1988 طابع بريد احتفاء بجريدة الوقائع المصرية.. وتؤدى الصحيفة دورها حتى الآن فى نشر القوانين والمراسيم الحكومية وإعلانات تأسيس الشركات. وفى نفس تلك الفترة والتى شهدت صدور الصحف المصرية فى النصف الأول من القرن التاسع عشر.. ماذا كان يجرى فى صحف أوروبا؟
ظهرت فى أوروبا العديد من الصحف ومنها الصحف الساخرة والتى اعتمدت الكاريكاتير بشكله الحديث فالكاريكاتير الساخر قديم قدم حضارة الإنسان وكل الحضارات عرفت الفن الساخر بأشكال وأساليب متنوعة.. (وهذا الباب يحتاج إلى دراسة مستقلة تتناول الفن الساخر فى الحضارة الإنسانية) وعرفت كذلك فنون عصر النهضة شكلاً من أشكال التصوير الساخر وأعمال نيتيانوس وليوناردو دافنشى وجيروم بوش وبيتر بروجل تقترب من التصوير الساخر الهزلى، ولكن فى أسلوب رصين وبمقدرة فنانين عظام.
ولقد استقدم محمد على خبراء أجانب من مناح شتى للعناية بالأعمال العسكرية والهندسية والزراعية، وتمت ترجمة الكثير من الكتب العلمية والأدبية وخاصة بعد انتهاء الحلم العسكرى لمحمد على وانكسار الجيش المصرى عام .1840
وكانت الصحف الأجنبية تصل إلى مصر.. ويبقى السؤال: لماذا لم يتطور الشكل الصحفى وخاصة فى مهمة التوضيب والإخراج الصحفى ولماذا لم توظف الرسوم ومنها الكاريكاتير؟ ربما لاتقاء شر سخرية الكاريكاتير... وفى عصرنا الحديث ناصب كثير من الحكام الكاريكاتير العداء، فهو الفن الفاضح والذى يحمل النقد والسخرية وهو ما يكرهه أصحاب السلطة فى كل زمان ومكان.
لقد ظهرت فى فرنسا جريدة (لو كاريكاتير - الكاريكاتير) عام 1830 على أيدى شارل فيليبون وهونريه دوميه.
وظهرت المجلة الأشهر (بانش - القبضة) فى إنجلترا عام 1840بفنانين مثل جورج تاونسند ووليم هوجارث وجون ليش وتوماس رولاندسون والذى اهتم بالكاريكاتير الاجتماعى.
وفى روسيا ظهر فنانون ساخرون منهم ألكسندر أرلوفسكى ونيقولاى ستيبانوف.
وفى أمريكا كان المبدعون دوف ووليم تشارلز وجوزيف كليبر وتوماس ناست.
ظاهرة مهمة جمعت بين كل هؤلاء الفنانين وهى المقدرة التشكيلية الهائلة وإجادة الرسم والتعبير وإجادة فنون الحفر المختلفة البارزة والغائرة والمستوية وانصبت معظم أعمالهم على النقد السياسى وقليل من النقد الاجتماعى.
وفى عام 1828 (عام صدور الوقائع المصرية) صدر فى باريس عمل مهم يعنينا فى مصر ربما أكثر من فرنسا ففى هذا العام صدرت المجموعة المتكاملة من موسوعة كتاب «وصف مصر».