استنكر علماء الأزهر الشريف وأئمة الأوقاف قيام عشرات المصلين بالتظاهر داخل الجامع الأزهر. وأكدوا أن ذلك انتهاك صارخ لحرمة المساجد, وأن من قاموا بهذا الفعل وعلي رأسهم الدكتور طلعت عفيفي وزير الأوقاف السابق والذي كان قد أصدر عدة بيانات في أثناء توليه الوزارة تحذر من استخدام المساجد في العمل السياسي, والغريب انه هو من تقدم المظاهرة داخل جامع الأزهر. ويؤكد الدكتور القصبي زلط عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف أن المسجد له حرمة فبيوت الله في أرضه هي المساجد, والقرآن الكريم بين منزلتها وبين ما يمكن أن تقام من أجله, قال تعالي في كتابه الكريم: في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال, وعلي هذا الأساس نري في القرآن الكريم أيضا تلك المكانة وأدب الداخلين عليها والجالسين فيها وأن من دخل بيت الله فلا يصح أن يرفع صوته أو أن يدعو مع الله أحد, فيقول سبحانه وأن المساجد لله فلا تدعو مع الله أحد, وهناك أحاديث كثيرة تبين حرمة المساجد وعلي هذا الأساس فلا يصح أن تتخذ المساجد غرضا لنشر فكرة ضد فكرة, أو التعصب لشخص دون شخص ينبغي أن ننأي بالمساجد عن هذا خاصة إذا كانت هذه الفكرة التي تنشر ليست من الأفكار الدينية وإنما هي أفكار تختلف فيها الآراء وتتعدد فيها وجهات النظر فعندما تتخذ المساجد هدفا لنشر فكرة معينة فهذا هو التعصب بعينه فما كانت المساجد إلا لتوضيح الحق وعلامات لهداية الناس. هذا من ناحية, أما أن تكون هناك مسيرات ومظاهرات تنطلق من الجامع الأزهر أو في أي بيت من بيوت الله وتذهب هذه المسيرات إلي جهة معينة فكأنما أقامت حشدها في المسجد بتعصب وذهبت إلي مقصدها أيضا بهذا التعصب, القضية ليست حديثا عن حرمة المساجد, وإنما أيضا حديثا عن تعصب لرأي وإبعاد للرأي الآخر, و لا حرج في اختلاف الآراء, ولكن الحرج كل الحرج في أن نتعصب لرأي وأن نرمي الخارجين علي رأيه بالكفر أو الإلحاد, فالقضايا سياسية وبالتالي فإن الاختلاف لا يصح أن ننظر إليه علي أساس الاختلاف بين فكر ديني وفكر غير ديني, وإن كنا نريد أن ننأي عن هذا الجو القاتم المليء بالنزاعات والخلافات والمصحوب بالتعصب والذي قد يؤدي إلي إشعال نار الفتنة في البلاد, علينا أن نجلس لنتحاور وأن يكون الحوار جادا وأن يصاحبه صدق النوايا, وأن يصاحبه أيضا تغليب المصلحة العامة علي المصلحة الشخصية, فالحوار هو الذي يقرب بين المتنازعين ولا ينبغي أن يكون الحوار شكليا أو يتمسك كل فصيل برأيه وليكن هدفنا جميعا هو مصلحة مصر ومصلحة الوطن, ونسأل الله عز وجل أن يسير بمصر إلي بر السلام والأمان وأن يجنب أهلها الفتن ما ظهر منها وما بطن. المساجد للصلاة وذكر الله ويقول الدكتور عبدالفتاح إدريس أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر الشريف إنه روي عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه نادي أعرابي بال بالمسجد, فقال له: إن المساجد لم تبني لهذا وإنما هي للصلاة والذكر وقراءة القرآن, وهو حديث ثابت عن النبي يفيد أنه لا يشرع عمل آخر في المسجد غير هذه الثلاثة, وقد أكد هذا رسول الله صلي الله عليه وسلم فقال في حديث آخر من وجدتموه ينشد ضالته في المسجد فقولوا لا رده الله عليك, ومن رأيتموه يبيع سلعة في المسجد فقولوا: لا أربح الله تجارتك. وهذا يؤكد وظيفة المسجد التي قصرها رسول الله صلي الله عليه وسلم علي الصلاة والذكر وقراءة القرآن, ومن ثم فإن التظاهر في المسجد هو إهدار لمكانة المسجد, وعصف برسالته التي حددها رسول الله صلي الله عليه وسلم في الحديث, فضلا عما فيه من التشويش علي المصليين والمتعبدين والذاكرين, وجعلهم لا يحسنون ولا يتقنون ما يقيمون به من صور العبادة لله, ولهذا فإن رفع الصوت في المسجد منهي عنه شرعا, حتي ولو كان رفع الصوت لقراءة القرآن في حضرة من يصلي لله تعالي لما يترتب عليه من إبطال صلاة هؤلاء المصلين,ولهذا فإن التظاهر في المساجد بوجه عام لا يشتمل علي