الثورتان التونسية والمصرية جاءتا فى أعقاب بعضهما، ووكلتاهما تعثرت فى نقاط كثيرة مشتركة.. بالرغم من فارق تعداد السكان والتعليم بين الدولتين: ففى مقال نشرته الفايننشيال تايمز قالت الكاتبة والمحللة «رولا خلف» إنه خلال كلمة له أمام عدد من المستثمرين فى لندن.. رسم رئيس جمعية لإدارة الأعمال والمشروعات تدعمها الحكومة، وأحد قيادات الإخوان المسلمين فى مصر «حسن مالك» ملامح الرؤية الإسلامية للازدهار الاقتصادى فى مصر، ويقول إنها ترتكز كليا على الاستثمار المسئول والأخلاقى.
وأضاف أن هذه الرؤية لنموذج إسلامى للانتعاش الاقتصادى تتضمن التوازن الحقيقى بين مصلحة الفرد والمصلحة الوطنية الشاملة للبلد، وإعطاء أولوية للتنمية الاجتماعية، والتزام رجال الأعمال والتجار بميثاق أخلاقى ينطلق من شعار «رأسمالية مع الاهتمام بالفقراء». وتعيش مصر وتونس نهضة اقتصادية واجتماعية متعثرة، لأنها تعانى نقصا كبيرا فى التمويل والخبرة فى صفوف وكوادر القادة الإسلاميين... الذين يتولون زمام السلطة فى البلدين. وأطلق الإسلاميون فى البلدين الوعود المتكررة للتغيير والازدهار الاقتصادى، بعد إسقاط الأنظمة الديكتاتورية خلال الاضطرابات التى وقعت فى العامين الماضيين. وعلى الرغم من هذه الوعود.. فإن الإسلاميين لم يستطيعوا أن يثبتوا قدرتهم على الوفاء، بها حيث إنهم بدأوا يكتشفون أن إدارة شئون الحكم أمر أصعب بكثير من قتال الأنظمة الاستبدادية، خاصة حينما يتعلق الأمر بالاقتصاد.. كما بدأ يتضح للكثيرين أيضا أن النظريات التى تتحدث عما يمكن أن يقدمه الإسلام فى المجال الاقتصادى محدودة فى الممارسة الفعلية إلى حد ما. ويعانى الإسلاميون، الذين كافحوا من أجل تعزيز مكاسبهم السياسية من تراجع الثقة بهم، فالعديد من المظالم التى أشعلت الغضب الشعبى لاتزال قائمة، إن لم تكن تزداد سوءا والفقراء ازدادوا فقرا، ومجتمع المال والأعمال تعصف به حالة من الإحباط، كما أثار الإسلاميون فى كثير من الحالات قلقا متزايدا بشأن هجرة المهنيين والمتعلمين وذوى المؤهلات العلمية بسبب مخاوفهم من أيديولوجية الإخوان المسلمين والحكومة، التى ساعدت فى انتشار أزمة الثقة والمخاوف إلى قطاع السياحة، الذى يتطلب أجواء من الانفتاح الاقتصادى والاجتماعى والتحرر من كثير من القيود. ويتضح مما يحدث من تخبط اقتصادى أن هناك قلة خبرة لدى الإسلاميين فى البلدين. إن طرح التساؤلات مستمر بشأن ما إذا كانت الأحزاب الإسلامية تمتلك الكوادر لإدارة المؤسسات الحكومية، وهذا يزيد من حالة الغموض التى تخيف المستثمرين، وفى كلا البلدين فشلت الحكومة فى مواجهة التزايد فى معدل البطالة بين صفوف الشباب الغاضب. إذ إن 25٪ من الشباب المصرى بين 18 و20 عاما عاطلون عن العمل، بينما ارتفعت نسبة البطالة فى تونس عما كانت عليه قبل اندلاع ثورة الياسمين فى ,2011 إذ بلغت 50٪ بين صفوف شباب الخريجين. ويحلو للإسلاميين فى العالم العربى عادة الاستشهاد بتركيا كنموذج يمكن الاقتداء به للازدهار الاقتصادى بفضل السياسات الناجحة لحكومة رجب طيب أردوغان، ذات التوجهات الإسلامية، لكن خبراء حذروا من أن مقارنة تركيا بالدول العربية قد تنطوى على تضليل.
