مقبول جدًا أن يرتبك المشهد السياسى الداخلى، بعد ثورتين أسقطتا رئيسين بفارق زمنى ضئيل.. فما نشهده حاليًا من أحداث وانسحابات سياسية وإطلالات لرموز سابقة ودعوات للمصالحة وأخرى بالقصاص أمور مقبولة ومفهومة فى حدود ما تعيشه البلاد من اضطراب وعدم استقرار.. أضف إلى ذلك ما تحاوله جماعة الإخوان من إثارة نعرة التنابز بين مؤيدى ثورة 25 يناير وثورة 30 يونيو لتخلق شقًا فى الصفوف تستطيع من خلاله أن تمر منه إلى المشهد مجددًا.. فكان مهمًا أن نرصد وقائع وحدود هذا التنابز والتناحر بين الثوار وكيفية رأب الصدع حتى لا يستغلها فلول الإخوان وغيرهم ممن لفظهم المشهد! د. «أحمد دراج» - القيادى السابق بحزب الدستور - الذى انسحب من العمل الحزبى عقب استقالة البرادعى علق قائلا: «ما يتم تداوله من وجود تراشق بين ثوار 25 يناير وثوار 30 يونيو كلام فارغ لا صحة له، كل ما هناك أن ثورة 25 يناير وقعت فى العديد من الأخطاء وهو ما تحاشته ثورة 30 يونيو ولكن الثورتين جاءتا بإرادة شعبية.. لا يجب أن نفسر وجود رموز الفلول المنتشرين حاليا فى الفضائيات، أو إخلاء سبيل مبارك بالثورة المضادة، حتى إن حاولوا العودة للمشهد الثورى من خلال فقاعات إعلامية، والثورة كفيلة أن تعيدهم إلى منازلهم مرة أخرى، الثورة والشعب المصرى عرف أن الحزب الوطنى والإخوان وجهان لعملة واحدة!
دراج اعتبر ما هو مطروح الآن من مبادرات محاولة لإرجاع الجماعة إلى العمل السياسى تحت أى مسمى ما هو إلا سم فى العسل، وأضاف قائلاً: على البرادعى وحمزاوى أن يعلما أن الثورة لن تتوقف على أشخاص لأنها ثورات شعبية وكل من لديه موقف نختلف أو نتفق معه علينا أن نحترمه فى النهاية!
من جانبه حذر «وحيد الأقصرى» - رئيس مصر العربى الاشتراكى - ما يحدث حاليا بقوله: «لا جدال أن المشهد السياسى الثورى يعج بالارتباك والاضطراب وعدم الاستقرار.. وهناك تكتل واضح من رموز الوطنى المنحل فى الظهور إعلاميا فى حين أن شباب الثورة مثل «تمرد» مشغولون بجمع توقيعات حملة امنع معونة وهذا يصب فى النهاية فى مصلحة التيار الإسلامى ففى الوقت الذى يتم إخلاء سبيل مبارك نجد هناك تراشقًا بين ثوار ثورتى يناير ويونيو فى فضل ما وصلنا إليه الآن وهو واضح من خلال ظهور ما يسمى بجبهة «30 يونيو» وجبهة شباب الإخوان! وأضاف: أثق فى ذكاء المواطن المصرى المتابع لما يحدث حوله فى فرز الخائن والعميل من الوطنى الشريف، وهو نفس المواطن الذى خرج فى يونيو بعد أن علموا أن الإخوان جماعة لا تستحق أن تكون فى المشهد السياسى، ومن خرج عليهم من المنتمين لجماعة الإخوان أو من مؤيديهم أو من بعض الثوريين خسروا ذلك المواطن وخسروا الشعب لأنهم انحازوا لمن عمل ضد مصلحة مصر، أما مبادرة الفرصة الأخيرة فهى مرفوضة تمامالأنه وفقا لقانون 1954 حل جماعة الإخوان المسلمين جماعة محظورة سياسيا وهذا القانون مازال ساريا حتى الآن، كما أن بعد ما شاهدناه من عمليات إرهابية من تلك الجماعة فلا تصالح مع من ارتكب جرائم فى حق الشعب والمواطنين، أما أن تم اعتبارها جمعية دعوية فهذا أيضا غير مقبول لأن الأزهر فقط هو الجهة الوحيدة التى لها الحق فى العمل الدعوى، ويجب عليه أن يتم التنسيق بين الأزهر ووزارتى الإعلام والثقافة لإعادة تأهيل شباب الجماعة والمنساقين خلفها!