معصية واحدة, وإنما عدة معاصي لله تعالي, من بينها أنها صد عن ذكر الله, ومنع للناس من دخول المسجد لعبادة الله فيه, الأمر الثاني أنها تنكر عن الوظيفة التي حددها المشرع للمسجد, الأمر الثالث أنها تسبب في إبطال الصلوات وصرف الناس عن عبادة الله تعالي والتقرب إليه بالطاعات, الأمر الرابع أنها رفع للصوت في المسجد وهو منهي عنه باتفاق الفقهاء, الأمر الخامس هو عدم مراعاة ما ينبغي لهذا الموقع من إجلال وتوقير لأنه بيت من بيوت الله تعالي له مهابة في نفوس الناس جميعا, الأمر السادس أنه إسقاط لهيبة المسجد من نفوس العوام إذا كان الذي يقوم بهذه التظاهرة محسوب علي علماء الشريعة, كأن فعله هذا يجرأ العوام علي إهدار هيبة المسجد ومكانته وما ينبغي له من تقدير وتوقير. انتهاك لحرمة بيوت الله ويقول الدكتور أحمد كريمة, أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر, أن رسول الله صلي الله عليه وسلم نهي عن رفع الأصوات في المساجد ولو كان بالأذكار والأدعية, وعن حمل السلاح والإشارة به, وعن الخصومة في المساجد لعظيم حرمتها, لأن رسالتها محددة الشعائر العبادية, وأجمع أئمة العلم علي ذلك, وفقه الصحابة رضي الله عنهم ذلك, فلما تناظروا في أمر الخلافة بعد وفاة النبي صلي الله عليه وسلم ذهبوا إلي سقيفة بني ساعدة, ولم يجروا الحوار في المسجد, فالمساجد يؤتي إليها بالسكينة والوقار ويحرم رفع الأصوات والجهر بها, وتعظيم غير الله تعالي, وإستخدامها فيما يخل برسالتها, يقول الله سبحانه وتعالي: ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعي في خرابها أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خآئفين لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم, وما أقدم عليه أهل غوغاء إنتهكوا حرمات المساجد لعصبية جهلية حذر منها نبي الله صلي الله عليه وسلم فقال:( ليس منا من دعا إلي عصبية), وقال أيضا:( من قاتل تحت راية علية يدعو إلي عصبة وينصر عصبة فقتل فقتلته جاهلية), هؤلاء مع أنهم لا يمثلون إلا أنفسهم بتحزبهم السياسي,ومذهبيتهم الدينية, إلا أنهم تعدوا حدود الله وإنتهكوا حرمات الله, والأولي بهم أن يكونوا دعاة إحترام لشعائر الله وعلي رأسها المساجد, قال الله عز وجل: ذلك ومن يعظم شعائر الله, تلك حدود الله فلا تعتدوها فما زالت المساجد لدواعي حزبية أو سياسية ويجب محاسبة كل معتد علي حرمات المساجد التي يجب أن تصان لإبلاغ رسالة الله بحكمة واعية وموعظة حسنة بعفة ألفاظ وسمو أساليب, وعلي منهج قل هذه سبيلي أدعو إلي الله علي بصيرة أنا ومن اتبعني. محاولات أخونة الأوقاف والمساجد يري الشيخ فؤاد عبدالعظيم وكيل وزارة الأوقاف السابق أن هذا الأمر أساء للأزهريين إساءة بالغة, وحمل الدكتور طلعت عفيفي وزير الأوقاف السابق مسئولية الإساءة إلي وزارة الأوقاف أيضا, وأضاف قائلا: خروج الدكتور طلعت عفيفي هو وجماعته دليل علي أنه لا يصلح أن يكون قدوة أو وزيرا من الأساس, فما قام به من أعمال تخريبية في وزارة الأوقاف منذ توليه الوزارة لا يمكن تجاهلها, وعلي رأس هذه الأفعال المشينة أخونة الوزارة بالكامل, وإحالة وكلاء الوزارة إلي مستشارين او نقلهم لأماكن متطرفة لإبعادهم عن الوزارة, بالإضافة لكم المشاكل والخلافات الكبيرة التي تسبب بها للعاملين بالوزارة, أما الأخطر من ذلك والذي يعد مصيبة كبري هو إبعاد الأئمة المعتدلين الوسطيين عن المساجد وبالذات في المساجد الكبيرة, مثل الجامع الأزهر ومسجد الفتح وعمرو بن العاص, فجميع أئمتهم من الإخوان بصرف النظر عن ثقافتهم ودينهم. ويضيف أن ما فعله الدكتور طلعت عفيفي وخروجه بمظاهرة من الجامع الأزهر يثبت دلالة وبالبرهان أن طلعت عفيفي ومن معه من شركائه واخوانه يريدون وتغيير معالم الأزهر الشريف, بالرغم من كل ما فعله لوزاة الأوقاف, إلا أنني علي يقين أنها ستعود إلي حضن الأزهر ووسطيته واعتداله وأقول له إن الإنتماء والولاء ليس لأحد إلا لله سبحانه وتعالي.