عتاد الوقوف يومياً في نفس المكان والزمان، قد تشاهده من السيارة أو تمر من جانبه تلقى عليه السلام يرتدى زيه بألوان فسفورية مميزة كتب عليها من الخلف "سكك حديد مصر"، فجأة يضع السلسلة الحديدة مع قدوم القطارات وينظم السيارات العابرة، بالإضافة إلى المشاة من خلال "صافرة" قام بتعليقها على صدره ولا تفارق فمه.. إنه عامل المزلقان. هذا الشخص الذى يعد أخطر عنصر فى منظومة السكة الحديد؛ حيث يقع على عاتقه منع المواطنين من عبور شريط القطار وتنظيم الحركة بالمزلقان، ومع كل حادث دائماً هو مدان ومسئول في معظم الوقت عن الكوارث التي تتسبب فى حصد الأرواح، وآخرها عامل "مزلقان المندرة" المتهم الرئيسي في حادث قطار أسيوط الذى أودى بحياة 51 طفلاُ وأصاب آخرين، بعدما دهس أتوبيساً يُقل عدداً من تلاميذ معهد أزهرى خاص بمنفلوط.
يستيقظ في الساعات الأولى من صباح كل يوم ويعمل عدد ساعات قد يصل إلى 12 ساعة متصلة دون راحة وإجازة يوم واحد ومرتبه يتراوح ما بين 600 و 700 جنيه فقط ".. هكذا هي طبيعة عمله الشاقة. "مصراوى " حاول الالتقاء بعدد منهم للتعرف على المشاكل التي يواجهونها "عمال المزلقانات" خاصة وأن كثرة حوادث القطارات كشفت عن منظومة تتسم بالإهمال الشديد وعدم احترام لآدمية الفرد... ظروف قاسية كانت البداية مع "إبراهيم محمد" - عامل بمزلقان أرض اللواء بمحافظة الجيزة - الذى أكد على أن عامل المزلقان يعانى من ظروف صعبة للغاية أبرزها عدد ساعات العمل الذى يصل إلى 12 ساعة يومياً يقضيها في الخلاء، مشيراً إلى تعرضهم إلى جميع أنواع المخاطر. وأضاف: "مزلقان أرض اللواء من أكثر المزلقانات خطورة خاصة لتواجده وسط منطقة سكانية يقطنها الآلاف من السكان، مشيراً إلى أن المنطقة شهدت الكثير من حوادث؛ فوجود جثة هامدة على شريط القطار هو مشهد اعتاد الناس رؤيته بين الحين والآخر ". وتابع عامل المزلقان: "أحنا مظلومين" مستكملاً حديثه : "الاستراحة المخصصة لنا غير نظيفة ولا تلائم طبيعة العمل الصعب؛ فهي لا تتعدى كونها "كشك" صغير به "مصطبة" نقضى فيه ساعات طويلة تحت أشعة الشمس في الصيف وبرودة الشتاء"، مشيراً إلى أن عمله يحتم عليه بقائه يقظاً طوال الوقت نظير مبلغ 700 جنيه شهرياً، متسائلاً: "ما هي قيمته في ظل غلاء الأسعار حالياً ؟!" . وأوضح : "قد يتوقف جهاز الإنذار فى كثير من الأحيان وكذلك التليفون الموجود بالكشك، واضطر معه للانتظار يقظاً حتى أرى القطار من مسافة بعيدة لأقوم بعدها بغلق المزلقان من خلال سلسلة حديدية على جانبي شريط القطار تمنع السيارات فقط ولكن لا تمنع المارة والذين يعبرون دون أدنى مشكلة والذى يعرضهم للموت تحت عجلات القطار". وأشار "عم إبراهيم" إلى تعرضه وزملائه للإهانة والمشاجرات بسبب غلق المزلقان بفترة، قائلاً:" يقوم البعض بتوجيه السباب لنا بسبب تأخرهم عن مصالحهم"، معرباً عن أمله وحلمه فى أن تعمل الهيئة على تطوير المزلقانات وتزويدها بالإشارات الإليكترونية للحد من الحوادث التي تقع باستمرار وتشعر بمعاناتهم. واختتم "عامل المزلقان" حديثه بمطالبة المسئولين بإقامة كوبرى للمشاة فى المكان حفاظاً على أرواح المواطنين؛ حيث يواجه صعوبة فى إتمام عمله مع تدافع السيارات والمارة لحظة عبور القطار . إهمال واضح وقال "عبد الله أحمد" - عامل بمزلقان مطار إمبابة بمحافظة الجيزة - والذي أكد أنه لا يوجد أي تقدير مادى أو معنوي يتناسب مع ما يقوم به عامل المزلقان من جهد، مشيراً إلى أن كل المزلقانات تعانى من الإهمال الشديد. وتابع: "نأخذ مرتب يقترب من 700 جنيه بالإضافة إلى بدل سهر لا يتجاوز 10 جنيهات ولا يزيد فى الشهر عن 100 جنيه حتى مع سهر الشهر كله، مضيفاً :" إن الإجازات تكون بنظام نصف اليوم أى وردية كاملة تقترب من 12 ساعة يومياً ومثلها راحة، مشيراً إلى أن الإمكانيات الموجودة تكاد تكون معدومة على الرغم من كونه المسئول عن سلامة مرور القطار والحفاظ على أرواح البشر، وتسيير حركات السيارات المارة وفى النهاية هو المسئول الأول عن أي حادث"، على حد قوله . واختتم عامل مزلقان مطار إمبابة حديثه قائلاً:" قد تتعطل "السيمافورات" المسئولة عن التنبيه بالإضافة إلى الإشارات الضوئية وكلها عوامل تعيق من أداء مهمتي ". رعاية سيئة واشتكى زميله "عم فتحى" من الرعاية الصحية لهم التي وصفها بالسيئة، مشيراً إلى أن هناك مستشفى وحيد هى مستشفى الهيئة ولا توجد سوى بالقاهرة، قائلاً:" لا توفر لنا الهيئة أي وجبات غذائية على الرغم من ساعات العمل الطويلة بالإضافة إلى عدم وجود بديل مناسب لساعات العمل الإضافية خاصة وأن جزء من الراتب يذهب في شراء احتياجات أساسية لهم مثل الطعام أو الشاي وغيره". وأوضح "عم فتحي" أن الإجازات لديهم 4 أيام في الشهر وهى غير كافية بالمرة، مشيراً إلى أن الظروف المحيطة بعملهم قاسية ووسط مقالب القمامة والأسواق. واختتم "عامل مزلقان مطار إمبابة" حديثه بالتأكيد على عدم وجود وسائل حماية لهم خاصة مع تعرضهم للسرقات التى تكون فى النهاية "عهدة" عليه تخصم من مرتبه، معرباً عن أمنياته فى أن تنفذ خطط سريعة لتطوير مزلقانات السكة الحديد بجميع محافظات مصر.