عادة مصرية أصيلة.. كلما مر الشعب المصرى بنكسات وإحباطات بسبب حدة الصراعات السياسية وسخونتها حتى أصبح الوطن على شفا حرب أهلية، وتأزم الأوضاع الاقتصادية تصبح حالته النفسية مرآة عاكسة لكل الأمور، وتفقده الأمل وتدخله فى دوامة اكتئاب تتجلى فى تصرفاته العنيفة وانطوائه ولجوئه العشوائى إلى مضادات الاكتئاب والمخدرات والمنشطات الجنسية للهروب من واقع أليم إلى عالم افتراضى لا يقل ألمًا!
كثيرون فقدوا قدرتهم حتى على تناول الطعام، وبينما تزداد الأحوال سوءاً يوما بعد يوم، نجد بعض الشباب يفرغون طاقتهم المكبوتة فى البحث عن أنواع جديدة ورخيصة من المنشطات الجنسية، أو اختراعات مستحدثة للإدمان والتوهان.. نرصدها ونعرض «الغيبوبة» الإرادية التى استغرق فيها المصريون طوعًا!
«إياد»- 22 سنة- طالب بالفرقة الرابعة بإحدى الجامعات الخاصة، قال: الأوضاع المضطربة غير المستقرة لا تجعلنى وأصدقائى قادرين على التركيز فى المذاكرة. «إياد» اعتبر «الترامادول» من المهدئات التى يلجأ إليها معلقًا: احنا كنا «بنروش بيه» ولكننا اكتشفنا أنه بيساعد على التركيز! وهو ما أكده أيضا صديقه «منير» الذى رصد انخفاض سعر الترامادول وتوفره حتى أصبح سعر الشريط يتراوح بين 15 و20 جنيهاً للشريط بعدما كان سعره قبل الثورة 80 جنيهاً!!
ويضيف: أحيانًا نلجأ لمخدر الحشيش لنهرب به من واقعنا ومليونيات البلد والقرارات العشوائية خصوصًا «البسكوتة»، وهو أفخر أنواع الحشيش وبيعمل «دماغ عالية» وسعر القرش أصبح 120 جنيهاً بعد أن كان 200!
المهم- حسب كلام «منير»- أن تعلم كود الحشيش الذى تتعاطاه والذى وضعوا له أكواد مشابهة لشبكات المحمول مثل 010/ 011/ 012، وهكذا فكل نوع من الحشيش له تجار وزبائن معروفون مثل الحشيش الأفغانى والمغربى وسعرهما الآن 80 جنيهاً والشعبى وصل إلى 50 جنيهاً بعد أن انخفضت الأسعار لأكثر من النصف وأصبحت فى متناول الجميع!
كما رصدنا مشروباً جديداً يمثل آخر تقاليع الإدمان «صهللة» عبارة عن خليط القهوة والشاى وأقراص فلورست مطحون وينتشر جدًا فى أوساط الحرفيين!
د.«هشام عباس»- مدير الجمعية المصرية لمكافحة الإدمان- رصد لنا تراجع نسبة نسب الإقبال على المخدرات لأول مرة فى مصر خلال ال11 يوماً الأولى من قيام ثورة يناير، ومن بعد حتى اليوم حدثت انتكاسة وصلت إلى أن ارتفعت نسبة التعاطى إلى 300% وأرجع هذا لفشل الثورة، وساهم فى ذلك الحدود المستباحة مع ليبيا والسودان وسهولة التهريب ساعدت فى دخول كميات لا حصر لها!
د.«هشام» أوضح أن نسب التعاطى بلغت 19% للشباب الجامعي، و21% للمرحلة الثانوية، و9% من المرحلة الإعدادية و33% من الشباب العادي، ورصدنا المناطق الأكثر انتشارًا لهذا المشروب وهى حلوان، الشرابية، مصر القديمة، بحرى فى الإسكندرية!
وقال: إن أول من اكتشف فى العالم الترامادول كمنشط جنسى ومخدر فى ذات الوقت هم المصريون فسجلت الأرقام أن 65% من الحرفيين استخداماً للترمادول و35% للشباب، وقال بكل أسف إن المخدرات أصبحت متوفرة بشكل مخيف والسوق أصبحت غارقة بكل أصناف المخدرات ووزارة الداخلية لم تطور من أساليبها منذ عشرات السنين لمواجهة مافيا المخدرات. «أحمد السيد»- مدير مبيعات إحدى شركات الأدوية الكبري- قال: المنشطات الجنسية تزداد مبيعاتها منذ عام 2010 حتى هذه اللحظة، وتمثل 75% من نسبة المبيعات على مستوى الجمهورية وتزايدت نسبة المهدئات والمنومات لتصل إلى 30% من المبيعات، وتم رصد للفئة المستخدمة فاكتشفنا أن كلهم شباب فى أعمار مبكرة!
