الأكاديمية الطبية العسكرية تفتح باب التسجيل ببرامج الدراسات العليا.. اعرف الشروط والتخصصات    وزير التعليم يتفقد مدارس الحوامدية: تقديم كافة سبل الدعم للمعلمين والطلاب    جدول مواعيد امتحانات الترم الثاني 2025 في محافظة أسيوط جميع الصفوف    غدا آخر موعد للتقديم.. وظائف شاغرة في جامعة أسيوط    وصلت ل120 جنيها للكيلو.. استياء بين أهالي الإسكندرية بسبب ارتفاع أسعار الدواجن: مش هانشتري لحد ما تنزل    الثلاثاء 13 مايو 2025.. أسعار الذهب تعاود الارتفاع 30 جنيها وعيار 21 يسجل 4610 جنيهات    مدبولي يفتتح توسعات شركة هيات إيجيبت للمنتجات الصحية بالسخنة باستثمارات 60 مليون دولار    البنك الأهلي يوقع بروتوكول مع مجموعة أبوغالى لتوريد وتسليم سيارات "جيلي" بمصر    البترول: فتح باب استقبال مستندات أصحاب شكاوى طلمبة البنزين لصرف التعويض    فاروق يبحث مع معهد سيام باري تعزيز التعاون في مجال البحث العلمي الزراعي    متوسط التأخيرات المتوقعة لبعض القطارات على خطوط السكة الحديد    الأونروا: سكان غزة يواجهون خطرا شديدا من المجاعة بعد 19 شهرا من الصراع    وزير إسرائيلي: نرفض إقامة دولة فلسطينية ونتخذ قراراتنا بأنفسنا    كييف تعلن إسقاط 10 طائرات مسيرة روسية خلال الليل    عبد العاطي ونظيره التركي يناقشان التطورات في غزة وليبيا    خوسيه ريفيرو يقترب من الأهلي.. بداية حقبة جديدة بعد رحيل كولر| شاهد    رئيس الاتحاد البرازيلي: تلقيت تعليقات من اللاعبين بشأن أنشيلوتي    اليوم.. الأهلي يواجه الزمالك في أولى مباريات نصف نهائي دوري سوبر السلة    الأهلي يواجه المقاولون العرب اليوم في بطولة الجمهورية مواليد 2008    تحرير 588 قضية ضد مخابز مخالفة بالقاهرة    مصرع شخصين وإصابة 6 آخرين في انقلاب سيارة جنوب البحر الأحمر    «الداخلية»: مصرع 3 عناصر شديدة الخطورة خلال تبادل لإطلاق النار مع الشرطة في قنا وأسوان    الداخلية: ضبط 546 دراجة نارية لعدم ارتداء الخوذة    تبدأ غدا.. جداول امتحانات الشهادتين الابتدائية والإعدادية بالأزهر    منتج وداعاً جوليا.. تعيين فيصل بالطيور رئيسًا ل «البحر الأحمر السينمائي»    بعد إقرار قانون الفتوى.. دار الإفتاء تطلق برنامجًا تدريبيًا للصحفيين لتعزيز التغطية المهنية للقضايا الدينية والإفتائية    بالفيديو.. الأعلى للآثار يكشف تفاصيل تسلم مصر 25 قطعة أثرية نادرة من نيويورك    قريبًا.. كريم محمود عبد العزيز يروج لمسلسله الجديد "مملكة الحرير"    صحة المنوفية تتابع سير العمل بمستشفى بركة السبع المركزي    الصحة: إنقاذ سائحين من روسيا والسعودية بتدخلات قلبية دقيقة في مستشفى العجوزة    ارتفاع أسعار الحديد والأسمنت اليوم الثلاثاء بالأسواق (موقع رسمي)    وزير الري يتابع موقف الأنشطة التدريبية الإقليمية بالمركز الإفريقي للمياه والتكيف المناخي (PACWA)    ترامب يصل السعودية.. الرئيس الأمريكي يضبط ساعته على توقيت الخليج    الآثار: حصن بابليون محطة رئيسية في المسار السياحي للزائرين    داعية إسلامي: احموا أولادكم من التحرش بالأخذ بالأسباب والطمأنينة في التوكل على الله    هل يحق للزوجة طلب زوجها "الناشز" في بيت الطاعة؟.. محامية توضح الحالات والشروط    تشكيل الأهلي المتوقع لمواجهة سيراميكا في الدوري    مدير عمل بني سويف يسلم عقود توظيف لشباب في مجال الزراعة بالأردن    بعد ساعات من وفاته.. شريف ليلة يتصدر تريند "جوجل"    إرشادات دقيقة لأداء مناسك الحج والعمرة كما فعلها الرسول صلى الله عليه وسلم    صبحي خليل يكشف أسباب تألقه في أدوار الشر وممثله المفضل ورسالة محمد رمضان له    عاجل- الأمم المتحدة تحذر من أزمة غذائية وصحية حادة في غزة    وزارة الصحة تحذر: تغيرات في سلوك الطفل قد تشير إلى اضطرابات نفسية    حكم تسوية الصف في الصلاة للجالس على الكرسي.. دار الإفتاء توضح    عيد ظهور العذراء مريم في فاتيما.. ذكرى روحية خالدة    كان يتلقى علاجه.. استشهاد الصحفي حسن إصليح في قصف الاحتلال لمستشفى ناصر ب خان يونس    بيان هام من محامية بوسي شلبي بشأن اتهامات خوض الأعراض: إنذار قانوني    حبس عصابة «حمادة وتوتو» بالسيدة زينب    غيابات مؤثرة بصفوف الأهلي أمام سيراميكا كليوباترا في الدوري المصري    مستشفى سوهاج العام يوفر أحدث المناظير لعلاج حصوات المسالك البولية للأطفال    6 شهداء في قصف إسرائيلي استهدف خيمة نازحين شمالي قطاع غزة    انفجار أسطوانة غاز السبب.. تفاصيل إصابة أم وطفليها في حريق منزل بكرداسة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 13-5-2025 في محافظة قنا    اليوم| محاكمة 73 متهمًا في قضية خلية اللجان النوعية بالتجمع    يلا كورة يكشف.. التفاصيل المالية في عقد ريفيرو مع الأهلي    منتخب مصر للباراسيكل يكتسح بطولة إفريقيا لمضمار الدراجات ويحصد 29 ميدالية.    جامعة القاهرة تحتفل بيوم المرأة العالمي في الرياضيات وتطلق شبكة المرأة العربية- (صور)    طفل ينهي حياته داخل منزله بالإسماعيلية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فى أوروبا والدول المتقدمة لا يوجد كشك عم «سعيد»!
نشر في روزاليوسف الأسبوعية يوم 08 - 12 - 2012

