أجيال كاملة لم تكن تتصور أن تعيش لترى الدولة المصرية فى هذه الحالة المهينة بين الشعوب.. فهذا الحلم الذى كان يعيشه المصريون بعد ثورة سرقها الإخوان، تحول بكل معنى الكلمة إلى «كابوس» اقتصادى وأمنى وسيادى واستراتيجى واجتماعى وثقافى ودينى، كل هذا تجسد فى مذلة جنودنا الغلابة الذين استسلموا لخيار التطوع للأمن المركزى كوسيلة أخيرة للإعانة على معاناتهم وفقرهم، وكأنهم ينقذون أنفسهم من ذل بالسقوط فى ذل آخر، فتركتهم السلطة فى يد الإرهابيين يمثلون بهم أمام الكاميرات ليبثوا فيديو مهينا على اليوتيوب ليكسروا هيبة وكرامة الجندى والمجند المصرى أمام العالم وسط سكوت الجماعة وذراعها الرئاسية خوفا على إراقة الجيش لدماء الإرهابيين! فالجماعة المحظورة الحاكمة لا تعلى القيمة المصرية كالعادة وتضيع «المحروسة» فداء لمصالحها، وأبت أن تغضب الإسلاميين بتصنيفاتهم المختلفة استعدادا لانتخابات مرتقبة، ولم تعبأ بهيبة مصر فى مقابل حماية الجماعة من الخيبة، فصرخ المصريون فى الشارع «يا هيبتك.. يا مصر» الضائعة، ما الفارق بين ضياع الكرامة قبل الثورة وبعد الثورة.. أليست الكرامة واحدًا من الأهداف الرئيسية للثورة؟! المقارنة بين هيبة الدولة المصرية وهيبة الجماعة الإخوانية محسومة لدى عناصر الجماعة ومنهم «مرسى»، فلا أعرف لماذا اندهش البعض من موقفه فى هذه الأزمة، ولماذا لم يندهشوا من تبرير «بديع» بعدم مهاجمة الإرهابيين بأننا في شهر رجب «الحرام».. لكن الاندهاش الحقيقى المفروض أن يكون من المؤسسة العسكرية التى لا أعرف إلى متى ستسكت على المهانة التى تتعرض لها مصر على يد هذا التنظيم الدولى غير المصرى! فإما أن يتمصر الإخوان.. وهذا مستحيل، أو أن يتأخون المصريون.. وهذا مستحيل أيضا، أى أنه على طريقة «مرسى» «دونت ميكس»! وبعد نهاية الأزمة أصبح من الواضح أن الإخوان مصرون على استغلال كل شىء مصرى مهما كان غاليا لتحقيق مصالحهم حتى لو كان هيبة الدولة المصرية، وبالطبع لا يمكن أن نوجه اتهاما مباشرا للجماعة حول تورطها بشكل ما فى إخراج عملية الاختطاف وتأخير التحرير بهذه الطريقة، رغم التسريبات، إلا أن المشهد يحمل الكثير من الريبة المستفزة التى تفتح الباب للقيل والقال، خاصة أن الرئاسة و«الحرية والعدالة» تعتبر مجرد الحديث فى الموضوع والمطالبة بكشف ملابسات الإفراج عن الجنود السبعة مساسا بالأمن القومى، ورغم ذلك يدعون أن هذا لا يعنى أن هناك صفقة للإفراج عن إرهابيين. لكن حتى لا يتهمنا البعض بالتحامل على الإخوان، فإننا نقر أن الاتهامات تزيد بين كل أطراف المشهد حول أن عملية الاختطاف والتحرير مجرد «فيلم هندى» أخرجه طرف ما لتحقيق أهداف معينة منه، فالكثيرون يتهمون الإخوان بأنهم مخرجو هذا الفيلم الهندى لأنهم الأكثر استفادة منه من عدة زوايا، منها تحويل الأنظار بشكل ما عن ضربات حملة «تمرد» الموجعة لهم، والتى نالت خلال الأيام الأخيرة تجاوبا شعبيا كبيرا جدا مفاجئا للجماعة فقط وحلفائها طبعا، وأيضا أعادت بعض ملامح الثقة المفقودة فى «مرسى» لدى قطاعات ما، وصورت الجماعة فى صورة المسيطرة على الأمور حتى لو كان ذلك لدى السذج فقط! وأيضا كانت أغلب التحليلات تركز على فكرة محاصرة الرئاسة للجيش. وكان غير مفاجئ أن يردد من