«ياسر الهوارى» - القيادى بحزب المصريين الأحرار - يقول: «نحن متفهمون ما يحدث فى المرحلة الراهنة، نعم هناك بعض ممن انسحبوا من بعض رموز الثورة من المشهد السياسى وفقا لبعض قناعاتهم مثل دكتور البرادعى الذى كان يدعو للمصالحة الوطنية والحوار والتوافق الوطنى وليس المواجهة خوفا من الاقتتال الداخلى، فى حين دعمت بعض القوى الثورية فكرة مواجهة الإخوان، وهناك من انسحب لأنه يتبع أجندات خارجية وعملاء للغرب وهؤلاء لا يجب أن نحسبهم على الثورة، وأضاف: وأعتقد ان انسحاب البرادعى وغيره من بعض الرموز الوطنية هو انسحاب مؤقت حتى تهدأ الأوضاع المتوترة، كما يوجد من الناحية الأخرى بعض الرموز وهى محسوبة على الفلول بدأت تظهر عبر وسائل الإعلام على أنها من ثوار يونيو مثل مرتضى منصور وغيره، مستغلين كراهية الشعب للإخوان، وهى ظاهرة مؤقتة.. لأن هؤلاء سيأخذون وقتهم، والشارع سيلفظهم لأن الناس لم تعد متقبلة أيًا من رموز الحزب الوطنى أو الإخوان»، وعن مبادرة الفرصة الأخيرة التى تم طرحها الأسبوع الماضى وما بها من بنود تثير تحفظات البعض قال الهوارى: «الفرصة الأخيرة مبادرة واضحة فى أن الإخوان إذا أرادت العمل الدعوى فتتبع الجمعيات الأهلية أما العمل السياسى فهو محظور عليها لما ارتكبته من جرائم فى حق الشعب المصرى، ومن يعود منها من لم يثبت تورطه فى أعمال عنف منهم يكون تبعا لحزب الحرية والعدالة وسيكون الرد الشعبى من خلال خسارتهم على أرض الواقع والانتخابات».
من جانبه يرى الكاتب الصحفى «مصطفى بكرى» عضو مجلس الشعب السابق - أن الحراك السياسى الحالى يتضمن جميع التيارات والأوجه قائلا:'' هناك فارق بين ثورتى 30 يونيو و25 يناير، فثورة 30 يونيو هى ثورة شعبية خالصة خرج لها الناس منذ اللحظة الأولى وكان هدفهم واضحا دون مواربة هو إسقاط نظام الإخوان الذى أوقع البلاد فى الهاوية، أما ثورة 25 يناير فهى ثورة كانت فى أولها ضد الدولة القمعية وكانت ترفع شعارات العيش والحرية والعدالة الاجتماعية ولكن فيما بعد تم تصعيد المطالب لإسقاط نظام مبارك ونظام الحزب الوطنى، وارد أن تتعارض مواقف بعض الأشخاص مع المواقف الوطنية العامة، البعض ينحاز لرؤى الغرب الذى يموله منحازا لتمويل الغرب له على المصلحة الوطنية، هناك مؤامرات تحاك من الداخل والخارج ضد مصر وهناك من تتسم مواقفه بالميوعة وهؤلاء هدفهم تفتيت الصف المصرى وهم ممن نصفهم بالطابور الخامس الذى يلعب فى الفترات الحرجة من عمر الوطن ضد مصلحته، وهناك من كانت مواقفه انطلاقا من وطنية خالصة ونحن نعرف كل واحد من هؤلاء، والمواقف هى التى تكشف معدن وحقيقة الأشخاص وكل تلك الشواهد وما نعيشه الآن يصب فى صالح الوطن حتى يتبين الطيب من الغث ومن الخائن والعميل ومن الوطنى المناضل الرافض المساس بأمن بلده».