اعتاد أن يستيقظ من نومه قبل صلاة الفجر بقليل.. بعد أن يصلى ويتناول إفطاره على عربة الفول الصغيرة فى حى البدرشين.. يبدأ مشواره الطويل نحو عمله.. بعد أكثر من ساعة ونصف الساعة وفى تمام السابعة صباحا يصل عم «سعيد» إلى مزلقان البدرشين حيث يمارس عمله اليومى المعتاد والممل منذ سنوات طويلة داخل أحد الأكشاك غير الآدمية والذى تبلغ مساحته متراً فى متر.. أيام الصيف تمر على سعيد بصعوبة إلى حد ما.. فالحر شديد لا يرحم جسده النحيل والمليء بالأمراض بعد أن تجاوز الخمسين من عمره.. ولكن الحر «مقدور عليه» كما قال.. ولكن الكارثة تأتى مع الشتاء.. فالكشك لا يكفى لجسد طفل صغير.. مما يجبر عم سعيد على الجلوس خارج الكشك ليجد نفسه فى معركة قاسية دخلها رغما عنه مع البرودة الشديدة التى تجمد أطرافه!


أزماته بعضها يتعلق بفصول العام كما ذكرنا والبعض الآخر يستمر معه طوال السنة.. فكشك عم سعيد الواقف منذ الخمسينيات شاهدا على قضبان القطارات الحديدية.. لا يحتوى إلا على جهاز الاستقبال الصغير الذى يستقبل إشارات المحطة الرئيسية والتى من خلالها يعرف مواعيد وصول القطارات إلى مزلقانه، فيقوم على الفور بغلقه أمام المارة وسيارات المواطنين والتوك توك حتى لا يصبح أحدهم فريسة لمقدمة القطار القادم بسرعته الجنونية.

«دورة المياه».. كلمة يسمعها عم سعيد ويبتسم ساخرا فى صمت قائلا: دى قريبة من هنا مش بعيدة يادوبك ربع ساعة.. 15 دقيقة سيرا على الأقدام يمضيها سعيد كى يصل إلى أقرب مكان آدمى يستطيع قضاء حاجته بداخله.. وكلما يسير فى طريقه إلى هناك يتذكر محاولاته اليائسة مع المسئولين بالمحطة الرئيسية لتوفير دورة مياه قريبة من المزلقان.. فتقريبا هناك قطار ما يمر كل خمس دقائق.. والرحلة الضرورية إلى الحمامات تجعل سعيد غائبا عن المزلقان فترة من الزمن يمر خلالها ثلاث قطارات دون رقيب.. وأحيانا لا يلتزم المارة والسيارات بأجراس السيمافور التى تسبق قدوم القطار بخمس دقائق على الأكثر مما يتسبب فى وقوع حوادث كارثية اعتاد الرجل على معايشتها خلال عمله.

الراتب 300 جنيه فى الشهر.. سجائر عم سعيد ومواصلاته يكلفانه 200 جنيه.. أما مصاريف البيت من أكل وشرب وإيجار غرفة ومصاريف مدرسة إلى خلافه تتجاوز الخمسمائة جنيه فى أضيق الحدود.. أى أنه يقوم بصرف 400 جنيه فوق راتبه الأساسي.. ولا يعلم حتى الآن من أين تأتى هذه النقود تحديدا.. يعتمد على الإكراميات التى يدفعها «ولاد الحلال».. بجانب يومية ابنه الكبير الذى يعمل بورشة خراطة ويتقاضى 10 جنيهات يوميا ويعطى لوالده 5 جنيهات كى يكمل مصاريف المنزل الصغير.

الزحام الشديد حول المزلقان فى أوقات الذروة يجعل عم سعيد «عينه فى وسط رأسه» على حد قوله.. ويكتظ محيط المزلقان بمئات السيارات وآلاف العابرين من موظفين وطلاب وبائعين من سكان البدرشين.

المارة والأطفال والسيدات وسائقو التوك توك لا يعترفون بصافرة السيمافور ويصرون على المرور.. سعيد يعلو صوته دوما محذرا إياهم وأحيانا يدفعهم بقوة بعيدا عن المكان حتى لا تحدث كارثة.. لا ينام طوال 12 ساعة حتى لا تزهق أرواح بسبب لحظات يسرقها البعض للراحة من شقاء اليوم.. أذناه مع الجهاز الموجود داخل الكشك وصافرة السيمافور وعيناه مع المارة والسيارات وعقله فى مصاريف الشهر وأزماته المالية المتكررة.

لا ينكر أن الحوادث عند مزلقانه تحدث بشكل متكرر.. ولكنه ينفى أى مسئولية حيال ذلك.. فالأخطاء كما يقول سببها المواطن غير الملتزم.. مؤكدا أن ربنا سترها معاه على حد قوله طوال الفترة الماضية كلما ذهب إلى الحمامات وعاد.. فلم يحدث أى حادث أبدا فى هذه الأوقات.. ويحاول الرجل أن يختار أوقاتاً غير الذروة والتى تبدأ من الخامسة مساء حتى يذهب للحمام.. أما بالنسبة للوضوء فتكفى زجاجة مياه كبيرة ليتوضأ منها حتى لا يضطر للذهاب إلى الحمامات للوضوء ثلاث مرات يوميا.

