«الله أكبر.. الله أكبر».. هتاف فى غاية التعقيد، لا يمكن لأحد أن يزعم إلمامه الكامل بكل أبعاده، خاصة أن القيادات والمجندين المصريين بمسلميهم ومسيحييهم كانوا يرددونه على جبهة النصر المجيد فى سيناء المحررة، كان وراءه رجال فقه ودين بمعنى الكلمة لا أفاقين ومنافقين، كما كانوا فى عصر الإخوان الإرهابيين، فى طليعة هؤلاء الأئمة المستنيرين عبدالحليم محمود شيخ الأزهر فى وقت الحرب الذى كان متواجدا بصورة مستمرة فى جبهة القتال والشيخ محمد متولى الشعراوى والشيخ عبدالرحمن بيصار والشيخ أحمد الباقورى والشيخ محمد حسين الذهبى! مصر يا سادة فى حالة افتقار لمثل هؤلاء الرجال الوسطيين الذين كانوا أحد عناصر النصر المجيد، فكيف نكرر مثل هذه النماذج الدينية المبهرة، فليس لدينا أسماء مثلهم هذه الأيام إلا د. على جمعة المفتى السابق، لأن مجتمعنا فى حالة افتقار روحانى ويعانى من لغط مزمن حول الهوية الدينية بعد التجربة المريرة مع تجار الدين.
ويجب أن يدفع هؤلاء الرجال عن حق فاتورة ما تعانيه مصر كما فعل الأئمة الشهداء بيصار الذى استشهد فى حادثة المنصة، والذهبى اغتالته جماعة التكفير والهجرة! فلن ننسى أبدا أننا نعود الآن إلى خطب لأمثال الشعراوى ود. عبدالله شحاتة من رجال الدين المستنيرين لأننا نفتقد لرجال الدين الحقيقيين!
د. أحمد كريمة أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر قال هو الآخر: الأزهر جزء من مصر.. ومصر ولادة بالعلماء والخبراء لا يتصور أحد أن العلماء الراسخين ندروا أو قلوا، المشكلة تكمن فى سياسة الإقصاء والتهميش من قيادات، فهناك مئات العلماء المتمكنين، لكن للأسف لا يجدون الفرصة، إما غيرة من قياداتهم أو حسدا من زملائهم أو عوامل أخرى وبعضهم يعزف عن الإعلام.
لكن أطمئن المصريين بداية وأصحح مفهوم أن الناس تخيلوا أن مصر أصبحت جرداء من العلماء.. أبدا لأن النبى قال: اتخذوا منها جندا كثيفا «جنود جيش وجنود علماء وجنود خبراء، أما أن الناس حينما عدموا وفقدوا الرمز الحقيقى معذورون فهم الآن لا يجدون إلا «الرويبضة» الرجل التافه يتكلم فى الأمور العامة، وجدوا من يجرف عقل الأمة أو المجتمع ويشغلهم بالجلباب القصير واللحية الكبيرة وتفسير الأحلام والعلاج ببول الإبل إلى آخره، لكن جاء دور 30 يونيو بالتحديد ليميط اللثام عن الحقائق، فمن ضمن الحقائق العودة إلى العلماء بحق وإلى الخبراء بصدق فوجدوا ذلك فى الأزهر الشريف، لكن وجدوا ذلك من الشخصيات قامة وقيمة على رأسهم الشيخ محمد متولى الشعراوى ومحمد الغزالى، والشيخ جاد الحق على جاد الحق وعطية صقر وحاليا نجد الشيخ على جمعة وأحمد عمر هاشم، وأتمنى أن أكون واحدا من هؤلاء!
ودعا الشيخ الجليل لإعطاء ذوى الكفاءات حقوقهم عن طريق حسن انتقاء قيادات فى المؤسسات الإسلامية، تكون فيه قيادة تتخذ المنصب رسالة وليس مهنة عند ذلك يبحثون ويظهرون الكفاءة أما الآن فكل واحد مكون شلة تدور حوله وخدعوها بقولهم، كما طالب كريمة من الأمن أن يرفع يده عن انتقاء القيادات للمؤسسات الإسلامية ويجب وضع آلية عند صناعة القرار بحسن انتقاء القيادات فقط.
فلنا فى عهد الشيخ عبدالحليم محمود الأسوة الحسنة، كان الشيخ يبحث عن الأكفاء ولا يبحث عن أهل الثقة ولا يسمح لنفسه أن يكون منفذا لقرارات تأتى من هنا وهناك، مشيرا إلى الدور المهم للإمام الأكبر عبدالحليم محمود وقت الحرب الذى كان يذهب إلى أماكن القتال، وكان الرئيس الراحل أنور السادات يستشيره فى بعض المسائل الفقهية ذات العلاقة بالمعركة إلى جانب القوافل الدعوية التى خرجت من علماء الأزهر إلى جبهات القتال وكانت بواسطة الشئون المعنوية بالقوات المسلحة تؤدى المحاضرات والندوات والدروس لتقوية العزائم وتنشيط الهمم، بالإضافة إلى الكتابات الطيبة التى كانت فى الإصدارات الإسلامية، وكلها تتحدث عن العزة والكرامة لإعزاز الدين والحفاظ على الأرض والعرض، فكان هذا له أكبر الأثر فى نفوس القوات المسلحة الباسلة، لذلك من أكبر البراهين أنهم رددوا صيحة الله أكبر رددها المسلم والمسيحى، هذا كله يؤكد التلاحم والتواصل بين الأزهر الشريف والقوات المسلحة.
د. آمنة نصير أستاذ العقيدة والفلسفة الإسلامية أكدت لنا أن سيكولوجية الشعب المصرى تغيرت تماما، ليس فى السياسة فقط، بل حتى فى تلقيهم للخطاب الدينى والتقبل العقلى والنفسى والوجدانى للخطاب الدينى، ليس بالأمر السهل كما كان فى الفترة الماضية، فالوضع تغير من أيام نصر أكتوبر إلى الآن، فيجب على الشيوخ أن يدركوا هذا الانقلاب النفسى والمزاجى لدى الشعب المصرى فى قضية الخطاب الدينى وأن تتم إعادة من يتصدر للخطاب الدينى أمثال الشيخ خالد الجندى وغيره، فهؤلاء يعيشون حالة من الظرف والتغيير فى الخطاب الدينى بدلا من إلقاء الخطب فى شكل مفهوم، ولذلك لابد للمشايخ الموجودين فى الساحة أن يدركوا هذه القضية ويكون فى أدائهم بالمعنى الطبى روشتة ثقافية عقيدية وسطية مستنيرة فيها استيعاب الشعب المصرى.
وأوضحت لنا «نصير» أنه لابد أن يكون الداعية حاملا لتأهيل الخطاب الدينى من كليات الشريعة وكليات أصول الدين وكليات الدعوة، إلى جانب التأهيل الشخصى فليس كل من يحمل الخطاب الدينى المتخصص يجد قبولا لدى المشاهد فالمسألة تحتاج إلى أن يؤهل نفسه لتقبل خطابه لدى الجمهور، وأن يكون وجهه بشوشا وكلماته منتقاة بحكمة، ويعرف ما هى حاجة الإنسان المصرى الآن فى قضايا دينه لأقدمها له فى إطار جميل فيه الرحابة واتساع الثقافة والكلمات المتسقة مع صحيح الدين وإطار الوسطية، مؤكدة أن تطاول المتأسلمين ومنهم القرضاوى سوء أدب وقلة دين لأنهم لا يفقهون معنى العلم أو قيمة العلماء.
«نصير» قالت: إن أهمية رجال الدين ظهرت بشكل كبير جدا فى نصر أكتوبر، فكان المنقذ النفسى والعقدى والوطنى للشعب المصرى لاستعادة كرامة الإنسان المصرى والثأر لما فات من الهزيمة، ولذلك كانت معركة الجميع وعلى رأسهم رجال الدين ورجال الفكر الإسلامى، لأنه كما يقال أنه لدى الأطباء أم الطب النفسى فلدى رجال الفقه الإسلامى بمعنى أنهم لديهم الكلمات التى تشفى الصدور وتقوى العزائم وتدفع الجيش إلى الأمام لاكتساب النجاح واسترداد أرضنا المقدسة التى تجلى فيها رب العزة لموسى عليه السلام، وبالتالى اغتصابها من مصر من قبل الصهاينة، كان أمرا موجعا تنبه له الخطاب الدينى القوى الرشيد الذى يقوى العزائم والجهاد الحق، فهذا النوع الوطنى من الجهاد فرض وليس جهاد المتطرفين أو جهاد الإرهابيين.. الجهاد الحقيقى كان كان خلال تحرير الجيش لسيناء، فرجال الدين يعرفون جيدا الغزوات فى الإسلام واستخدموها لتقوية العزائم وتدفق عروق الشجاعة والقوة فى دم جنودنا بالإقدام إلى جهاد النجاح لا جهاد النكاح وجهاد المعركة الحقيقية وإلى إسقاط خط بارليف الذى اعتبر فتحا عظيما أعطى للجنود القوة والاندفاع إلى المزيد فى تحرير أرض سيناء، فرجال الدين لهم دور مهم فى تنشيط النفس، وبث العزيمة والقوة وعدم الخشية من الاستشهاد.. كانوا يواصلون فى حب الشهادة وفى قدسية استعادة الوطن فكانوا لا يبالون لا بالموت ولا البتر ولا الاستشهاد.
