توجد حالة من الإدراك والوعى لدى النخب والمثقفين وقادة الرأى والسياسيين فى دول الخليج، أن مصر بعد 30 يونيو فى طريقها لاستعادة مكانتها فى قيادة الأمة العربية والإسلامية للقيام بدورها التاريخى والنهضوى الذى يجب أن تضطلع به، الجميع يسلم بذلك.. لا يحتاج المرء لأن يجهد نفسه فى رصد حالة التفاؤل والثقة التى تسيطر على الجميع حكومات وشعوبا بعد أن تخلصت مصر من حكم فاشى مستبد لم يتورع فى الإعلان عن طموحاته الغادرة وأنانيته الدنيئة، واستعداده للتفريط فى الأرض والمقدسات لترسيخ حكم لو استمر لعاد بمصر والعرب إلى عصور الجاهلية السحيقة. جمعتنى الأسبوع الماضى لقاءات عدة مع وزراء وسياسيين ورجال أعمال وقادة رأى وفكر من عدة دول خليجية، جميعهم ينظرون إلى الشعب المصرى نظرة إعجاب وتقدير وأمل وقلق للأوضاع فى الساحة السورية، الكل بلااستثناء يشيد بعبقرية هذا الشعب الذى استعاد عزته وكبرياءه وأطاح بكل المؤامرات الدنيئة التى حيكت بمصر والمنطقة العربية لتركيعها وإذلالها واستنزاف مواردها، الجميع يتطلع إلى مصر لتقود الأمة العربية من جديد بعد أن تنفض ركام الإخوان، وتتخلص من ذيول المؤامرة، لتستعيد حيويتها، وتنهض بأمتها.
قال لى عدد من رجال الأعمال الكبار الذين يمتلكون استثمارات ضخمة ومؤثرة إنهم بصدد نقل استثماراتهم من تركيا إلى مصر، «تقدر الاستثمارات الخليجية فى تركيا بنحو 175 مليار دولار»، وأنهم يتحينون اللحظة المناسبة لذلك، هذه اللحظة فى تقديرى على الحكومة المصرية التى تسير ببطء وارتباك ملحوظ، والتى يجب عليها أن تتخلص من المعوقين من أعضائها، فلا تغرنكم أسماء عدد من الوزراء فبعضها موروث أو مصنوع، كشفتهم التجربة، أقول على الحكومة أن تتعجل هذه اللحظة وتهيئ المناخ لجذب الاستثمارات الخليجية المتعطشة للعمل فى مصر، فكفى الشعب المصرى معاناة أثقلت كاهله، وقضت على أحلامه فى العيش الكريم، والحياة الآمنة.
على الحكومة الحالية أن تكون أكثر حسما وحزما مع كل من يهدد الأمن والاستقرار وإثارة الفتن وتعطيل حركة الإنتاج ومصالح الناس، لابد من وقف المظاهرات تماما حتى تعود الحياة فى مصر إلى مسارها الطبيعى، فإذا كان المتظاهرون من جماعة الإخوان وهم جميعهم مرتزقة، تنهمر عليهم الأموال الفاسدة من قطر وتركيا والولايات المتحدة، فكيف يعيش الأغلبية من الشعب المصرى الذين توقفت بهم حركة الحياة منذ 25 يناير حتى الآن؟ متى تنصاع الحكومة إلى إرادة الشعب؟ فلا مفاوضات مع جماعة جاهلة، خانت وأفسدت، وتكبرت وتغطرست خرج الشعب، كل الشعب عليها.
الجميع فى دول الخليج العربية الداعمة لمصر يرى أن الشعب المصرى أعاد بوصلة الزمن تجاه المستقبل، بعد أن كانت تنحدر نحو الماضى، دول الخليج لديها إرادة استثنائيةفى تقديم الدعم الاقتصادى والسياسى لمصر، فهل الحكومة المصرية الحالية الانتقالية قادرة على استلهام الفرصة الزمنية التى من المؤكد أنها لن تكون طويلة؟
على الحكومة المصرية أن تؤدى دورها كما ينبغى وتقوم بواجبها المرحلى فى هذه الفترة المفصلية فى تاريخ المنطقة كلها، عليها أن تدفع بمصر لأن تكون قاطرة الأمة العربية، لرسم ملامح المستقبل الذى نراه عربيا، بينما يراه البعض أمريكيا، أو تركيا أو فارسيا، الفرصة مواتية، لاتضيعوها، مصر أدركت طريقها، والعالم العربى من خلفها، فلا تكبلوها بحساباتكم الضيقة، إن من يرنو إلى المستقبل لا ينظر إلى الخلف.
إن كلا من تركيا وإيران وأمريكا تسعى للانقضاض على المنطقة العربية، فأردوغان يريده تركيا ليستعيد مجد أجداده العثمانيين، وإيران تريده فارسيا واضعة نصب أعينها كلمات الخمينى وهو عائد من منفاه فى باريس إلى طهران بعد نجاح الثورة الخومينية نهاية السبعينيات عندما سأله أحد الصحفيين: ماذا بعد نجاح الثورة؟ فأجاب: لقد حكم الأكراد المنطقة العربية عدة قرون، وحكمها الأتراك العثمانيون عدة قرون، وآن الأوان للفرس أن يحكموها، كما أن جورج بوش الأب رد على أحد الجنود الأمريكيين فى زيارته لهم فى حفر الباطن «شرق السعودية» أثناء الإعداد لحرب تحرير الكويت عام 1991م، حينما سأله: هل جئنا إلى هنا لتحرير الكويت وإعادة العرش لأميرها؟ رد عليه بوش بقوله: لقد جئنا إلى هنا لتظل أمريكا قوية متفردة فى سيادة العالم لمدة قرن من الزمان.
إن مصر ومن خلفها الأمة العربية قالت كلمتها نريده قرنا عربيا، فهل تعى الحكومة المصرية حجم إرادة الشعب والأمة ؟ هل تدرك الحكومة أن زمن الإخوان ولى وبلا رجعة؟ على الضعفاء أن ينسحبوا من المشهد وإلا فسوف تسحقهم إرادة الشعوب.