ويقول طارق عثمان المحلل والخبير المصرى فى شئون الاقتصاد السياسى للفايننشيال تايمز: «عملت قطاعات متقدمة من الإسلام السياسى على تطوير تفكيرها، على مدى العقد الماضى، ليس فى القضايا السياسية فقط، بل فى مسائل الاقتصاد السياسى كذلك، وهذا يعنى استكشاف وجهات نظر وآراء حول مشكلات العجز المنتظم فى الموازنة، والقدرات على المنافسة الوطنية، وخطط التنمية الكلية، لكن المشكلات باقية ومستمرة، فليست هناك شخصية أو جهة عربية للإسلام السياسى لديها الخبرة الحقيقية، وتطبق خطط تنمية كلية للاقتصاد السياسى تضمن اصلاحات هيكلية خلال مرحلة انتقالية. ولو افترضنا أن حكومات فى غاية الكفاءة تحكم مصر وتونس، فهذا لن يعفيها من التعرض للضغوط الكبيرة للتصدى لمطالب شعبية، خاصة حينما يكون الشعب قادرا على استعراض عضلات قوته من خلال التظاهر فى الميادين العامة، وتنفيذ الإضرابات، ويقول أحد المسئولين فى الحكومة المصرية إن الحكومة لقيت معاملة ظالمة وغير مقبولة من جانب قوى سياسية معارضة وتيارات شعبية، على الرغم من إيجادها عدداً لا بأس به من الوظائف وفرص العمل، حيث يرى الشعب أن شيئًا لم يتغير خلال عامين، ولم تتمكن الحكومة من كسب ثقة الناس وإقناعهم بأن الأفضل قادم. هذا بالإضافة إلى ما كتبته الواشنطن بوست عن ضغوط جديدة أصبحت تمثل عبئًا على الحكومة المصرية خاصة.. ألا وهى الألتراس أو شباب كرة القدم المتعصبون فى مصر الذين يرفضون استقرار الأوضاع ويرفضون أن تأخذ الثورة مسارها الطبيعى، مشيرة إلى أن همجية كرة القدم أصبحت مرضا مزمنًا ومتوطنا فى دول عربية كما هى الحال فى بريطانيا والعديد من الدول الأوروبية الأخرى، وقال الكاتب ديفيد إجناتيوس فى مقاله إذا أردت فهم مشجعى كرة القدم الثائرين الذين أصبحوا قوة سياسية فى مصر الجديدة، فاقرأ رواية «برتقالة آلية» أو «سمهَفْد ًًٌُّْكٌُ3 ء» التى ألفها الكاتب البريطانى أنتونى بيرجيس عام ,1962 حيث تدور القصة حول حاضر مؤلم ومستقبل فوضوى لعصابة من الشباب يقودهم أليكس بطل الرواية، فبعد أن يتناولوا المخدرات يبدؤون فى ارتكاب أعمال وحشية أطلقا عليها بيرجيس اسم «العنف المتطرف»، ويصف أليكس انغماسه فى العنف قائلاً «تظل تهتز وتهتز حتى لا تترك شيئًا لم تفعله.. تتخلى عن اسمك وجسدك وروحك، دون أن تلقى بالاً لأى شىء». وفى حواره مع مجلة فورين بوليسى الأمريكية يوضح الصحفى والأكاديمى جيمس دورسى صاحب مدونة «عالم كرة القدم المضطرب بالشرق الأوسط» كيف ظهرت جماعة الألتراس، مؤكدًا أنه بعد سنوات من محاربتهم للشرطة المصرية فى ملاعب كرة القدم، كسر هؤلاء الشباب حاجز الخوف، فلم يعد لديهم شىء ليخسروه، وأصبحوا متمرسين على القتال». ويختتم الكاتب المقال بالإشارة إلى أن إحدى المشكلات التى تواجه مصر فى الوقت الراهن تتمثل فى رفض الشباب الذين أشعلوا نيران الثورة للاستقرار والمشاركة بصورة سلمية فى الحياة السياسية، فهم يسيطرون على الشوارع ويسعون لتحدى القادة الجدد.