وعلق بكرى على مبادرة الفرصة الأخيرة قائلا: «لا مبادرات تصالح مع تنظيم إرهابى قام بجرائم انتقامية من الشعب المصرى كما هدد أمن الوطن واستجدى جيوش العالم ضد هذا البلد لو ظللنا نقدم مبادرات سيظل ذلك التنظيم الإرهابى عالقا فى جسد هذا الوطن».
يتفق معه فى ذلك السياق «د.عماد جاد» - نائب رئيس حزب المصرى الديمقراطى - قائلا: «لاشك أن ثورة 30 يونيو هى ثورةلتصحيح مسار ثورة 25 يناير ولكن هذا لا يعنى أن نقارن بين الثورتين فالأولى ثورة شعبية مثلت فيها كل طوائف الشعب المصرى وهى تصحيح لمسار ثورة يناير، حديث الإقصاء وعودة ظهور بعض من قيادات الوطنى السابقين فأنا ضد الإقصاء والاستبعاد مادام هذا المواطن شريفًا ولم يتم اتهامه أو توجيه تهم فساد فما المانع؟! وأضاف: ثورة 30 يونيو طالبت بالحرية لكل مواطن شريف وطالبت بعدم العزل أو إقصاء شركاء الوطن فى العملية السياسية، وهذا ليس معناه تبنى من يقومون بالثورة المضادة وهؤلاء معروفون للناس، أما ثورة 25 يناير فهى ثورة على داخلية نظام مبارك تطورت إلى ثورة شعب ضد مبارك ونظامه، ولهذا هناك فرق بين الاثنتين.
أما فيما يتعلق بانسحاب بعض الرموز فالبرادعى قفز من المركب فى توقيت سيئ للبلاد قد تكون وجهة نظره صحيحة، ولكن توقيت التخلى كان سيئا للغاية ولا يجب أن نربط إخلاء سبيل مبارك بثورة 30يونيو أو ندعى أنها ثورة لعودة نظام مبارك القديم، طلبنا دولة القضاء والقانون ووفقا للقانون مبارك تم إخلاء سبيله فقط لأنه استنفد المدة القصوى للحبس الاحتياطى ولكن هذا ليس معناه سقوط التهم عنه بل سيظل محاكما بدلا من انه كان يأتى من محبسه سيأتى من منزل الإقامة الجبرية، وهو نفس الأمر الذى قد يحدث مع مرسى».
وأضاف جاد: «لا يوجد تراشق تهم بين ثوار يناير وثوار يونيو لأن الثورة فى النهاية هى ثورة شعب ولا يجب اختزال ثورات الشعوب فى أشخاص، لأن الأشخاص يتباينون فى آرائهم ويختلفوا فى مواقفهم أما كلمة الشعب فهى تحمل رأيًا وتوجهًا عامًا للشارع المصرى، وما وجه من تهم إلى إسراء عبد الفتاح وأسماء محفوظ فهو يجب أن ينظر أمام القضاء ليفصل بكلمته لأن الإخوان كان أسهل ما عليهم أن يتهموا معارضيهم بالتخوين، ولا يجب ان نتهم أحدًا دون وجود أدلة''، اما فيما يتعلق بالفرصة الأخيرة وما لهاوالتى تحمل عودة الجماعة على أنها جمعية دعوية تتبع الجمعيات الأهلية، فيعلق جاد قائلا: «هناك عشرات المبادرات التى طرحت والأساس فى النهاية لرفض او قبول المبادرات هو مدى تطبيقها للقانون فيما يتعلق بالجماعة يجب أن نعرف وفقا للقانون هل حصلت على تمويل خارجى.. هل حملت السلاح ..هل تعدت على منشآت عامة؟ الفيصل دائما فى النهاية للقانون».