بيوت الله تحولت إلى أوكار للإرهاب.. صوت الأذان اختفى بين أصوات إطلاق النار.. وسجاجيد الصلاة دنستها الأسلحة وأقدام الإرهابيين، قائمة طويلة من المساجد وقعت فى براثن الإرهاب الدموى المتاجر بالدين، فتاريخ تدنيس الجماعات الإرهابية للمساجد المصرية لم يبدأ من «رابعة» و«القائد إبراهيم» و«الفتح» و«الإيمان» و«حمزة» وغيرها، بل منذ تمكنت هذه الجماعات الخائنة للدين والمصريين من بعض المساجد، خاصة أنه معروف أن المسجد والزاوية كلمة السر التنظيمية فى الجماعة التى تسمى نفسها «الإسلامية» واحدة من أبرز المنظمات الإرهابية! وكم عانت هذه المساجد البريئة من ويلات المحتلين وتطاولات الإرهابيين، فما الفارق بين الصورة التى ترك عليها الإخوان الإرهابيون مساجد رابعة والإيمان ومن بعدهما «الفتح» الذى لا يزال الإخوان يحومون حوله، وبينجرائم الإسرائيليين فى المساجد الفلسطينية التى حولوا بعضها إلى «مواخير» و«بيوت دعارة»! وجعل الإرهابيون من مكان السكينة بؤرا للضغينة! لكن ليس كافيا من وزارة الأوقاف أن تواجه هذا الإرهاب اللادينى على مساجدنا وبيوت الله بصورة اعتيادية من نوعية غلق المساجد بعد الصلاة أو ضم الزوايا والمساجد الأهلية!.. وندعو البعض لمن يستغل الوجاهة الاجتماعية والمكاسب الضريبية من وراء بناء المساجد خاصة تحت المنازل أن يتوقفوا عن ذلك، لوجه الله ومصر.
ومعروف أن للمسجد مكاناً خاصاً فى الصورة الذهنية للمصريين بالذات بمن فيهم المسيحيون، فهو حجر الزاوية فى حياة المسلمين، فهو قلعة للإيمان والاعتكاف وملاذ للغرباء وأبناء السبيل ومنار للهداية، فكان فى عهد الرسول مدرسة الدعوة الأولى ودار الدولة الإسلامية الحقة الكبرى.. تلك المدرسة التى فتحت أبوابها لكل الأجناس من عرب وعجم، ومختلف الألوان منبيض وسود، ومختلف الطبقات من أغنياء.. وفقراء، ومختلف الأعمار من شيوخ وشباب وغلمان، وفتحت أبوابها للمرأة تحضر وتشهد دروس العلم فى عصر كانت فيه المرأة مخلوقا لا حق له فى التعليم.
وكان مقراً للاجتماع ومركزاً للمؤتمرات والتشاور والتسامح يتآلفون ويتعارفون ويتعاونون فيه على الخير، وكان مقرا للقضاء وكانت تجرى فيه الملاعنة بين الرجال والنساء وكان مركزا للطب فكان المرضى فيه يمرَّضون ولا بأس من النوم فيه لضرورة وخاصة لقول ابن عمر رضى الله عنه قال رسول الله «إذا نعس أحدكم وهو فى المسجد فليحول من مجلسه ذلك إلى غيره»
وما نهى عنه النبى فى المساجد وأخبر عنه النبى صلى الله عليه وسلم من أكل الثوم والبصل والكرات والفجل فيه، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه ابن آدم. ونهى عليه الصلاة والسلام عن قضاء الحاجات بها أو البول أمام المساجد وأمام أبوابها لقوله «صلى الله عليه وسلم» «اتقوا الملاعن الثلاث «البراز فى الموارد وقارعة الطريق والظل» ونهى أيضا عن رفع الصوت فيها والتشويش على القارئين والمصلين سواء كان رفع الصوت بالقرآن أو الذكر أو غير ذلك وسواء كان ذلك داخل الصلاة أو خارجها لقوله «ألا إن كلكم مناج ربه فلا يؤذين بعضكم بعضا ولا يرفع بعضكم على بعض فى القراءة».
كما نهى النبى أيضا عن البيع والشراء فى المساجد لقوله إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع فى المسجد فقولوا له لا أربح الله تجارتك، ونهى عن استخدام المساجد طرقا وخصوصا مساجد السوق التى تقع على الطرق العامة لقوله لا تتخذوا المساجد طرقا إلا لذكر الله ونهى عن التفل لقوله صلى الله عليه وسلم «من تفل تجاه القبلة جاء يوم القيامة وتفله بين عينيه»، كما نهى عن القتال ورفع السلاح فى المسجد لقوله: ملعون ملعون من ناول أخاه السيف مسلولا فى المسجد».
لكن الجماعة الإرهابية التى تسمى نفسها «الإسلامية» تتجاهل تعاليم النبى بإسلامها «القطبى»، فتحولت المساجد لمركز للتشدد بعد أن استخدمتها التيارات المتأسلمة بشكل كبير فى الدعاية إلى الفكر المتطرف والإرهابى وإلى الانتخابات لمجلس الشعب وحتى التيار السلفى المتشدد إلى أن أصبح عدد المساجد وأهميتها عند الإخوان أهم من عدد الدبابات فى الجيش المصرى. فإذا وجدت هذه المساجد تتواجد الجماعة الإرهابية وإذا تم غلقها بعد كل صلاة لن تتواجد هذه الجماعة وأمثالها !