بالصدفة -والكلام لأحمد- التقيت صديقة لى منذ أيام الجامعة وعرفت منها أنها تزوجت حديثًا، وأنها مازالت فى شهر العسل فهنأتها بالزواج فصدمتنى بردها «بتباركى لى على إيه بلا خيبة»؟!.. فسألتها لماذا تقولين ذلك؟.. فأجابت: زوجى يتعاطى منشطات جنسية منذ يوم الزواج الأول وعندما واجهته قال لها إنها مهدئات تجعله يتكيف مع هذه الأوضاع التى تمر بها البلد، خاصة بعد أن أغلقت الشركة التى كان يعمل بها وأصبح بدون عمل، فالتزمت الصمت وتذكرت فيلم «النوم فى العسل» للفنان عادل إمام!!
د.«هبة قطب» تفسر لنا الحالة التى أصابت الشباب.. فقالت إن التوتر العام فى أوضاع البلاد يؤثر على العلاقة الزوجية وهذا خطأ يقع فيه الكثيرون، فلقد خلق الله العلاقة لتكون بمثابة الأسفنجة الماصة للتوترات ولكن الناس لا تفصل بين الأعمال والضغوط والانفعالات والتوترات فيصاب النساء والرجال بالفتور أثناء العلاقة لأنه منشغل بأشياء أخرى مثل المظاهرات والانفجارات، وأكثر من يعانون من هذه الاضطرابات هم قاطنو المناطق القريبة من أماكن التظاهرات والاعتصامات فأصبحوا يعانون من ضعف الأداء بسبب ضعف الدم والتوتر المستمر والقلق.
أضافت: انتشار المنشطات بهذا الشكل الفج له بعد اجتماعي، فهى عادات سيئة فى المجتمع، وسبق أن قلت فى إحدى القنوات، أنا أعتقد أن بدلة العريس تباع بالمنشطات من كثرة انتشارها لدى الشباب المقبل على الزواج، فهذا الأمر يرجع إلى ثقافة خاطئة وعدم الثقة فى النفس وتدخل الأصدقاء أو الأهل عن جهل فهو موروث اجتماعى بدأ يستشرى ويتفشي، وأنا أقول للشباب دائمًا ربنا خلق هذه العلاقة لكى نسعد بها وليست مهمة شاقة نرصد لها الميزانيات والتكتيكات وخطط واستشارات لأنها مسألة تلقائية مثل الأكل والشرب.
د.«محمد المهدي»- استشارى الطب النفسي- يصف لنا الحالة التى نعيشها وكيف نتكيف مع هذه الأجواء دون اللجوء إلى المخدرات أو المنشطات فقال: إن الشعب دائما يتأثر بالمناخ الذى يعيش فيه والعوامل المحيطة تخرج أسوأ ما فى الشعوب أو أفضل ما فيه وبحسب هذه العوامل إذا كانت مهيئة لذلك، والشعب المصرى حاليًا يخرج أسوأ ما فيه، قبل الثورة كان وجد ثلاثة أشياء تخرج أسوأ ما فى أى إنسان هى «الفقر، الفساد، الزحام»، أضف إلى ذلك بعد الثورة الانفلات الأمنى والأخلاقى وغياب الأمن كل هذا أدى لخروج مخالفات المبانى والمرور والصخب وانفعالات متزايدة والتهديد بالقوة واستخدام المخدرات، لذلك أصبح المصريون يملكهم الإحساس بالخوف والفزع وضعف القانون وضعف الدولة والأمن، وعدم السيطرة جعل المجتمع مفككاً ومنفلتاً بكل الأشكال.. وظاهرة المنشطات وتزايد المخدرات نتاج لهذه الحالة المليئة بالتوترات والاضطرابات وتعاطى المنشطات هو مجرد تفريغ للشحنة الجنسية والشعور باللذة الوقتية تجعل الإنسان لديه إحساس بالقدرة عاليا، ولكنه إحساس زائف قصير المدى وهو هروب من المتاعب والضغوط.
وينقلنا الدكتور على ليلة أستاذ علم الاجتماع الى نقطة أخرى وهى إن الإيجابيات التى نشأت عن الثورة والتظاهرات أن المصريين أصبحوا لا يخافون ولديهم الإحساس بإبداء الرأى والمطالبة بالحرية والديمقراطية، فهذا يدل أن المجتمع سليم ولكن نحن كمصريين نمر بمرحلة حرجة، فمصر الآن فى عنق الزجاجة.. وأرى أن المشهد له سيناريوهان، هان الأول وما أتمناه كمصرى ومسلم وحافظ للقرآن الكريم، وأواظب على صلاة الفجر أن تنجح المعارضة بشكل أساسي، وفى هذه الحالة سوف نتخلص من ثقافة الديكتاتورية والثقافة الفرعونية والبلد ستنتطلق مثل أى بلد محترمة.. أما السيناريو الثانى والذى لا أتمناه أن تنتصر التيارات الإسلامية بأطيافها المختلفة ونرجع إلى أسوأ عصور الخلافات.■