أحيانا وهو عائد لمنزله يتذكر كلمات صديقه «رضا» الذى سافر إلى دبى وحياته أصبحت أفضل بكثير مما جعله يشترى شقة محترمة فى الشيخ زايد وسيارة صغيرة.

تذكر كلماته عندما وصف له حال المزلقانات هناك التى تحولت منذ عشرات السنين إلى بوابات إليكترونية لا يجوز اختراقها طالما مغلقة.. وأصبحت الحوادث منعدمة هناك.. بالإضافة إلى مكتب صغير يجلس بداخله العامل المسئول بحمام خاص ووسائل توفر له الراحة أثناء عمله، بالإضافة إلى ساعات العمل هناك التى لا تتعدى الست ساعات يوميا ويقتصر عمله فقط على المراقبة دون التدخل فى أى شيء.

لم يعلق سعيد على حادث أسيوط كثيرا، بل قال باقتضاب: «العامل دايما كبش فدا.. ولكن لو بحثنا بضمير.. سنجد أسباباً أخري».

هذه الأسباب الأخرى التى يقصدها عم سعيد يستطيع المسئولون التعرف عليها من خلال قصة الرجل وقصص حياة باقى العاملين المليئة بالآلام والإهمال من الدولة وقلة الدخل مرورا بالتخلف الواضح داخل خطوط السكة الحديد المصرية ونهاية بالحمامات التى تبعد عن العاملين بمسافات طويلة.

المزلقانات «الإليكترونية»، فى أوروبا لا تعتمد على العامل البشرى مطلقا، بل جميعها تعمل بشكل آلى ومنظم للغاية.. مما يجعل نسبة وقوع الحوادث صفر بالمائة وتقلل من ميزانية رواتب العمال.

كان من الطبيعى أن نقارن وضعنا المؤسف بباقى دول العالم سواء الدول العربية أو الأوروبية.. وبالبحث وجدنا أن أوروبا بأكملها استغنت تماما عن العامل البشرى فى مزلقانات الطرق وأسست شبكة حديثة ومتكاملة من المزلقانات الإليكترونية فى طول البلاد وعرضها.. هذه المزلقانات طريقة عملها بسيطة، ولا تتكلف مبالغ طائلة، وتعتمد فى عملها أساسا على دائرة كهربائية، حيث تتكون من قضيبين من الحديد، يستخدمان كحواجز حديدية ل«المزلقان»، ويتم ربطهما بموتور وبكرة تتصل بسلك كهربائى ومحولات موضوعة أسفل قضبان السكة نفسها وبمجرد مرور القطار على المنطقة الموضوع أسفلها المحولات، تنخفض الحواجز الحديدية تلقائيا لتنغلق تماما، لتمنع أى سيارة أو شخص من العبور، لذلك هى أكثر كفاءة وأقل خطأ.

مهندس أحمد حشمت الخبير النفقى المقيم فى المجر يؤكد أن عملية تجديد خطوط السكك الحديدية المصرية بما يتناسب مع التطور الموجود فى دول العام سيكلف مصر حوالى 200 مليار جنيه تشمل تطوير القضبان والعربات وعمل مزلقانات إليكترونية والعديد من الأشياء التى تحتاج إلى تطوير.. وأكد أيضا أن الحل الوحيد لأزمة الموت أمام المزلقانات هو المزلقان الكهربائى الذى لا يحتاج إلى عمال.
المهندس هانى عازر عضو لجنة المواصفات النفقية بألمانيا ومستشار لهندسة الأنفاق فى فرنسا يوضح السبب الرئيسى فى تدهور حال السكة الحديد وهو قدم شريط السكة الحديد والذى أصبح غير صالح لتحمل هذا الكم من الرحلات والركاب، كذلك الإشارات أصبحت متهالكة، وإذا أرادت السكة الحديد إعادة هيكلة منشآتها من جديد يجب عليها أولا تغيير قضبانها والمواظبة على صيانتها بشكل دورى للحفاظ عليها، كذلك بناء التقاطعات والمزلقانات تحت الأرض لتعمل بشكل أوتوماتيكى وليس يدويا وذلك لتقليل نسبة الحوادث.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.