الدكتور سعد الدين الهلالى أستاذ الفقه المقارن يعلق :
إن الله عز وجل قال :« فى بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار»، وقال أيضا : إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين».
وقال أيضا «ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى فى خرابها أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين» فهذا بيان واضح من الله عز وجل فإن من طهر بيت الله وحافظ عليه ومكن العابدين أو المعتكفين بالعيادة فيه فهو من وعده الله بالجزاء الأوفى يوم القيامة.
وأما المخرب فهو من توعده الله عز وجل بالخزى فى الدنيا والعذاب فى الآخرة.
ودعا «الهلالى» عموم المسلمين للمبادرة والمسارعة والمنافسة فى إعادة وتنظيف وإعمار بيوت الله، سواء كان هذا البيت مسجدا أو حتى كنيسة لأن النبى أمر أمراءه بأن يتركوا الرهبان والعباد فى صوامعهم.
وأشار الهلالى إلى أن عقوبة تدنيس المسجد تتلخص فى قول الله عز وجل «ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى فى خرابها أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين لهم فى الدنيا خزى ولهم فى الآخرة عذاب عظيم». وقال الهلالىإن هدف الإخوان من ذلك العبث هو الوصول إلى مكاسب سياسية واستغلال كل ما يمكن استغلاله للعودة إلى الحكم فهم لا يريدون من حياتهم أو دينهم إلا الحكم وكأن الحكم هو السبيل لدخول الجنة والنبى حذر من ذلك، وقال إنها أمانة وإنها يوم القيامة خزى وندامة، وقال النبى صلى الله عليه وسلم «إنا لا نولى أمرنا هذا من سأله أو حرص عليه كأنه أمر كل مسلم أن يرفض ولاية من يطلب الولاية».
وقال الهلالى إنه يجب إسقاط كل جماعة تسمى نفسها جماعة «إسلامية»، وعليها أن تتحول إلى جماعة علمية، فهؤلاء يريدون أن يكون الدين لهم والله عز وجل يقول «وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله» فإذا أراد خدمة المجتمع يخدمه بكتاب ومنهج يقدمه للمجتمع لكى يتناقش فهؤلاء يمارسون البدعة ويتهمون غيرهم بالبدعة فحلها الوحيد العلم والفقه وأن الناس تأخذ علمها الشرعى ممن تعلم فى الأزهر الذى هو متجرد للبحث عن الحقيقة العلمية وليس الجماعات الإسلامية التى تريد أن تكون وصية على الناس.
الداعية خالد الجندى قال: يجب عودة المسجد إلى رونقه الإسلامى تحت إشراف وزارة الأوقاف وتفعيل الرقابة، وأضاف: النبى كان يتعامل مع المسجد بحسن تنظيفه وحسن العناية به وحسن متابعته وعدم الخلط بين الأمور السياسية والأمور الدينية، وكل من دمر وخرب بيتاً من بيوت الله فهو من أهل الخزى والنار يوم القيامة مشيرا إلى أن تعامل الجماعات الإسلامية مع المسجد يأتى على حسب ما تفعله من تدمير، نحن لا نتهم أحدا بعينه، وأيد الجندى قرار وزارة الأوقاف بغلق المساجد بعد الصلوات الخمس، فهى إجراءات كفيلة بالحفاظ على المساجد. وعلق الجندى بقوله: أن ما حدث للمساجد فى الفترة الماضية منذ بداية فض الاعتصام هو استخدام خاطئ وخلط السياسة بالمسجد أدى إلى خرابها والاعتداء عليها !
د.سالم عبد الجليل الداعية الذى كنا نحسبه وسطيا ووكيل وزارة الأوقاف السابق والذى كان مرشحا لمنصب وزير تبدلت آراؤه بشكل مثير للتساؤل حتى أنه أصبح يدافع عن جماعة الإخوان، فعندما سألناه: كيف نعيد للمساجد رونقها الدينى والأخلاقى بعد ما شهدته من جرائم إخوانية فى اعتصام رابعة وغيره، قال: وهل المسجد افتقد رونقه؟ وعندما سألته عن تعليقه على ما حدث فى بيوت الله فى أحداث الفتح وغيرها وما هى عقوبة من ارتكب هذا قال: لا يوجد لدينا تأكيد عن مرتكبى ومنتهكى هذه الجرائم، ومن قال إن الإخوان الذين فعلوا ذلك وحرقوا جامع «رابعة» وأطلقوا النيران من مئذنة «الفتح»!
ومثله د. كمال حبيب الذى كان يقدم نفسه بأنه خبير فى شئون الجماعات الإسلامية، لكن الحقيقة أنه واحد من أقوى مؤيدى الإخوان فقال عندما سألناه: ما رأيك فى تعامل الإخوان مع المسجد، وما الهدف من ذلك؟ فرد علينا: تعامل إخوان إيه مع المسجد، فعندما سردنا له الأحداث قال: أنتم مصدقين أن الإخوان حرقوا مسجد «رابعة».. هل حرقت المسجد الذى كانت تجلس فيه.