جديد وللمرة الثانية على التوالى «أبوإسماعيل» تصورات إسرائيلية بادعائه أن هذه العملية «فيلم هندى» من إخراج الجيش لإدخال قوات كبيرة فى سيناء لمحاصرة الإرهابيين هناك، خاصة أن هذا يتزامن مع أنباء عديدة حول مخازن غامضة للأسلحة الإخوانية والجهادية فى أماكن عدة منها سيناء ومناطق حدودية غرب مصر.. و«أبوإسماعيل» يتحدث إسرائيليا بهذه الطريقة، فمن المفروض أن يخشى الإسرائيليون إدخال القوات المصرية فى سيناء عكس معاهدة كامب ديفيد.. لا حازم ومن على شاكلته!.. وهذه كما قلنا المرة الثانية بعد تزامن هجومه الأخير على الجيش مع التطاول الإسرائيلى على جيشنا ووصفه بالمنهك غير القادر على خوض أى حرب! فما سر «أبوإسماعيل» يا ترى؟! ولماذا ضبط بوصلته على شمال شرق مصر حيث إسرائيل؟! هل هذه تعليمات خاصة من «ماما أمريكا»؟.. مجرد تساؤلات لا أكثر ولا أقل! وأخيرا فى سياق الاتهامات المتبادلة بالفيلم الهندى فإن الإخوان يتهمون الجيش بافتعال هذه المبالغة لاستعادة شعبيته فى الشارع بعد صدمة الرأى العام فى رفض السيسى لدعوات الانقلاب الشعبية، ومحاولة لإحراج مرسى والذى أساسا كان يعانى من إحراج الحرية والعدالة بعد إصرار الحزب على مناقشة الشورى لقانون السلطة القضائية رغم وعد الرئيس للقضاة بعدم مناقشة القانون قبل الاتفاق على بنوده فى مؤتمر العدالة الذى تأجل اعتراضا من القضاة على موقف الإخوان وذراعهم الرئاسية «مرسى»! كل هذا القلق الإخوانى يتزامن مع قرب اليوم المصيرى لكثير من المصريين «30 يونيو»، الموافق الذكرى الأولى لوصول مرسى للحكم، الذى يراه البعض موعدا لسقوطه أيضا مع النجاح المرتقب لحملة «تمرد» خاصة أنهم اعتبروا ضربات «مهاتير محمد» الأخيرة فألا حسنا وبشرى خير لنهاية الجماعة، بعدما فضحها أحد أطواق نجاتها النهائية! «مهاتير» هدم للإخوان كل أعمدة النهضة المزعومة، وفضح كل دعاواهم التى يحاولون ترويجها للسذج والبسطاء، فهذا الرمز الإسلامى المقدر عالميا ردد العديد من التوصيات والملاحظات المخالفة تماما للمشروع الإخوانى، ومن أبرزها الابتعاد عن قرض النقد الدولى وشروطه التعجيزية، وعدم الخوض فى تجربة الصكوك، والاعتماد على النماذج المحلية للنهضة لا تقليد التجارب الأخرى، لأن كل مجتمع مختلف عن الآخر فالمجتمع الماليزى «صناعيا» والمصرى «زراعيا»، والمجتمع الماليزى به أكثر من 240 ملة وعقيدة، ودعاهم لتداول السلطة كما كان هو نفسه مثالا لذلك! وكل هذا يضرب مشروع النهضة الإخوانى فى مقتل، لأنه يسقط أعمدته الأساسية والتى كانوا يرددون أن «مهاتير» وتجربته العالمية مبنية عليه! فجاء ليفضحهم بنفسه ليصدم «الشاطر» الذى كان يجلس بجواره! وكأن على رأسه الطير ليظهر ربك الحق ويزهق الباطل! المفاجئ أن الشاطر استعاد توازنه بسرعة لإطلاق خطة تحميل «مرسى» كل الفشل الإخوانى بكل أوجهه، وبالطبع سينجح فى ذلك لأنه بالفعل يتحمل الكثير من ملامح الفشل الإخوانى، فيكفى أن يتحدث! وكان حديثه الأخير بعد تحرير الجنود السبعة مثالا على ذلك.. وخطة «الشاطر» تؤكد الأنباء التى تتردد خلال الفترة الأخيرة بالتخلص الإخوانى من «مرسى» فى أقرب فرصة، وبذلك لن يكمل مدته، لكن الإخوان ينتظرون أن يضمنوا أغلبية البرلمان القادم المشكوك فيها بالمرة!