د. سعد الدين الهلالى رئيس قسم الفقه المقارن والداعية الوسطى وعضو لجنة الخمسين لوضع الدستور عن الأزهر قال لنا أنه يرفض استخدام مصطلح «رجل الدين» مفضلا «رجل الفقه».. لأن هذا المصطلح «خطيئة دينية» ويجب أن نتراجع عنه لأن الإسلام لا يعترف برجل الدين والوحى لا ينزل على أحد من البشر من بعد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فكل الفقهاء يتحدثون بمنطقهم وإذا حدث أن الفقيه أصدر قولا فقهيا مقنعا فإن الناس تلتف حول القول وليس حول الشخص، نحن لا نريد عبادة أشخاص، وإنما نريد معرفة الإنسان للفكرة والرأى المقنع الصالح، لأن عبادة الناس لأشخاص نوع من الشرك بالله، وأشار الهلالى إلى أن أستاذنا الدكتور على جمعة هو أستاذ أصول علم الفقه وأستاذ الاجتهاد وأصول الاجتهاد يعلم الفقهاء كيف يستنبطون الحكم من النصوص ومن الأدلة الشرعية، وهذا العلم يؤكد أن كل ما ينتهى إليه الفقيه هو رأى صواب يحتمل الخطأ أو خطأ يحتمل الصواب كما قال الشافعى: قولى صواب يحتمل الخطأ وقول غيرى خطأ يحتمل الصواب، إذن نترك الدنيا تسير كما هى ورحمة الله للناس فيتوجهون إلى ما يقنعهم، فالفقه لابد أن يكون مقنعا وقد ظهر فى الفقه الإسلامى وتاريخ المسلمين مذاهب متعددة مثل الحنفية والشافعية والمالكية والحنابلة، وغيرها من الأئمة المجددين فى كل عصر.
وطلب الهلالى من الأئمة أن يبذلوا من الجهد والاستنباط ما ييسر للناس أمور حياتهم وأمور دينهم، وأوضح لنا «الهلالى» أن الأئمة والمشايخ الوسطيين والمستنيرين كان لهم دور كبير فى انتصار أكتوبر المجيد الذى رد للشعب المصرى ثقته فى جيشه وأرجعت له أمله فى المستقبل على شماتة الصهاينة فى نكسة 67 والذى ضاعف الحس الوطنى لدى المصريين لأنهم وجدوا كلمة الله أكبر واللجوء إلى الله عز وجل سبب نصرة الله وتأييده من أسباب زيادة قوة الإيمان للشعب المصرى بربه، وجعلت هناك أملا لانتصارات أخرى لا تقتصر على حرب أكتوبر، ولكن ننطلق من حرب أكتوبر إلى ما ينفع الشعب المصرى سواء فى الإعمار الاقتصادى والتجارى والزراعى وغيرها.
فجميع أئمة المساجد والخطاب الإسلامى فى الفضائيات والصحافة والإعلام كانوا حاشدين للجبهة الداخلية لكى تكون خلف جيش مصر ولكى تكون يدا واحدة فى التحمل لأى تقصير يمكن أن نسميه ندرة فى المواد الغذائية!
إلى جانب ذكر الآيات التى تستحب القتال وترغب فى الشهادة، فهذا هو الجهاد الحقيقى الذى يسعى إلى رد أرضنا وعرضنا وذلك لقوله تعالى: «وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة» وقوله أيضا «وقاتلوا فى سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا» وقوله أيضا «ولا تحسبن الذين قتلوا فى سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون» وقوله أيضا «إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون فى سبيل الله فيقتلون ويقتلون».
مثل هذه الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الدالة على رباط «عينان لا تمسهما النار.. عين بكت من خشية الله وعين باتت تحرس فى سبيل الله»، مثل هذا الخطاب كان من وراء إخلاص المصريين من أجل الانتصار والشهادة إلى جانب الأغانى الوطنية التى كانت تشد قلوب المصريين وتوحدهم تحت راية الثأر والنصر وتحمل كل مشاق الحياة فى سبيل هذا الوطن!