وسط أجواء محفوفة بالمخاطر ومحقونة بالتطرف ارتفع صوت الموسيقى وزمن الغناء الجميل وافتتحت د. إيناس عبدالدايم رئيسة الأوبرا مؤتمر ومهرجان الموسيقى العربية ال 22 والذى دخل مرحلة النضج فى غياب مؤسسته الراحلة د. رتيبة الحفنى، لكن اسمها وبصماتها مازالت نابضة على المسرح الكبير بالأوبرا. لم تنتظم «ضربات قلب» د. «إيناس» إلا بعد افتتاح الدورة على أنغام «الطرب الأصيل» وصوت الموسيقى والإبداع وبعد التقاط الصورة التذكارية مع المكرمين هذا العام أصحاب البصمات فى الثقافة والغناء والموسيقى وانتهاء وصلة أصالة «المدهشة» فى افتتاح المهرجان..
تحدثت رئيسة الأوبرا والمهرجان عن دور الفن فى الارتقاء بالمشاعر ومكافحة التطرف والإرهاب ولم تنس توجيه الشكر والتقدير للقيادة المصرية وجيشها العظيم ودوره فى إعادة الدماء فى عروق هذا الوطن وبنفس النبض تحدثت د. جيهان مرسى مديرة المهرجان النشيطة.
المهرجان كرم فى هذه الدورة 14 شخصية ساهمت فى إثراء الحياة الموسيقية فى مصر والعالم العربى وهى اسم الراحلة د. رتيبة الحفنى ود. فيكتور سحاب والشاعر مجدى نجيب والمؤرخ الموسيقى د. زين نصار والموسيقار محمد الشيخ والموزع يحيى الموجى وعازف العود سيد منصور والمطرب خالد عبدالغفار والمطربة أحلام أحمد وفنان الخط العربى سعد عبدربه غزال على خلفية رحلة عطاء الراحلة د. رتيبة الحفنى بصوتها التاريخى.
الختام المسك لحفل الافتتاح جاء بتوقيع صوت عملاق وهى المطربة «أصالة» التى قدمت باقة من الأغنيات الجميلة تضمنت دروسا فى الطرب الشرقى الأصيل.. «اصالة» جاء صوتها هذه المرة مشبعا بالآلام العربية وبطعم ثورات الربيع ولم تخف مشاعرها عما يحدث فى سوريا هذا الوطن الجميل.. وتخلل تقديمها للأغنيات «خطب» سياسية وإنسانية ورسائل حب للوطن الأكبر «مصر» والعاصمة المجروحة «دمشق».. ولابنتها «شام» ودروس «العلوم والعربى والدين» وهى أغنية تحمل رسالة لكل الأجيال الجديدة فى الوطن العربى وأستاذها الراحل وديع الصافى، ولم تخل الوصلة من المفاجآت بعدما قدمت أغنية «يا ابنى» بمصاحبة المطرب أحمد سعد والذى قدم شهادة ميلاد جديدة استعرض فيها قدراته الهائلة ومساحاته التى لم تستغل فى وسط موجة الإرهاب الغنائى الرخيص وهو مشروع «غنائى» لم يُستغل وسط ضجيج الابتذال.
استهلت أصالة وصلتها برائعة أم كلثوم «ثوار» كلمات صلاح جاهين وألحان رياض السنباطى واختتمتها بأغنية «موال يا ابنى» إهداء للراحل وديع الصافى وما بين البداية والنهاية مرح صوت أصالة ما بين الأصالة والمعاصرة من «سهرة حب» للأخوين رحبانى إلى «هات قلبى وروح» التى قدمت بها صوتها للعالم العربى وحتى «بناء على رغباتك» من أعمالها الأخيرة.
باقة «أصالة» بدت وكأنها أوبريت غنائى طويل تخللته كلمات حب للابنة والوطن وأصحاب الفضل فى إبداعها الغنائى من وديع إلى محمد الموجى.. وبتلقائية العباقرة قامت باستئذان الجميع فى وضع زجاجة بدلا من المياه المعدنية وقالت إنها «عرقسوس»..!! تتناوله أثناء الغناء..
«أصالة» لم تقدم صوت «أحمد سعد» وكتابة شهادة ميلاد جديدة له بل صاحبت فرقة موسيقية اتسمت بالدقة والاحترام أعادت أجواء زمن الغناء الجميل والغناء «اللايف» الذى أفسدته تكنولوجيا الضجيج، بقيادة المايسترو الموهوب «يحيى الموجى» والفرقة فرصة كبيرة لإعادة الروح للغناء الشرقى الجميل.
صوت «أصالة» رد اعتبار الآلات الشرقية «القانون والعود والناى» والإيقاع التى علاها الصدأ، هذه الآلات عادت للإبداع «وأفاقت» بعد غيبوبة طويلة ويعود الفضل هنا لمهرجان الموسيقى العربية هذا المهرجان المضاد للابتذال والصخب الاستهلاكى والتغييب.
مع صوت «أصالة» يستعرض المهرجان على مدى 15 يوما القوات الغنائية المتمكنة والجميلة فى مقدمتهم «مدحت صالح» صائد الروائع الشرقية وعلى الحجار بينما يختتم بأصوات أنغام وهانى شاكر وبينهما مواهب واعدة فى مقدمتهم غادة رجب وريهام عبدالحكيم وأميرة أحمد وأجفان وسومه إلى جانب العملاقين لطفى بوشناق وصفوان بهلوان. مهرجان ومؤتمر الموسيقى العربية ليس فقط رسالة للحفاظ على الدور العربى العريق بل إنه تأكيد على أن الآذان العربية التى لم تعرف الذبول بل إنه ضربة ضد المتطرفين وقتلة الإبداع والمبدعين..